جلد العنزة


تصرخ المرأة التي ربتها وتملأ الوادي عويل ، يسارع زوجها مواسياً
: ربنا أراحها من العذاب
قالت باكية : الشيء الذي يحز في نفسي ، أنها لم تنجب لنا عنزة واحدة
: العوض علي الله
كانت لتلك المرأة عنزة لم تلد بطناً واحدة ولم يمتلئ ضرعها يوما
باللبن ، علي الرغم من رعيها مع القطيع الكلأ ، إلا أنها ظلت هزيلة ،
تجنبتها التيوس ولم يمارس معها أي فحل فنون الغزل ، في عام
الجدب أصابها الجرب ، دهنوها بالقار وعزلوها بجوار شجرة بلوط
جرداء ، تساقط شعرها المسترسل وزرته الريح في يوم عاصف فوق
أشواك الوادي ، أصبح جلدها شفافاً ، يشع ضوء ً بألوان الطيف السبع
في الليالي القمرية ، كل من يشاهدها ، يستطيع أن يري أعضائها
الداخلية ساعة الاحتضار ، انتقل خبرها بين الأمصار ، يتجمع حولها
الرعاة صباحاً ومساءً، يلتمسون من العنزة المقدسة البركة
ويبكون 0! ، ماتت وحيدة مقطوعة الأثر أمام عتبة الخيمة
في جنح الظلام و بعيداً عن أعين الرعاة ، سلخ الرجل جلد العنزة
وفي الصباح نشره في أشعة الشمس بعد أن زرَّ عليه قليلاً من ملح
الطعام 00
جلس الزوجان القرفصاء ، بينما كان يتدبران أمر تلك المصيبة ويفكران
في مراسم دفن جثة الفقيدة وإذا بغراب ينعق من فوق شجرة قريبة ،
أعلن للآكلات الجيف عن موت العنزة المريضة ، لم تمضي إلا لحظات
حتى حامت فوق رأسهم طيور جوارح
قالت خائفة : ادفنها في مكان بعيد عن الخيمة
دفن الرجل أشلاء العنزة بطن الأرض ووضع علي قبرها شاهداً خشبياً
لتتعرف عليه الأجيال ووفود الزائرين ، دوائر سوداء من طيور شتي
تحوم حول قبرها ،صمت الزوج ثم راح في غيبوبة التفكير العميق ،
ربما يفلح في اقتناص فكرة من الذاكرة يسعد بها امرأته الحزينة ، نظر
إليها مبتسماً بعد أن اهتدي إلي حيلة خبيثة
: لقد واتتني حيلة بارعة نستبدل بها خسارتنا في العنزة بثروة كبيرة
قالت منشرحةالصدر : كيف 00!!؟
: نبيع جلدها في صالة مزاد القرية السياحية ونجعل قبرها مزارا
دينياً مقدساً
قالت غير مقتنعة بالفكرة : جلدها عديم القيمة ، والرعاة يعرفون قصتها
: نختلق لها حكاية أسطورية
: مثل حكايات الغول والعنقاء
: أي عنقاء يا جاهلة00!!؟
: قل لي كيف تقنع الناس بقصتها ؟
: نحكي لهم مثلاً 00 أنها عنزة مقدسة 00من سلالة مباركة 00 أبوها
وأمها كانا من الناجين أيام طوفان سيدنا نوح ، هبطت علينا من السماء كطائر
بدون أجنحة مرتدية ملابس رواد الفضاء ، كانت تحكي لنا بعض الأسرار الكونية
وتخبرنا بموعد كسوف الشمس وخسوف القمر ولذلك
يشع جلدها أنواراً بألوان الطيف السبع في الليالي القمرية
: هل جننت يا رجل !!؟
من يصدق هذا الهراء ، الأفضل أن تجعل قبرها مقاماً مثل مقامات
الأولياء ، يزوره الناس طلباً للمدد ويضعون علي أعتابه القرابين
: أي مقام يا متخلفة !!
الناس لم يعد يستهويهم إلا الأشياء الغريبة ، فعلينا إذاً اغتنام تلك
الفرصة وبيع جلد العنزة لرواد القرية السياحية يوم " الكرنفال "
: والله ما أنا فاهمة تلك الحيلة 00 أخبرني بدوري في هذه اللعبة
دخلت الزوجة الحفلة التنكرية مرتديةَ جلد العنزة كاشفة الصدر
والساقين ، تحمل علي محفة من قطيفة حمراء كتيبات صغير مدون
به السيرة الذاتية للفقيدة وشروط المزاد ، تجولت في أركان الصالة
تعرض بضاعتها، كل من يشاهدها يري مفاتنها الداخلية ، تنتشر رائحة
عفنة في أرجاء المكان ، يقاومها حملة المباخر برائحة العود والعنبر في
كل اتجاه ، ثم بدأ المهرجان المنقول علي الهواء عبر الأقمار الصناعية0000
عزفت الموسيقي ألحاناً شرقية و أطفأت الأنوار ، أوقد في الصالة
اثني عشرة شمعة، مثبَّتة علي شمعدان ذو ثلاث شعب ،
أضاء نور خافت الأركان المظلمة ، سارع المصورون بالتقاط
الصور التذكارية ، عكست الرقعة العجيبة برق آلات التصوير
علي الوجوه أنواراً فسفورية ، صاحوا مبهورين
: يا سبحان الله
شق الزوج طريقه إلي رقعة الجلد العجيبة بصعوبة ، لم تتعرف عليه
امرأته من أول وهلة ، كان مرتدياً ذقناً مستعاراً وسروال فضفاض
أشبه بشيوخ القبائل الهمجية ، خاطب المرأة بصوت جهوري
: يا أمة العرب 00 أبغي شراء هذه الرقعة بعشرة آلاف دينار
هب شيخ غاضب ، رفع حاجبه ثم قال
: لن يشتريها إلا أنا 00
سوف أدفع فيها ما يزيد علي عشرون ألف " دولار "
وقف شيخ آخر وقور ، قبل أن يشارك في المزاد داعب لحيته متبسماً
: أنا الذي اشتريها وادفع ثمناً لها زيادة عما عرضوا
خمسون ألف " دولار "
ارتفعت حرارة المنافسة وتباري المزايدون في رفع السعر ، كلهم
يصرَّ ون علي الفوز بهذه الرقعة ولو بحد السيف 00
بينما كان الزوجان يتأهبان لجني ثمار خطتهما البارعة وإذا بجنود
لا قبل لهم بها تهبط عليهم من السماء ، الجنود مرتدية ذي أولاد
" عنان " السوداء ، مرسوم عليها دوائر زرقاء يتوسطها نسر فارد
جناحيه يحتوي الكرة الأرضية بين مخالبه وفي منقاره غص زيتون
أخضر ،ظن الرجل أنهم من رواد الحفلة التنكرية ، غمز بطرف عينه
لامرأته ، أن أدخليهم في اللعبة المسلية ، خاب ظنه لما سمع دوي
الطلقات النارية ورأي الوادي تحاصره من الجهات الأربع البوارج
والدبابات والطائرات الحربية، أعلن قائدهم أن العنزة المقدسة
عنزتهم ، وارد اسمها ضمن أسماء رواد المكوك الفضائي الذي انفجر
عند انطلاقه ،سيطر الرعب علي أهل الوادي وزوَّار العنزة المقدسة
فتجردوا من ثيابهم وساروا علي ساحل القرية التي كانت آمنة و الأيدي
مرفوعة فوق الرؤوس ، ألقوا بأنفسهم في مياه البحر المالحة تاركين الزوجان
في العراء ، تقدمت الجنود منهم ، نزعت عن المرأة جلد عنزتها دون مقاومة وكبلت
الرجل في جزع نخلة مكشوف العورة ، صرخا في الوادي طلباً للنجدة 00
لا حياة لمن تنادي فالرعاة متفرقون في المراعي ، يشاهدون الأحداث ا
لمتتابعة علي شاشات التلفاز ويصفقون