الطفل وزهرةالأقحوان


تراب الأرض ضم أروع أسطورة، سوف يتغنى بها الناس على مر العصور، فكلما تهب الريح وتعصف سوف يستعيد الناس قصة الحجر الفلسطيني بعذوبتها وعظمتها.
وقف الطفل أمام الريح، بادئ ذي بدء قلقاً محتاراً، تعبت أفكاره، يتأمل الريح التي عصفت بالأزهار، وراحت تقتلعها من جذورها، فخيل إليه أن أحداً سوف يصد العاصفة لكن أحداً لم يحرك ساكناً.
فوقف يفكر ماذا يفعل؟
كانت زهرة الأقحوان قد رمت بنفسها علىالأرض، لكنها بقيت ضاربة جذورها في أعماق التربة... فإذا هي جريحة فانحدرت نقطة دم من بعض جراحها، غيبتها فروت التربة وما فيها من دمها فرقت لحالها الأزهار، فانتصبت ورفعت رؤوسها ولوت أعناقها حناناً وإجلالاً، وأصبحت كل يوم ترفعها على أجنحة الحب الشفافة، وتستحم بقطرات الندى وتعطر جراحها بأحلى أريج وأطيب طيب.
كان تراب الأرض المعطاء، من حين إلى آخر، يُحدّث زهرة الأقحوان عن الطفل الجميل الذي لا يوجد له مثيل على الأرض، وتتواضع زهرة الأقحوان وتسأل تراب الأرض عن الطفل.
قيل لها: إنه هناك يقف في أعلى قمة على الجبل يستعد لصد الريح.
وذات يوم مر ببالها خاطر حلو جميل، فراحت تتجول على الدروب، وتصعد الجبال تائهة شاردة تبحث عن الطفل الجميل،حتى وصلت إلى أعلى القمم تحمل بداخلها ثورة ثائرة وهادرة، فقابلت هناك الطفل مستغيثة به حتى إذا ما اقتربت منه قالت له: إنني بحاجة إليك، كلنا بحاجة إليك،وإنني أبحث عنك كي أكشف لك سر، لا يجوز أن يسمعه أحد إلا أنت.
-وما هذا السر؟قال الطفل.
قالت زهرة الأقحوان: هناك في تلك الجبال أيدٍ وأصابع متوحشة تريد تحطيمنا، كما أنها تريد قتلك وتريد لجميع الكائنات العدم والفناء..أنت رائع كقلب الحياة ونور الصباح...اهرب..ابتعد..الا تسمع صوت الريح انه يحذرك.
صرخت زهرة الأقحوان خوفاً وراحت تركض وتلهث!!
وقف الطفل بجرأة..وقال بأعلى صوته: لا تحزني ولا تخافي..
أنا من سوف يصد الريح ومن يقطع الأيدي والأصابع المتوحشة.
فهتفت زهرة الأقحوان بصوت يسمع صوته: لا تحزني ولا تخافي..أنا من سوف يصد الريح ومن يقطع الأيدي والأصابع المتوحشة، فهتفت زهرة الأقحوان بصوت يسمع صداه: انه الفارس ...انه الفارس.
وبعد معركة طويلة وحادة انتصر الطفل على الأيدي والأصابع المتوحشة، وأنقذ الأزهار من خطرها، لكنه أُصيب بجروح خطرة جداً.
صرخ بأعلى صوته: تعالي..
زحفت نحوه فقبلها وضمها إلى صدره والدم ينحدر من كل أنحاء جسده، ونام نومة أبدية، فروىتراب الأرض من دمه الزكي؟
حزنت زهرة الأقحوان لما أصاب الطفل، فتمزقت من شدة حزنها وهوت فوقه فتوحدا معاً وأصبحا حجراً.
ومن يومها أصبح الحجر رمزاً للفداء والتضحية والبطولة.