استراتيجية ( الملاحة في بحور مضطربة)

قراءة في نصائح اللوبي الصهيوني لرؤساء الولايات المتحدة في إدارة السياسة الخارجية

الباحث الدكتور : عبدالوهاب محمد الجبوري

المقدمة

بعد انتهاء الحرب الباردة وتسلم الرئيس بوش الرئاسة الأمريكية وبالتحديد قبيل الحرب على العراق عام 1991 ، تناقلت وسائل الإعلام وشبكة المعلومات الدولية تقريرا تمت صياغته من قبل مجموعة مستشارين وخبراء أمريكان ويهود في السياسة الدولية واستراتيجياتها تحت عنوان (الملاحة في بحور مضطربة) ..

يقدم التقرير نصائح لرؤساء الولايات المتحدة في كيفية إدارة السياسة الخارجية والتعامل مع العالم لضمان استمرار الهيمنة الأميركية وبما يرتبط بها من مصالح إستراتيجية تتصل بالبقاء في إطار صياغة ما اصطلح على تسميته بالأمن القومي الأميركي ، وقد قدم التقرير استعراضا لما تحقق في المنطقة الحيوية ، أو ما اسماها التقرير (منطقة الشرق الأوسط) ، مشيرا إلى اتفاقيات التسوية ، ومؤتمر مدريد ، كما زعم التقرير أن أهم ما تحقق من المطالب الإستراتيجية هو (امن الخليج العربي) ، أما (الانجاز المهم) حسب ادعاء التقرير ، فانه يتصل بمظاهر العولمة التي أصبحت على حد ادعائه صيحة (اقتصاد السوق) ثم بعد هذه الانجازات يشرح التقرير المنعطفات أو المتغيرات الطارئة في المنطقة وأهمها تعطل مسيرة السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل أمام عراقيل واجهتها ، أبرزها الانفجار الشعبي الفلسطيني والتحول إلى الحرب المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين مما أدى إلى تعثر مبدأ المفاوضات ومنطق الحل الوسط – على حد تعبير التقرير - ثم تزايد العداء لأميركا واضطرار انظمة صديقة للولايات المتحدة أن تحتفظ لنفسها (بمسافة أمان) تحميها من المشاعر المعادية لأميركا حتى لا تصل إليها تأثيرات المد الجماهيري في مواضع تؤثر عليها أو تربكها أو تضعها في زوايا حرجة ، خاصة وان التحالف ضد العراق كان يترنح في حينه وان شعورا عاما ساد في الوطن العربي مؤداه أن شعب العراق دفع ثمنا لا يمكن قبوله أو الاستمرار في قبوله ..

مقابل ذلك وفي إطار تداعيات متصلة أشار التقرير إلى دول كان الاعتقاد السائد أنها خرجت من منطقة التأثير إلى غير رجعة لكنها عادت لتمارس أدوارا محددة كروسيا القادمة مع إمكانياتها في التوريد للأسلحة (المحظورة) لدول المنطقة على حد ادعاء التقرير ومن الدول الأخرى القادمة إلى المنطقة الصين ..


نصائح ( الملاحة في بحور مضطربة )

ومن دون الدخول في تفصيلات التقرير ومحتوياته نشير إلى النصائح اليهودية الأمريكية للرؤساء الأمريكان- بدءا بالرئيس الأمريكي السابق بوش - حول السياسة الخارجية وأبرزها :


1 . لا تخلط بين نطاقين استراتيجيين ، الخليج وما حوله وفلسطين وما حولها واعتبار الخليج موضوعا وفلسطين موضوعا آخر ..

2 . احتفظ لنفسك بمسافة كافية تبعدك عن التناول المباشر لأزمة الشرق الأوسط (فلسطين) لتحميك من التفاصيل وتحفظ للرئاسة هيبتها لكنك في قضية الخليج تستطيع أن تقترب أكثر بحكم حجم المصالح وخصوصية الأطراف التي تتعامل معها الولايات المتحدة ..

3 . اقتراب بغداد من فلسطين محظور، عليك أن تمنع نشوب حرب إقليمية وعليك أن تؤكد طول الوقت أهمية تحالفنا الاستراتيجي غير المكتوب مع إسرائيل وحتى يفهم الجميع بغير التباس أن القوة الأميركية (غالبة) وان إسرائيل شريك استراتيجي لنا ..

4 . عليك أن تستعمل بعض الدول العربية وتشجعها لطرح مبادرات وعرض صيغ كي تبقى عملية التسوية مفتوحة طوال الوقت ..

5 . عليك أن تواجه المعارضين لسياستنا الحاليين والمحتملين بأسلوب الردع الحاسم ..

6 . لابد أن يعرف الفلسطينيون دون أدنى شك انك لن تقبل إعلان قيام دولة فلسطينية من طرف واحد ..

7 . هدّد سوريا وحجّم المقاومة في لبنان وعليك أن تهتم بمثلث سوريا ، لبنان ، فلسطين وتشجيع حصول عملية تغير في سوريا ولبنان بتقوية إمكانيات الردع الإسرائيلي ومن الضروري أن تدرك سوريا نقلا عنك مباشرة أنها سوف تصاب بأضرار عند قيامك بعملية الردع العسكري ..

8 . عليك أن تقنع الحكومة اللبنانية بان تأخرها في إرسال جيشها إلى حدودها الجنوبية سوف يعرقل إرسال المساعدات الأميركية إلى لبنان وتحويلها إلى جمعيات حقوق الإنسان ..

9 . كن مستعدا ضد العراق دائما ..

10 . عليك أن تكون مستعدا للقيام بإجراءات نهائية ضد القوى التي تهدد المصالح الأميركية في المنطقة وأولها العراق ، لذلك يستحسن إشغال العراق وتشتيت انتباهه على أكثر من جبهة واحدة ..

11 . عليك أن تكفل لإسرائيل تفوقا نوعيا متجددا طوال الوقت على كل الدول العربية ..

التحليــــــــل

من قراءتنا للنصائح الإستراتيجية أعلاه يتأكد لدينا الدور الخطير الذي لعبه ومازال يلعبه اللوبي اليهودي الصهيوني في رسم الملامح العامة للسياسة الخارجية الأمريكية على المديين المنظور والاستراتيجي بما يعزز من سياسة الهيمنة والسيطرة الأمريكية – اليهودية على العالم ، وخاصة منطقتنا العربية ، وان الأحداث والتطورات التي أعقبت صدور التقرير منذ العام 1991 وحتى الوقت الحاضر ، وأهمها احتلال العراق وتطورات القضية الفلسطينية والأحداث في لبنان ، تؤكد بلا أدنى شك أن المخطط والمهندس للسياسة الخارجية الأميركية إنما يتعامل بالمصير العربي مثلما يتعامل لاعب الشطرنج ببيادق المجموعتين في أن معا ، فهو الذي يقرر سقوط قطعة أو حماية أخرى أو فوز طرف دون آخر ولان منطقة الخليج العربي هي (صمام الأمان ) بالنسبة للأمن القومي الأميركي – حسب التقرير – فان هذا يتجلى واضحا في تأسيس قوات الانتشار السريع على عهد الرئيس كارتر ، فقد اشّر ذلك الأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة وتوقع خبراء إستراتيجيون أن تكون الحرب العالمية الثالثة بسبب رئيس هو (النفط) وذلك عندما تحاول أطراف دولية الوصول إلى شواطئه في المستقبل ، لذا فان الرئيس الأميركي بوش تعهد بموجب هذه النصائح ، ومنذ الأيام الأولى لولايته ، بحماية الدول النفطية وحكامها وملوكها في محاولة لذر الرماد في عيون الفلسطينيين والعرب في الوطن العربي من خلال التظاهر بطرح مبادرة لتحسين الاقتصاد الفلسطيني وان من أهداف تلك المبادرة هو تامين انسحاب عربي خليجي من الجوانب الجهادية للقضية الفلسطينية ودفعهم للعمل على تقديم الذريعه بدفع فاتورة الدماء التي تسيل على ارض فلسطين باستلام دية الشهداء من أموال النفط ، ومن ثم ابتداع إستراتيجية الفوضى البناءة ودعم الموقف الإسرائيلي المتشدد لإيجاد الذرائع لضرب المقاومة الفلسطينية كما حصل في العدوان على غزة من اجل تهيئة الأجواء لفرض حلول سياسية مناسبة لإسرائيل ومضرة بالقضية الفلسطينية ، مقابل تمرير مشروع احتلال العراق وتعزيز هذا الاحتلال وإفرازاته المأساوية والطائفية والدمار والخراب والقتل ومحاولات تقسيمه ونهب ثرواته وتدخل الدول الأخرى في شؤونه الداخلية ، من دون أي تدخل عربي فاعل لإيجاد حل للأزمة المأساوية في هذا البلد المبتلى ، كل ذلك من اجل الاستحواذ على نفطه وإيجاد نظام حكم فيه غير معاد لإسرائيل ولا للسياسة الأمريكية ومصالحها الإستراتيجية ..

إن الأهداف الإستراتيجية للنصائح الصهيونية لرؤساء الولايات المتحدة – وليس آخرهم اوباما – تتمحور في عدة اتجاهات من أبرزها تمرير مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تلعب فيه إسرائيل دورا فاعلا وشريكا مؤثرا في السياسة العربية إلى جانب الدور التركي ، الذي بدأنا نلاحظ بوادره قد قطعت شوطا بعيدا في التنفيذ من خلال ما قامت به تركيا مؤخرا بدعمها للقضية الفلسطينية في حين أن حقيقة الأمر تصب في بلورة مشروع الشرق الأوسط الكبير – الذي وضع أسسه عام 1994 – شمعون بيرس رئيس الكيان الصهيوني الحالي – وطورت بعض جوانبه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس ، وذلك لجعل تركيا بلدا مرغوبا من العرب إلى جانب طرحها دولة تأثير وتوازن في سياسة المنطقة مقابل إيران ، ويمكن تلخيص إستراتيجية مشروع الشرق الأوسط الكبير بالمعادلة التالية ، تفعيل التكنولوجيا الإسرائيلية مع المياه التركية والعمالة المصرية والأموال الخليجية ، وبعد احتلال العراق ذكر الخبير الإسرائيلي زئيف شيف ، أن العراق يمتلك مقومات تفعيل مشروع الشرق الأوسط فهو يمتلك التكنولوجيا والمياه والعمالة والأموال ، لذلك يجب إشراكه ضمن هذا المشروع وبالطبع فان هذا يعني الكثير من المخاطر للعراق وثرواته العلمية والنفطية والمـــــــائية والاقتصادية ولمستقبله ومصيره وتهديد وحدة أراضيه وسيادته ..

الاستنتاجات

وإذا أعدنا قراءة الوصايا الواحدة بعد الأخرى منذ طرحها في بداية التسعينات وحتى الوقت الحاضر لوجدنا أن الكثير مما يسعى إليه المخططون اليهود والأمريكان قد تحقق وان تغييرات قد حصلت وأخرى ستحصل لصالح إسرائيل والمصالح الأمريكية على حساب العرب ومصالحهم وسيادتهم وكرامتهم وان لبعض الحكام العرب دور مشهود في تنفيذ هذه النصائح ظنا منهم أن الخطر الصهيوني الأمريكي سيتغافل عنهم حتى لو كانوا أصدقاء للولايات المتحدة أو لإسرائيل لسبب واضح لمن له دراية بالفكر اليهودي الصهيوني – الديني خاصة – ولمن يدرك حقيقة الأحداث والتطورات التي تحصل في المنطقة ، هو أن سياسة الهيمنة الأمريكية هي الوجه الآخر لسياسة اليهودية الصهيونة التي تسعى لإقامة المملكة اليهودية العالمية استنادا إلى أساطير توراتية وتلمودية ...

لذلك على العرب – حكاما وحركات وأحزاب وتنظيمات وجماهير ومثقفين - أن يعملوا على إزالة خلافاتهم وتوحيد رؤاهم ومواقفهم ولو بالحد الأدنى وان يغلبوا المصالح العربية الإستراتيجية العليا على أي اعتبارات أخرى ، وان يدركوا جديا أن هناك أخطارا تهددهم وشعوبهم وثرواتهم ومستقبلهم وبرأينا فان هذا يمكن أن يتحقق إذا تمسكنا وعملنا بديننا وقيمنا ومبادئنا العربية والإسلامية فبدونها لن تقوم لنا قائمة وسيظل المخطط والمهندس اليهودي الأمريكي يلعب بنا كبيادق شطرنج كيف ومتى وأين شاء ...

أما بالنسبة لتهديد سوريا بالضرب فإننا ننصح اللوبي الصهيوني والإدارة الأمريكية بعد الإقدام على أي مجازفة عدوانية لأنها ستكون كارثة عليهم ونحن نعرف إخوتنا في سوريا قيادة وشعبا ونعرف حكمة القيادة السورية وخبرتها السياسية والجهادية الطويلة وتعاملها مع مثل هذا النوع من التحديات والذي يعتمد بالأساس على الاحتياط المضموم ألا وهو وعي الشعب السوري لكل المخاطر والتفافه حول قيادته الرشيدة القادرة على مواجهة كل المخاطر والمؤامرات والوقوف بوجهها وتحديها انطلاقا من أيمانها بعدالة قضيتها وقدرتها على كسر شوكة المعتدين وثقتنا في سوريا على التصرف بحكمة وتأني والتحسب لكل الاحتمالات هو الكفيل بإفشال نوايا العدو الإسرائيلي ومخططات الإدارة الأمريكية تجاه هذا البلد العربي الأصيل والمعروف بمواقفه القومية المشرفة على كافة الأصعدة ، كما مطلوب أيضا من إخوتنا في الثورة الفلسطينية العمل على تجاوز خلافاتهم وتوحيد مواقفهم ورؤاهم من اجل سحب البساط من تحت المخططات الإسرائيلية الأمريكية التي تراهن على استمرار الخلافات الفلـــسطينية وتحاول تغذيتها بشتى الأساليب الاستخبارية القذرة ، وإننا على ثقة أيضا بوجود القيادات الفلسطينية التي تعي جيدا هذه المخططات وتسعى لاحتواء الخلافات الفلسطينية وتقليص هوامش الخلافات من اجل مستقبل الشعب الفلسطيني ومصيره واستحقاقاته الوطنية والتاريخية ..

وأخيرا لا بد من التذكير بان التاريخ سيجل للعرب الشرفاء والمخلصين مواقف رجولتهم مثلما سيسجل للمتخاذلين والجبناء والأذلاء مواقف ذلهم وتخاذلهم ، حالهم حال أبي رغال وابن العلقمي وغيرهما ..