أزمة المثقف العربي . 3/6
===============
دور المثقف :
=========

ان دور المثقف ووظيفته في المجتمع ليست إستعلائية هامشية ، بل هي " وظيفة حضورية " بما يستتبع ذلك من دور بالإنفتاح على المجتمع وجماهيره ، والتفاعل مع قضايا الوطن الداخلية والخارجية . وهذا الإنفتاح والتعايش مع الجماهير هو الذي يلغي الحواجز بينهما ، ويعطي علاقة ثابتة ومستمرة وتفاعلية معهم . فتجعل منه إنسانآ مثقفآ صادقآ مع نفسه ومع مجتمعه . فيدرك ويمارس الدور الملقى على عاتقه ، بغرس بذور الثقة والتفاعل الإيجابي بينه وبين مجتمعه ومحيطه .
وعلى المثقف العربي أن يمارس نشاطه ووظيفته عبر نشاطه النظري والعلمي لإنجاز التطلعات المعرفية والثقافية ، من أجل إيجاد الإبداع الحقيقي في نظرته وفي دوره وفي ممارسته . وإن كان هذا لايمكن إعتباره تعميمآ شاملآ ليتطلب من المثقف ان يجيب عن كل الأسئلة المنتجة من الواقع ، أو ان يحل كل الإشكاليات والمعطيات القائمة .
إن وظيفته وعلى قدر طاقاته ، هي الإنطلاق والسعي نحو الإبداع في محاولات جادة لكشف القضايا والإشكاليات ، والبحث العميق الواعي في مضامينها الجوهرية من اسباب ونتائج متولدة. كما عليه تحفيز المجتمع / الناس على التفكير بها بما يوصل إلى وضع هذه الإشكاليات موضع النقد الموضوعي الجدي البناء ، وليس الهروب والتقوقع والمعايشة لها من فوق . فإبداعه وعطاؤه مرتبط بشكل أساسي بالدور / الوظيفة الواجب عليه اداؤها ، والمرتبط بالواقع الذي يعيشه ويتعايش معه ، وبالظروف والمعطيات الموجودة والمحيطة .
فإن لم تكن هناك أي رابطة فكرية أو ثقافية تربطه بمجتمعه وواقعه ، فإنه لن يتمكن من العطاء ولامن إنجاز الدور الإبداعي . إذ أن المرتكز الأساس للعطاء والإبداع هو بتوافر " التفاعل الخلاق " بينه وبين محيطه ومجتمعه ومعطياته . وبذلك التفاعل الخلاق سينتج الحلول والمعالجات التي تنسجم مع المحيط ومع تلك البرهة التاريخية ، وبشكل لايؤدي إلى ألإستسلام والخنوع للمعوقات المواجهة .
اننا نستطيع من إستقراء التاريخ والحاضر أن نرتكن إلى مقولة تعبر عن هذا الرأي والفعل والنتيجة ، بأن :
( حيوية المثقف وفاعليته وعطاؤه ، مرهونين بالإرتباط وبتوسيع القاعدة الإجتماعية الجماهيرية . وأن مقتلها الحقيقي هو في خنقها ضمن إطار نخبوي ضيق ) - قول الأستاذ محمد محفوظ - .
والمثقف بإعتباره عامل فاعل ، وعامل جدلي في الثقافة التي يفترض أن تلعب دورآ أساسيآ في خلق الوعي الفاعل والنقدي ، لايمكن له الإرتكان إلى ( اليقين ) .. ولا يحق له أن يبقي دوره محصورآ في الحلم . بل لابد له من أن يطمح ويفعل تطلعآ إلى إحداث التغيير ، وأن يراهن على "المستقبل " أكثر مما يعيش " الحاضر " ، وأن لايكون صدى يتعايش فيه مع المؤسسات السياسية أحزابآ أو أنظمة ، حتى مع وجود إشكالية في الدور وفي العلاقة بين الثقافة ، وبين السياسة ، مع الإقرار بأنهما يعيشان علاقة جدلية من الصعب التمييز والفصل بينهما . وهذه الإشكالية لاتزال سائدة ومهيمنة ومانعة لضرورة تبيان وتحديد العلاقة الغير واضحة حتى الآن ، والتي لابد أن تتحدد وتُوضَح .
لقد وصف المفكر والكاتب / عبد الرحمن منيف / دور المثقف ، بأنه دور ( شاعر القبيلة ) ، حاضآ المثقفين على ضرورة التخلص من هذا الدور الماضوي .
إن توصيفه هذا ينطلق أساسآ من قناعته عن عدم وجود " دولة عربية معاصرة " . فهي أقرب إلى حالة البداوة منها إلى حالة الدولة الحديثة ، بما تحمله معها وفي داخلها من صفة ( القبيلة ) وهي تشيّد ، وهي تتعامل ، وهي تصالح ، وهي تحارب .
وتحصيلآ .. فالشاعر / المثقف الذي كان رمز القبيلة والمدافع عن امجادها والمهاجم لخصومها .. قام بنفسه ، وطُلب منه اليوم ، مع إستمرارية الدور القبلي بأن يواصل المهمة والدور ذاته .
وان أهم مايمكن إضافته ، وقد نمّي ونما وتزايد بشكل كبير ، عنصران : المال / الرشوة ، والقمع .. وهما مستمران يتحكمان في دور المثقف ومواقفه ورؤاه وأفعاله ، لضمان إستمرارية مظاهر التخريب الخارجي والداخلي بالترويج للثقافة الأخرى ، وللثقافة الإستهلاكية السهلة والملفقة ، ومحاربة الثقافة الجادة الواعية والفاعلة كأداة من أدوات التغيير والتطور .

من هنا لابد من مراجعة جادة وفاعلة ونقدية لدور المثقف في المجتمع وفي السلطة وفي التنوير والتحديث ، منعآ لبقاء ذلك الإنشقاق ، وتلك الإزدواجية النابعة من عدم إنكار معظم المثقفين بأن:
[ الصلاة وراء " علي " أثوب .. وأن الأكل على مائدة " معاوية " أدسم .

====================
فائز البرازي
8/6/2009
==============
[[ تعليق أستاذة / ريمه + ردي ]]
---------------------------------
اقتباس:
أن المرتكز الأساس للعطاء والإبداع هو بتوافر " التفاعل الخلاق " بينه وبين محيطه ومجتمعه ومعطياته
نعم تماما والسؤال كيف نجعل من التفاعل دافعا ايجابيا لاسلبيا؟ وسط كل المعطيات المتناقضة؟
مع كل التقدير


ريمه الخاني


-------------------------

أزمة المثقف العربي / حلقات
________________________________________
سيدتي الفاضلة / ريمه الخاني

اقدر تمامآ ما تجود به نفسك النقية ، ورؤيتك العقلانية .

النصوص مهما عظمت - ونصوصي متواضعة - تبقى ميتة إن لم تلق تفاعلآ وحوارآ وتجسيدآ .

اشكرك على أفكارك وتساؤلاتك القيمة ، والتي هي دالة للفكر والحوار ، ومحفزة للتفاعل .

إسمحي لي بإنتظار عرض باقي الحلقات .. فقد يكون هناك تعليقات عليها ، فنتحاور فيها .

تقديري لعمق قراءتك وحسك وفعلك الأدبي والثقافي .











التوقيع
وإنما الأمم الأخلاق مابقيت 00 فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا