وجهك مخطوف (مش عاجبني !)
كتب مصطفى بونيف

وجهك مخطوف مش عاجبني !

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

خرجت بكامل أناقتي بعد أن وقفت ساعة أمام ( المراية) أضبط الشعرتين في مقدمة الرأس ، وأضع عليهما مسحة ( جل) ، حتى أبدو كالفنان حسين فهمي ، مع مراعاة فروق لون الشعر والعينين ..طبعا !.
أنظر إلى المرآة وأنا فخور بسحنتي : - قمر يا موس ، قمر ! ، ثم أطلق قبلة الهواء...أمواااه ...(عين الحسود فيها عود ) .
ثم أسمع والدتي تقول : " - يا موس يا ابني قل ( اللهم حسن خلقي كما حسنت خلقي ) ...فأذهب إليها وأطبع قبلة على رأسها قائلا : " - إن الدعاء تخصصك يا أمي ، وأنا أعتمد عليك في هذا الأمر .".
خرجت من باب البيت لأجد جارنا عمي رشيد في وجهي " صباح الخير يا عم ، كيف الحال ؟" ..
- صباح النور يا موس ، الله ينورك .
وسرعان ما يتفرسني بنظراته ، وهو يقلبني تماما مثلما فعلت ماري منيب مع لبنى عبد العزيز في فيلم هكذا هو الحب .
ثم قال في فزع : - موس ، وجهك مخطوف مش عاجبني ! .
فأجبته : - ومن الذي خطف وجهي ، وجهي معي والحمد لله !
- لا ، أنا أقصد أن التعب والإرهاق يبدوان على وجهك ، كأنك لم تنم طوال الليل .
- لا والله ، أنا نائم من بعد صلاة العشاء ، إلى غاية الساعة السابعة صباحا .
فقال لي وكأنه طبيب يفحص حالة ميؤوسا منها ..: " أنت مريض يا ابني عليك بالراحة التامة ، وتناول الفيتامينات ".
- لا والله يا عم ، صحتي مثل الحصان ، أنا مستعد أن أدخل في هذا الجدار أنفذ من الناحية الثانية .
فقال لي في يأس : " لا يا ابني ليست كل الأمراض نشعر بها ، هناك أمراض باطنية من الداخل ليس فيها ألم ، هي التي تؤذي حقا ، ولا تشعر بها حتى تجد ملك الموت قد وقف لك يطلب أمانته ، ألا تسمع عن موت الفجأة ؟"
فأجبته بارتباك وأنا أبلع ريقي بصعوبة : نعم ! ( قررررم صوت حلقي بعد أن نشف منه الريق ) .
واصل عمي رشيد : " موت الفجأة يا موس يا ابني يكون بسبب هذه الأمراض الخفية التي لا يعرف لها الطب تشخيصا ، فالواحد مننا يحمل مرضا كهذا حتى يجد السر الإلهي قد طلع ، ومن أعراض هذا النوع من المرض هو خطفان الوجه ، ترى الشخص المريض في وجهه ، فتجده كأنه مصعوق بتيار كهربائي ، لون أصفر على أزرق ...مع يبس في الشفتين ، وأنا أرى أن شفتيك قد يبستا ".
لعقت شفتي بلساني وقلت له بعد أن قعدت على سلم العمارة : " فمي يبس بعد كلامك عن الأمراض المستورة ، بدأت أشعر بأن الموت يرن على هاتفي المحمول قبل أن يأخذني ...آه يا ركبتاي لا تستطيعان حملي ".
رن هاتفي المحمول في جيبي ...ففزعت !
نظرت إلى شاشة المحمول ، فوجدته رقم زميلي محمود في العمل ، فطلبت من عمي رشيد أن يرد عليه ...وأن يخبره بأنني مريض ، واحتمال بعد دقائق سأصبح ميتا .
أنهى عمي رشيد المكالمة وقبل أن يعيد إلى المحمول قال بملامح جادة " هل تحب أن أكلم لك الإسعاف ؟ ".
فأجبته بنفس متقطع : " -لا داعي للإسعاف ، أريد أن أموت في غرفتي بين أهلي ..اسندني يا عمي رشيد يا رجل يا طيب إلى البيت ".
رجعت إلى البيت ..مهزوما مكسور الوجدان ..فتحت والدتي الباب وصرخت بعد أن رأتني مستندا كالميت على كتف عمنا رشيد " ولدي !".
ولم استفق من إغمائي إلا على صوت الطبيب ، وهو يقول " موس يا موس ، هل تسمعني ؟"
رفعت رأسي ...ونظرت إليه وهو يلبس المئزر الأبيض فاعتقدت بأنه من الذين جاؤوا لاستلام الأمانة .." نعم ، أصلي الفروض ، وأصوم رمضان ، أما الزكاة والله ما عندي فلوس أزكي بيها ، أما الحج فلم استطع إليه سبيلا ، أما الجهاد فو الله كنت أنوي الجهاد ، لكن الشيخ القرضاوي أخبرنا أن الجهاد بالقلم هو أسمى أنواع الجهاد ، جاهدت به ، كتبت ألف مقالة في شتم شارون ، وعشرين ألف قصيدة شعر في حب القدس ، وسبعين قصة في الحث على رجم الصهاينة بالطوب ، وبهدلت البيت الأبيض الذي أصبح أسودا بسبب مقالاتي ...أشهد أن لا إله إلا الله ، و أشهد أن محمدا رسول الله " .
وسرعان ما سمعت الطبيب يقول لأمي " ابنك بخير ، كل ما في الأمر أن ضغطه ارتفع قليلا ، قولي له دعك من العصبية ، هل هو متزوج ؟" .
فأجابته والدتي " والله غلبنا فيه ، كلما يسمع سيرة الزواج يركبه 600 عفريت ".
وسرعان ما تدخل عمي رشيد هامسا للطبيب : " ربما عنده عجز ، هذه الأشياء خفية ولا تظهر ، عندما يصاب الرجل بهذا المرض يكتمه ، حتي يصبح ياء ياء ياء .."
فسأله الطبيب : - ما معنى ياء ياء ياء ؟
أجابه عمي رشيد هامسا " معناها يجي يوقف يقع !".
انتفضت من سريري ، وقفزت ، " لا يا باشا ، لا يا عمي ، أنا سليم ، أنا ألف فاء تاء ، يعني أنظر إلى الفرخة تبيض ".

شعرت ببرد شديد ، و بأن دماغي أصبح ثقيلا على أكتافي ...وإبرا توخز كامل جسمي ..فوقعت مرة أخرى مغشيا على سريري .

مصطفى بونيف

__________________
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي