الأيام الثقافية العراقية في دمشق
عروض سينمائية ومسرحية وألوان من المقامية الموسيقيةافتتح مساء الأحد 10/5 برنامج أيام الثقافة العراقية في دمشق والذي يستمر خمسة أيام، يقام خلالها معارض للفنون التشكيلية والكتاب، والصور الضوئية، إضافة إلى عروض سينمائية ومسرحية ومحاضرات وعرض فلكلوري تراثي، وإلقاء قصائد وتكريم للمبدعين، وغناء ابتدأ في حفل الافتتاح الذي أقيم على مسرح كلية الفنون الجميلة شارك فيه سعدون جابر-صلاح عبدالغفور- أمل خضير. وسيختتم المهرجان بحفل فني أيضاً يشارك فيه ياس خضر-وحيد علي-تيسير السفير-أحمد السلطان.
هذا وقد توزعت الأنشطة على ثلاثة أمكنة هي: خان أسعد باشا-مسرح كلية الفنون الجميلة-مسرح القباني.
وفي كلمة ألقاها وزير الثقافة د. رياض نعسان آغا أكد فيها على ان اقامة هذه الأيام إنما جاءت تتويجاً للتفاهمات التي تم الاتفاق عليها بين الحكومتين خصوصاً بعد اللقاء الأخير الذي جمع اللجنة المشتركة السورية العراقية برئاسة رئيسي الوزراء في القطرين الشقيقين. مرحباً بالثقافة العراقية التي عادت إلى حاضنتها الأصلية الثقافة العربية بعد هزات ومخاضات أثبتت خلالها انها صلبة وذات تأسيس أصيل.
أما الوزير العراقي ماهر الحديثي فقد أكد على عمق الروابط التي تجمع بين الشعبين الشقيقين بحيث أصبحا كلاً عمقاً للآخر، لم تفرقهما يوماً أي محاولة للنيل من أخوتهما وثقافتهما وحضارتهما التي هي حضارة واحدة.
أبرز ما ميز انطلاقة برنامج أيام الثقافة العراقية في دمشق هو الحضور الكثيف للجمهور السوري الذي قدم بعضه من محافظات السويداء وحماة وديرالزور والرقة للاستمتاع بالاغنية العراقية وبعض اعلامها مثل سعدون جابر-صلاح عبدالغفور-أمل خضير الذين قدّموا ألواناً غنائية وموسيقية ارتبطت بمخيلة هذا الجمهور، وأهل العراق بما عرف عن الغناء العراقي من تعبير وابتكار وخطاب مليء بالشجن، والذي استخدمه البسطاء والعامة كوسيلة تعبر عما يقاسيه الإنسان من آلام متنوعة.
درجة استمتاع الجمهور بلغت منتهاها في حفل الافتتاح الرسمي حيث قدم الثلاثة ألواناً مختلفة من المقامية الموسيقية وطرائق الأداء واختلاف الأساليب التي انتشرت في عموم قرى وقصبات ومدن العراق.
اللافت في هذه الأيام الثقافية هو عرض فيلم «حكّاكة» للمخرج أركان جهاد.
وكلمة «حكاكة» تعني باللهجة العراقية، ما يعلق من رز مطبوخ في قعر القدر الذي يطبخ فيه. يقول مخرج العمل عن فيلمه هذا انه أراد أن يقول ان ما جرى في وطنه لابد أن ينتهي إلى الأفق الجميل، لأن بقايا الرز لا تخلو منه قدور العراقيات.. مضيفاً إلى انه استخدم في هذا الفلم لغة هي مزيج من لغة السينما والمسرح، أرادها أن تكون منفلتة في كثير من المشاهد، كما هو حال شخصياته. مبيناً ان ابطاله يتحركون ويتحدثون وكأنهم في مسرح الحياة. وكل منهم يبحث عمن أوصله نزيلاً في مستشفى الأمراض العقلية ولسان حالهم يقول: من هم العقلاء؟ من هم المجانين؟!!
الفلم من بطولة عبدالخالق المختار، الفنان العراقي الكبير الذي توفي قبل شهر تقريباً في دمشق، إضافة إلى هديل كامل، نسرين عبدالرحمن، علي عبدالرحيم، خليل ابراهيم.
كما قدمت في برنامج الأيام الثقافية العراقية مسرحية «بقايا من حواء» تأليف د.عباس علي، واخراج الفنان العراقي القدير محسن العزاوي. تمثيل الفنانات: هناء محمد-ميس كمر-فوزية حسن، والمسرحية تتحدث عن مأساة المرأة العراقية التي طحنتها الحروب والمحن والغزو.
والمخرج العزاوي هو أحد الذين أغنوا وأثروا الحركة المسرحية العراقية قبل وبعد الاحتلال بالعديد من الأعمال الناجحة نذكر منها: طنطل-رومير وجولييت-باب الفتوح-البيك والسايق.
وبما أن «الصور ليست جدلاً، إنها ببساطة بيان خام عن الواقع يخاطب العين»، بحسب تعبير الروائية فرجينيا وولف، فقد أكد الفوتوغرافي العراقي حضوره في هذه الأيام حيث يعد التصوير الضوئي واحداً من أهم الفنون البصرية في عراق الأمس.
في هذه الأيام التي أُفرد حيز فيها للصورة، نمّى الفوتوغرافي علاقته الصريحة مع الحياة، مع كل ما جرى في هذا البلد الجميل الذي أريد له أن يندسر ويندثر، حيث سعى لالتقاط تفاصيلها وإضاءة عتمتها.. لقد كانت صور المعرض الضوئي وقائع حية تستمد بلاغتها من قدرة الفوتوغرافي على استجلاء الحاضر والزمن العتيق معاً فقدم عدداً كبيراً من الوجوه المدونة والجدران والشوارع والأسواق.
وقد قدم برنامج الأيام الثقافية العراقية إضافة إلى ما تقدم مسرحية «الحفرة» وهي من اعداد واخراج الفنان مهدي البابلي المقيم في دمشق، كما قدمت محاضرة عن مسرح الطفل وجلسات نقدية رافقت الأعمال المقدمة.
في الختام يمكن القول إن هذه الأيام الثقافية أثبتت أن العقل يزداد عجزاً في تقديم يد العون لاجتثاث ما هو انساني من مستنقع التوحش الأناني الذي عصف بالعراق. ولعل بعض الفن كان قادراًعلى إثارة ما تبقى من جذور وجدانية الروح الانسانية التي طمرت تحت كومة الرماد المشتعل من ست سنوات، فجاءت هذه الأيام لتتيح مرة أخرى اطلاق اسم الفعل الانساني الذي يقاوم بعض حطام الروح بعد المحرقة الجماعية الشاملة التي أجج الاحتلال نيرانها.

عبد الكريم العبيدي