طاهـــــر البنـي... الرسم ليس آلة تصوير، وإنما رؤية فنية وأحاسيس
القراءات المتناقضة للوحة توحي لي باكتشافات جديدة
أقامت صالة «فري هاند» معرضاً للفنان «طاهر البني» شغلت فيه المرأة مساحات كبيرة من أعماله، التي جسّدها برؤية فنية انطباعية ولغة معاصرة وتقنية حديثة، جمعت ما بين الواقعي والمتخيل.
على هامش معرضه الأخير... التقته البعث وتحاورت معه حول رؤيته الفنية المعاصرة.

> رسمتَ المرأة في عصور تاريخية مختلفة... فما الشيء الجديد الذي أضفته إليها الآن؟؟.
>> تجربتي في هذا المعرض جاءت بعد أربعة عقود منذ مطلع السبعينيات في متحف حلب، وتوالي المعارض حتى معرضي الحالي الآن، وهو المعرض الخامس عشر، ويتضمن أعمالاً ترصد الحياة الإنسانية، لاسيما المرأة عَبْر عصور مختلفة منذ الحضارات القديمة في سورية، والعهود الآرامية وحتى وقتنا الحالي، فلذلك جاءت بصيغ تحمل طابعاً تاريخياً وأحياناً أسطورياً.
وبعض الأعمال كانت تقترب من الواقع الاجتماعي للمرأة في عالمنا العربي، عالجتها بتقنية متباينة بعض الشيء، لكنها في النهاية تصدر عن ينبوع واحد، هو ثقافة الفنان ومعرفته بالقضايا التي تتعلق بموضوعه.
أما - كما قلتِ- عن الشيء الجديد الذي أضفته إلى المرأة، فهو اللغة المعاصرة، التي تبتعد عن الصيغ التقليدية، التي كانت متبعة في القرن العشرين في سورية والأقطار العربية المجاورة، في معرضي الجديد قدمت المرأة بأسلوب معاصر ورؤية جديدة، تختزن ذاكرتي البصرية وانفعالاتي تجاه القضايا الاجتماعية المتعلقة بها.
> جسدت الطبيعة برؤية متميزة وتبتعد عن المباشرة فكيف تفسر ذلك؟؟.
>> توجد إطلالة جديدة على الطبيعة، إذ حاولت تقديمها برؤية لا تلتزم بما تلتقطه العين بصورة مباشرة، كما تصوّر آلة التصوير الضوئي، أنا جسّدتها برؤيتي الفنية المتميزة حيث أتواصل مع الطبيعة، وأضفي عليها إحساسي ومشاعري وفضاءاتي ورغبتي بإنجاز عالم جديد.
> لا حظت في لوحاتك تداخل الظل والجسد في تجسيدك المرأة.. فما دلالة ذلك لديك؟؟.
>> في طبيعة الحال هناك شخصيات يرصدها الفنان في عمله في حالتين، حالة مباشرة يراها الآخرون، وحالة غير مباشرة يراها الفنان من خلال إحساسه بهذه الشخصية، التي يصوّرها، من هنا جاء التداخل بين الظل والجسد في صورة واحدة، لكنها تفصح في كل مرة عن رؤية مختلفة عن الأخرى، لذلك يلجأ الفنان إلى الظلال والكثافة اللونية التي تلغي بعض التفاصيل وتظهر جزأها الآخر، لتتكون من هذا النقيض جمل درامية، تثير انفعالات شتى لدى المتلقي، وتفتح أمامه أفقاً رحباً لقراءة اللوحة الفنية والتواصل معها، وأفقاً آخر للتأويلات التي تبثها اللوحة وفق قدرات المتلقي الفكرية وطاقاته الإبداعية في التواصل مع العمل الفني.
> تميزت أعمالك بتقنية السطوح الملساء، والتداخل بين المدارس التكعيبية والواقعية والانطباعية... لماذا دمجتَ بين هذه المدارس؟؟.
>> ربما يستفيد الفنان من أكثر من اتجاه فني حديث في تجربته، فيدمج التكعيبية بتحليل الأشكال وبنائها بصورة جديدة، ليكوّن أشكالاً خارجة من لبوسها التقليدي ضمن بنية جديدة مبتكرة، تسهم إلى حدّ كبير في توليد إيقاعات بصرية، وفي الوقت نفسه هذه الاتجاهات جميعها تهتم بعلم النفس، فترصد جوانب نفسية في الشخوص، يمكن أن تقرب اللوحة من المناخات السريالية، عامة لا أقول: إنني أنتمي إلى هذه المدرسة أو تلك، فكلها تدخل ضمن التعبير التشكيلي، الذي استخدمه في لوحاتي، ويطرح مفاهيم تشكيلية وبصرية تعتمد على تقنيات متنوعة وصيغ لونية مبتكرة.
> تعقيباً على كلامك.. هل أنت مع الرأي القائل «باختفاء واندماج معالم المدارس التشكيلية في الساحة التشكيلية العالمية؟؟.
>> لم يعد هناك تصنيف مدرسي للأعمال الفنية المعاصرة منذ منتصف القرن العشرين، فهذه التصنيفات «الواقعية- التعبيرية- التكعيبية- السريالية» انتهت مع انتهاء آخر اتجاه فني في أساليب الحداثة، فالفنان اليوم يعتمد على حسّه الفني وتجربته التشكيلية مبعداً عنه كل المؤثرات المباشرة للاتجاهات الفنية الحديثة، فهو دائماً يمضي وراء أفكاره ومشاعره دون أن يقيد نفسه باتجاه محدد، أو مدرسة معينة.. لكن الأعمال بمجملها تصدر عن نفس واحدة، وعن خبرة فنية متأصلة في الفنان ذاته.
> خيم اللون الأزرق والأخضر ومشتقاتهما على لوحاتك.. فما الدلالة الجمالية لهما لديك؟؟.
>> ربما تغلب بعض الألوان كالأزرق والأخضر على اللوحات مع عدم إغفال بقية الألوان، لأن لكل لون دوره في العمل الفني، توجد ألوان محورية لها صلة بالقيم التعبيرية والجمالية، التي يود الفنان إيصالها من خلال عمله، أما السطوح فيميل الفنان إلى إغنائها بملامس ناعمة وهادئة، مستعيناً في ذلك من تأثير المواد الكثيفة، التي تدخل في بناء اللوحة، فلذلك يكون العمل الفني أقرب إلى الهمس من الأصوات المرتقبة للألوان والسطوح.. وأشعر حينما أستخدم اللون الأزرق بالشفافية والهدوء والسكون الداخلي، الذي يثير في أعماقي انفعالات خاصة.
> هل تنزعج من القراءات المتضاربة والمتناقضة للوحة؟؟.
>> قراءة اللوحة ترتبط بعنصرين أساسيين، قدرة المتلقي على تذوق القيم الجمالية والتعبيرية في العمل الفني من جهة وثقافته البصرية والمعرفية من جهة أخرى، فكلما تضافرت هذه العناصر لدى المتلقي يستطيع أن يدخل عالم اللوحة أكثر، وهذه القراءة للعمل الفني لا تأتي إلا من خلال المتابعة الدائمة للنتاج الفني المحلي والعالمي، التي تؤهله للدخول إلى عالم الفن، أما عن القراءات المتضاربة والمتناقضة فهي لا تزعجني- لأنها كما قلتُ لكِ- تأتي وفق خلفية المتلقي الثقافية وميوله النفسية، فكل إنسان يقرأ ما يشعر به ويحسّ به، وحقيقة أنا أحب القراءات المتناقضة لأنها توحي لي باكتشافات جديدة في عوالمي الفنية.

حوار : مِلده شويكاني

http://www.albaath.news.sy/user/?id=563&a=51800