ما بين هذين القوسين مني [ ]

يقول د. أحمد رجائي في كتابه أوزان الأشعار (ص – 99) :" تميز شعوب الأرض في لغاتها بين الحرف الصوتي الطويل والحرف الصوتي القصير، إلا أن أغلب هذه الشعوب – إن لم يكن كلها- يميز بينهما في اللفظ ولا يميز بينهما في الكتابة. فمن حيث الكتابة يتساوى الحرف الصوتي الطويل والحرف الصوتي القصير [كما نلاحظه في a في كلمتي:

مان man
وُمَنْ woman ]

فللإثنين شكل واحد في الكتابة. أما لفظ الحرف الصوتي من حيث الطول والقصر، ففيما عدا ما توضحه المعاجم يترك الأمر للخبرة والمران وتواتر السمع.

أما اللغة العربية فتكاد تنفرد بين اللغات بنظرة مختلفة إلى هذين النوعين، فهي تعتبر الحرف الصوتي القصير حركة بالفتح أو الضم أو الكسر، والحرف الصوتي الطويل من ألف أو واو أو ياء حرف مد. وهذا ما جعل الكتابة العربية نوعا من الاختزال، فحرف المد أو حرف العلة يكتب وجوبا بينما لا تكتب حركة الحرف إلا عند خشية اللَبس، وما أكثر ما تهمل.ومن حيث التمييز بين الحركة والسكون تعتبر العربية الحرف الصوتي الطويل حرفا ساكنا، بينما تكون حركة الحرف وهي المعادلة للحرف الصوتي القصير في اللغات الأخرى لا ساكنة ولا متحركة لأنها هي الحركة ذاتها وليست حرفا صوتيا قصيرا، أي أنها ليست حرفا على الإطلاق. [ونظيرها في ذلك اتجاه الحركة في الديناميكا أو علامة السلب والإيجاب +/- في الرياضيات فليست أي منهما كما ولكنهما نوع يبين اتجاه الكم]

وعندما يدرس المستشرقون لغتنا يقيسونها على أنفسهم ومن هنا يعتبرون الحرف المتحرك الذي لا يليه ساكن (مقطعا مفتوحا) والمقطع الذي يليه ساكن (مقطعا مغلقا) وهذا عين الخطأ في رأينا وقد أدى إلى ضعف قدرتهم على فهم العروض العربي. فالحرف المتحرك الواحد لا يشكل مقطعا بذاته وإنما هو جزء من مقطع، والمقطع في العربية هو الحرف الساكن مع ما يسبقه من حروف متحركة. فالمتحرك الواحد مع الساكن (لا) [1ه=2] هو السبب، والمتحركان مع الساكن هو الوتد (بلى ) [11ه=3] والثلاثة المتحركات مع الساكن هي الفاصلة (لِمَ لا) 111ه=2 (2) = ((4) ولا استثناء لهذه القاعدة إلا في حالة السبب المبتور (لَ)، فإن ورد وجب إشباعه، وهي المشكلة التي تكاد تكون الوحيدة في فهم العروض العربي. [ لعله يقصد السبب الخفيف محذوف الساكن حيث تصير 2 إلى 1 ونؤصله برده إلى أصله حسب ق1/2]

..................فلقد كان الشعر في اللغات الأوروبية مبنيا على اللفظ الطبيعي الذي تراعي فيه مسألة طول الحرف الصوتي أو قصره، وبذلك كان ثمة نركيبات عروضية مبنية على ذلك، لها شبه كبير بالجمل العروضية العربية. غير أن النظرة إلى الحرف وحركته كمقطع قصير، إلى جانب المقطع الطويل، وهي فلسفة العروض القديم لدى الإغريق وقدماء الروم، هي التي شكلت مفرق طرق في تطور العروض الغربي وصمود العروض العربي على مدى الأجيال."

إنتهى النقل

كنت أراجع الكتاب المذكور لأقرأ فيه عن النبر، فصادفت هذه الفقرة التي تدل على مدى تشبع الكاتب بروح العربية وعدم انجراره ككثيرين في اعتبار الحرف المتحرك مقطعا عروضيا بل جزءً منه، وهو أسماه (حرف صوتي قصير) ويذكرنا هذا بتسمية الدكتور محمد الثمالي له ( المقطع الصوتي) تمييزا له عن (المقطع العروضي). كما أن هذا جعلني أعود إلى تطبيق منطق هرم الأوزان على النثر وفيه رد الرقم 1 إلى سبب خفيف محذوف الساكن أو إلى جزء من سبب ثقيل في النثر كما في الشعر. إن انسجام غالبية الجمل العربية مع منطق الهرم على أساس نفي استقلالية الرقم 1 يأتي معاضدا لكل من منطق الهرم ومذهب الدكتور رجائي في هذه الخاصية من خصائص العربية.

للأستاذ ميشيل أديب

مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002

" ومن يرجع إلى مادة "عروض" في دائرة المعارف الإسلامية، يجد مقالاً للمستشرق Weil الألماني، يبلغ عشر صفحات، جاء به في ثلاثٍ منها، حديثٌ طويل من مصطلح النبر، وجاءت كتابة هذا المقال، بعد عامين من وضعه لكتاب بالألمانية سنة 1985(19)، ولا نظن أن Weil وقبله المستشرق الفرنسي م.س.غويار(20) (-1884م/1302هـ)، والكثيرين من المستشرقين، قد استطاعوا فهم خصيصة الدلالات الصوتية بحسب موقع الحرف العربي، أو عرفوا البنية الصوتية، لكل مقطع في التفعيلة، من حيث عدد الحروف المتحركة قبل الساكن فيها. وفي مقدمة ما خيّب الظن في كثير من دراسات المستشرقين والمتأثرين(21) بهم من علمائنا المحدثين، هو تعاملهم مع الشعر العربي، فوضعوا لـه مصطلح النبر والمقطع القصير (الحركة)، والمقطع الطويل (المتحرك +الساكن)، أي أن فعولن، هي : فَـ+عو+لن.... وهكذا أدخل المستشرقون مصطلحات جديدة لا تمتُّ إلى العروض العربي بصلة، بل هي منقولة من الشعر الغربي... والمتأثرون بالمستشرقين وهم كثر، ينتقدون القدامى لأنهم أهملوا هذه المصطلحات في دراساتهم، ويأخذون عليهم أنهم قبلوا بأصوات الحروف بحسب حركات الإعراب، لأنها حركات ناقصة. إن أسلوب الأعاريض الأوروبية مختلف كل الاختلاف عن نظام البناء الصوتي الدقيق في الشعر العربي. وإن العجز في فهم "نظرية" الخليل الرياضية التي لم يعلنها نظرياً بل صوّرها بدوائره الخمس تصويراً، بقدر ما تتيح هذه الدوائر لظهور الوزن بحسب واقع الشعر العربي، دفع المستشرقين وسواهم إلى طلب العروض العربي بأدوات الشعر الغربي ومصطلحاته."