أزمة المثقف العربي : 2/6
================
ملامح لمثقفين :
==========
مع متابعة كشف وتبيان ماهية المثقف وكينونته ووظيفته ، وأزماته التي يعيشها أو يواجهها ، لابد لنا أن نوضح الأطر التراتيبية للمثقفين حتى لا نُحمّل بعضهم أكثر مما يحتملون .
مستويات المثقف :
------------------
وهنا لاأعني الإرتكاز على المعرفة التي ترتكز على المعلومة وعلى الحقائق فقط في تحديد هذه المستويات ، ولا نعني هنا تلك " النخبة " فقط ، بل أعني كما طرحت سابقآ الإرتكاز على تلازم ( العلم والأخلاق والعمل / الفعل ) . شاملآ للنخب والشعب بما يمكن أن يعطي درجات متفاوته في الثقافة / المثقف .
وقد تبنى الأستاذ / علي عبد الجليل علي / فكرة وجود عدة مستويات للمثقف هي :
1- ( مافوق المثقف ) :
وهي مرتبة " الأنبياء والرسل " بإمتلاكهم المعرفة المافوق إنسانية / الإلهية . ومنها مارسوا فعلهم / قدرتهم لتغيير الواقع الموجودين فيه إلى الأفضل .
2- ( المثقف المثال ) :
وهم العلماء والباحثين والفقهاء والمصلحين ، بما يمتلكون من معرفة وحكمة إنسانية وإرادة فعل . وهؤلاء كان لعلمهم ومعرفتهم وقناعاتهم الأخلاقية وفعلهم في المجتمع ، تأثيرآ مؤيدآ للحق والتطور والإصلاح . معارضين كل مامن شأنه مقيمآ للإستبداد والتحجر والتخلف . فكانوا في معرفتهم وثقافتهم وقناعاتهم وإرادتهم ، منبعآ للفعل وتوجيهه والتحريض عليه لنقله من الإنفعال إلى الفعل الواعي البناء .
3- ( المثقف / الواقع ) :
وهم الذين يملكون " المعرفة والأخلاق " لكنهم بتركيبتهم البشرية الذاتية لايملكون القدرة والإرادة على المواجهة والفعل لتغيير الواقع . خاصة عند " تغوّل " الواقع مترافقآ مع الضعف الإنساني . ومثقفوا الواقع يظهرون بشكلين ، مع أنهما متناقضين :
• " الإنسحاب إلى درجة الهروب " : فينغلقون على أنفسهم ، ويعيشون في ذواتهم وأبراجهم .
• " الإستلاب إلى درجة الذوبان " : حيث يهمشون أنفسهم ويسايرون الواقع المحيط ، بل أنهم يبررون هذا الواقع بشكل مفرط .
وما بين " الإنسحاب " ، وبين " الإستلاب " يفقدون قدرتهم على التوازن أو الحفاظ على التوجه السليم . بل يفقدون أيضآ القدرة والإرادة على الفعل رغم إمتلاكهم المعرفة .
4- ( مادون المثقف ) :
وهم الأفراد الذين " يملكون " القدرة والإرادة لإحداث الفعل والتغيير بسبب من سلطة أو قوة أو مال .. لكنهم لايملكون " المعرفة والعلم " ، بعيدون عن إمكانية الوعي بحقائق الأمور والمعطيات . فهم يؤمنون " فقط بالنتائج " بإعتبارها أهم من " مقدماتها " . وأن " الفعل " أعظم من " مقومات الفعل " . وبالتالي سيدخلون حتمآ في دائرة العداء مع من يملكون العلم والمعرفة والثقافة .
5- ( المغيب عن الثقافة ) :
وهم الهامشيون الغائبون عن المشاركة في الحراك المعرفي والثقافي . وقدرتهم على تحصيل المعرفة محدودة للعديد من الأسباب . ومحصورين في إدراكهم لأبجديات الحياة البسيطة ، مع محدودية كبيرة للفعل والمحصورة في أضيق نطاق .
المثقف الفاعل عبر التاريخ :
----------------------------
بما أن التاريخ هو مستودع الحياة الإنسانية وتجاربها على مر العصور وتراكماتها ، كان لابد من الرجوع إليه – جزئيآ وإنتقائيآ – لإعادة عرض " بعضآ " من ملامح مثقفين ومفكرين مارسوا وظيفتهم ( قولآ وعملآ ) فقادوا البشرية في مراحلها الزمنية نحو التطور والتقدم والعطاء .. نحو الأفضل .
وإنني هنا في هذا العرض لبعض هؤلاء المثقفين ، وكتخصيص وليس كتعميم شمولي ، لأنهم أكثر من أن تحيط بهم عجالة أو بحث أو مجلدات . وأنا هنا لا أقيم أفكارآ ، بل أعرض أدوارآ مارسها هؤلاء المثقفين ، منطلقين من إستيعاب الثقافة والعلم والتجربة ، وإعادة إنتاج فكري ممارسي كان له الدور الكبير في تطور الإنسانية .
• إبن رشد :
-------------
وهو عن حق أنصع من مثّل المقولة المعروضة سابقآ : ( أن روح الثقافة الحية والفاعلة ، هي في أن يبرع المثقف ويفعل ، بعد أن يمتلئ بالمعرفة ، لا أن يردد معارف الآخرين ) .
فتعمق بالثقافة والحضارة اليونانية وفلاسفتها ، من دراسة وترجمة ، وعاش مع مشكلات أمته ومعوقاتها ، فكانت فلسفته المنجزة التي أقامها في معظمها على توضيح وتصحيح العلاقة بين : الفلسفة والدين – بين العقل والشرع . منتصرآ لأمته في وجه حكامها المستبدين الراكضين وراء الملذات ، مما أوصله إلى ماسماه العلماء والمفكرين والدارسين ( نكبة إبن رشد ) وصدامه المتكرر مع الخليفة / المنصور الموحدي / .
أنجز / إبن رشد / أكثر من مائة وعشرين مؤلفآ من أهم ماكتب في : الفلسفة ، والإجتماع ، والسياسة .
• ولابد من المرور السريع على ( محنة إبن حنبل ) المسماة " بمحنة خلق القرآن " . وأيضآ على ( محنة إبن تيمية ) وسجنه في قلعة دمشق ، مطلوبآ منه إعلان تخليه عن آرائه مقابل الإفراج عنه ، فرفض وقال قولته الشهيرة : [ مايصنع بي أعدائي ؟ ان جنتي وبستاني في صدري أينما رحت وكنت ] .
• ونتذكر / زيد بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين / ، وكان عالمآ فذآ قاد ثورة شعبية عارمة في الكوفة 121 هجرية ضد حكومة / هشام بن عبد الملك / ودارت فيها رحى حرب طاحنة إستشهد فيها / زيد بن علي / وكثير من أصحابه غدرآ . وبقيت جثته معلقة لمدة أربع سنوات مصلوبة في كناسة الكوفة ، ثم أحرقت وذريت في الفرات .
• ونستضيئ بأسماء تركت بصماتها وأفكارها حتى اليوم مثل : إبن خلدون –إبن حزم الأندلسي – وأخوان الصفا . ونستعيد بالذاكرة التاريخية : سقراط ،وافلاطون ، وأرسطو ، وصولآ إلى / ميكيافيلي / 1513ميلادية وكتابه ( الأمير ) وتساؤله الذي لايزال مهيمنآ على الفكر والسياسة : [ هل من الممكن أن ينحاز الحق للواقع ؟ ] .. وهو سؤال في غاية الأهمية لابد أن يطرحه كل مثقف على ذاته . إنه السؤال الذي يمثل الحق الواجب أن يكيف الواقع ويغيره ، لا أن ينحاز إليه . وهي معادلة شائكة تمثل الخيط الرفيع بين المثقف والواقع . ان على المثقف ألا يكون واقعيآ إلى درجة الإغراق والغرق ، وعليه في ذات الوقت ألا يكون خياليآ حالمآ إلى درجة الغياب والإغراب .
• ولابد من المرور : بتوماس مور ، وجان جاك روسو ، وسان سيمون ومفكري الثورة الفرنسية ، وألبير كامو ، كنماذج ثقافية غربية . وكذلك / كارل ماركس / و / لينين / كنماذج ثقافية فاعلة أنتجت عقائد وايديولوجيات وثورات في العالم .
وأود في هذه العجالة .. أن أقف أمام قامة ثقافية عربية في العصر الحديث لم تأخذ حقها من العرض والدراسة والبحث . المفكر والمثقف والسياسي الجزائري / مالك بن نبي / المتوفي عام 1973 ..
ان ماتستوقف المرء هي الأهمية الكبرى والشاملة لفكر وفعل / مالك بن نبي / والتي أبانها وتبناها الدكتور / محمد الفنيش / في محاضرته بمقر " مركز الحوار العربي " في واشنطن ، ونقاطها الأساسية :
1- ان مالك بن نبي رائد أصيل وصاحب منهج ونظرية فلسفية في " الحضارة " تتعدى أهمية فكره وعبقريته حدود العالم العربي والإسلامي .
2- مالك ليس كاتبآ محترفآ .. بل هو " صاحب قضية " التفكير والكتابة بالنسبة له كانا سلاحه في المعركة . فهو إبن المستعمرات الذي أثقلت مأساة المستعمرين كاهله . وهو العربي المسلم الذي هالته فداحة إنحطاط أمته وإستقالة حضارتها من التاريخ . هو صاحب قضية تهز المأساة الإنسانية أعماقه ، ليس مشغولآ بترف عقلي زائد . لقد قدم فكرآ يرتبط بمنهج يتصل بعمق المأساة الإنسانية وصميم المشاكل الإجتماعية .
3- في أغلب حياته التي عاشها في أوروبا ، كان دارسآ للحالة الغربية بعين الناقد الذي يعرف محاسنها ، ويكشف مساوئها .
4- جمع بن نبي إلى جانب صرامة العقل المنهجي المولع بتحليل الظاهرة الإجتماعية ، دقة المهندس ، والنفس الطويل للمؤرخ ، وشفافية روح المؤمن ، وتفاني الداعية الذي كرس حياته لقضية لايحيد عنها . وهذا مزيج لا يتيسر بسهولة لكل مثقف .
لقد كانت نقطة الإرتكاز الأساسية لديه ، هي : ( مشكلة الحضارة والدورة الحضارية ) . فقد أبرز / بن نبي / مشكلة العالم المتخلف بإعتبارها قضية "حضارة" أولآ وقبل كل شيئ .
لقد نجحت بلاد أخرى بدأت بوادر " حركة النهضة " فيها بعد منطقتنا ، لأنها إتخذت موقفآ مختلفآ في مواجهة مشكلاتها . لقد وقف العالم الإسلامي من الحضارة الغربية ، موقف "الزبون" الذي يشتري منتجات هذه الحضارة ويكدسها . فأنشأ بذلك مايمكن لهذا التكويم أن يسمى ( حضارة شيئية ) نتجت عن تكويم منتجات حضارات أخرى في كل المجالات . وفي هذا فقد سرنا عكس المنطق . فالحضارة :[ تلد منتجاتها وليس العكس ] .

=======================
فائز البرازي
4/6/2009
------------------
[[ تعليق الأستاذة / ريمه الخاني ]]
=======================

وهو عن حق أنصع من مثّل المقولة المعروضة سابقآ : ( أن روح الثقافة الحية والفاعلة ، هي في أن يبرع المثقف ويفعل ، بعد أن يمتلئ بالمعرفة ، لا أن يردد معارف الآخرين )
**********
لقد وقف العالم الإسلامي من الحضارة الغربية ، موقف "الزبون" الذي يشتري منتجات هذه الحضارة ويكدسها
**************
مااوسع الفرق بين من يتفاخر ببضاعة الغرب مستهلكا فكرا ومادة وغائبا عن صميم قضيته فكرا وعملا
ولن ننسى ان اشعال اول فتيل ثوري عبر التاريخ كان يبدا بكلمة..
فهل عصرنا مؤهل لذلك؟ام بات منبرا مؤسسيا يحتاج الى اكثر من مقر ومفكر وامر بات مهنيا صرفا؟؟؟؟
امر من هنا واترك تقديري