( أخبار الزمان بين القدس وعمّان )


رواية قصيرة

الحلقة الثالثة


مرّ دهر طويل ، بعد أن رفع الله عزوجل سيدنا عيسى بن مريم إليه في السماء ،وطهره وأنقذه من دنس بني إسرائيل ، الذين حاربوه
وأوشكوا على صلبه وقتله بأمر الحاكم الروماني ببيت المقدس .
وكان الناس حينذاك قد نسوا ملّة أبيهم إبراهيم عليه السلام ،
فمالوا عن منارة الحق المُضيء وانغمسوا في مُستنقعات الجهالة
المُظلمة ! .

في تلك الأيام المريرة ، المقتولة بالظلم والفساد والعدوان ،
والإشراك بالله ما لم يُنزّل به سلطاناً ، كانت يثرب تموج بالمُفسدين في الأرض وهم اليهود ،الذين ما تخلّوا يوماً عن
إشعال فتيل الحرب بين قبيلتيّ الأوس والخزرج ، ومحاربة
النبيّ المُنتظر ، وهو لم يزل بعدُ خبراً مُســـتــقبـليــّاً في كتب
الســــــــماء .
فقاموا بطــمس وإخفاء علاماته المُزهرة ، والمُقرّرة عندهم في
التوراة، وحتى في الإنجيل ... وراح كثير من أحبارهم يحلمون
طائرين على أجنحة أمانيّهم الكاذبة ، مُشيعين بين العباد بعلمهم
الخادع المُحرّف : أن النبيّ المُنتظر والرسول الخاتم ، لن يكون إلا
واحداً منهم ، أما العرب فليس لهم فيه حظ ولا نصيب ، فهم أقلّ من أن يكون فيهم نبيّ مُرسل يُوحىَ إليه من ربّه ! .
وأنساهم الشيطان بضلالهم ، أن الله سبحانه أعلم أين يضع
رسالته .

ولم تلبث آمالهم الخبيثة أن خابت ، فرُدّ عليهم مَكرهم الظلاميّ ،
وانكشفت إدّعاءاتهم الوقحة ، عندما آن الآوان وظهر محمد بن
عبدالله ، خاتم الأنبياء وسيّد الرُسُل الى الوجود ، فدعى الناس
الى دينه الحنيف ، وكان عربيّاً خالصاً من ولد إسماعيل .
فرفرفت القلوب المُعذبة ، وترنّمت بإنشودة الحب والمُساواة ...
ثم هاجرت كطيور السنونو الى نور الله وخلوده ، ولم يطل الوقت
حتى صارت يثرب المدينة المُنوّرة بالإسلام، بعد أن حطّ الرسول
الكريم رحاله فيها ، فأنهى الحرب المُشتعلة بين خصماء الدهر ،
الأوس والخزرج ، وآخى بين أصحابه المُهاجرين والأنصار ، وأقام الدولة العربيّة الإسلامية على أساس الشورى والعدل والمُساواة والسلام بين الناس جميعاً دون تمييز .

ولكن هل أعجب هذا اليهود ؟؟؟ .
كلا ...... وبقيت قلوبهم المريضة تغلي بالبغض والكراهية لله
ولرسوله وللمؤمنين .. وراحوا ينبحون ككلاب مسعورة في كل
مكان وهم يقولون :

ـــ
محمد يقضي بدينه وقرآنه على قوّتنا ونفوذنا بين الناس ...
بل إن دينه الإسلام يقضي على وجودنا فوق هذه الأرض ، فماذا
أنتم فاعلون يا بني إسرائيل !؟! .
ـــ وحق موسى لنكذّبنّه في كلّ مجمع ولنحاربنّه ودينه وقرآنه
بعلمنا وسلاحنا حتى تكون الغَلَبَة لنا عليه وعلى كل ما هو
عربيّ ... !

ومضوا في حربهم الغادرة للمسلمين بلا هوادة ... فأوحى الله
ربُّ السماوات والأرض الى نبيّه الأعظم أن يشدّ عليهم هو
وأصحابه الكرام ، لكي يتحقق من جديد ذلك العقاب الربّاني لهم .
وجاء يوم خيبر العظيم ، يحمل في قلبه وعينيه رؤيا النصر العربيّ
الكبير ، ودارت المعركة الرهيبة بين حُماة حق الإنسان في العيش
والكرامة، وقَتلَة هذا الحق والتطاول عليه ، فواجه الصدق الكذب
والخير واجه الشرّ ، واستبسل المؤمنون في جهادهم ، وراح
عبدالله المسلم يصول ويجول براية الإسلام العالية الخفاقة ،
ويضرب بسيف الله المسلول رأس كل طاغية جبار ويُطيح بهامة
كل كافر غدّار .

ومرّ الوقت كشُهب السماء المُضيئة ، وحسم فرسان الحق الإلهي
المعركة ، فانهزم ليل اليهود المُعتدين ، مُحترقاً أمام فجر الإسلام
الملائكي ، وأمر النبيّ الإعظم صلى الله عليه وسلم بهم فطُردوا
من المدينة المنوّرة ، بل ومن الأرض العربية كلّها ... فعاد القوم
بظلمهم الأبديّ الى عتمة التيه وضبابه ..

{ وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }
( 118 ) سورة النحل

وشعر المسلمون بالإرتياح فتنفّس السرور فرَحَاً في قلوبهم الطاهرة ، وصلّى بهم الرسول الأكرم شكراً لله على نعمة النصر ،
ثم جلس يُخبرهم خبر آخر الزمان بوحي من العزيز العلام وقال :
ـــ (
لتُقاتلنّ اليهود أنتم شرقيّ النهر وهم غربيّه حتى يقول الحجر
والشجر يا مسلم يا عبدالله هذا يهوديّ ورائي تعال فاقتله إلا
شجر الغرقد فهو من شجرهم ) . رواه مسلم
ودمعت عيون الصحابة الكرام ، حُزناً وألَمَاً ، وأوجستْ نفوسهم الزكية خيفة على أولادهم
وأحفادهم حُرّاس الأقصى ، وطفقوا ينظرون إلى الأفق البعيد .. واضعين أيديهم المجاهدة على
مقابض السيوف وهم متحفّزون ... !!
< تابعوا الحلقة القادمة يرحمكم الله >
بقلم : ايهاب هديب
الطبعة الأولى 2005
جميع الحقوق محفوظة بأمر الله