الكافيار السعودي




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

مواطن سعودي ينحج في إنتاج “الكافيار” في صحراء الدمام!!


مشروع في غاية الغرابة والمفاجأة ..حيث يفتقر الشرق الأوسط على اتساعه لإنتاج الكافيار.. بينما ينجح مواطن سعودي
في إنتاجه في صحراء الدمام!!

منذ سبع سنوات، ويُصدّره إلى أمريكا وأوروبّا
ثمّ تعود الكافيار “السعودي” ذاته مستورداً، من أمريكا وأوروبّا أيضاً عبر شركات دولية.الجنون الآخر الذي
يفوق ذلك هو أن في صحراء طريق أبو حدرية قرابة 1000 سمكة من نوع “بيلوغا”، وهذا النوع من أسماك الحفش
يُنتج الكافيار بعد بلوغه سن الثلاثين، لكن السمكات الألف التي في مزرعة الفارس لا تزال في عامها الثالث.
ولا يُبالي الفارس الذي تخطـّى الستين أن تنتظر مزرعته 27 سنة للحصول على كافيار هذا السمك النادر.

وتنقل تفاصيل هذا الخبر “جريدة الوطن السعودية ” بـأن 13 مسؤولاً في صندوق التنمية الزراعية في المملكة
أطلعوا على المشروع أول من أمس في زيارة ميدانية للمشروع الوحيد على مستوى العالم العربي
على هامش اللقاء الزراعي الثاني لتبادل الخبرات الذي نظمته وزارة الزراعة.
بين العرض.. والمشاهدة
كانت الخطة؛ أن يقدّم الفارس شرحاً مفصلاً لمشروعه “كتجربة رائدة”، في فندق شيراتون الدمام
أمام المشاركين في اللقاء الزراعي الذي رعاه أمير المنطقة الشرقية الأمير محمد بن فهد،
وحضره وزير الزراعة الدكتور فهد بن عبدالرحمن بالغنيم.
لكنّ الفارس لم يتحمّس لفرصة العرض التي أتيحت له في مسرح فندقي أنيق عبر أضواء الـ “باوربوينت”.
وقرّر أن يضع حشداً من مسؤولي صندوق التنمية الزراعية أمام الواقع في الموقع.. المزرعة والمصنع وكلّ شيء بمراحله
من حوض التفريخ في المزرعة إلى آخر علبة في المصنع.
ولا يُمكن مقارنة مشاهدة حية بعرض تتحدّث عنه الأزرار والأضواء.

في انتظار الشحن
في إحدى غرف المصنع يصطفّ عدد من العلب الأسطوانية في ظروف تبريد خاصة جداً.
طريقة إحكام الغرفة تشير إلى مستوى عالٍ من العناية بالعلب التي “تنتظر الشحن”.
قال الفارس إنها “200 كيلوجرام، منها 150 كيلوجراما سوف تُشحن إلى الولايات المتحدة،
و50 أخرى إلى سويسرا بسعر يصل إلى 7آلاف ريال للكيلو، والموضوع قيد الإجراءات الاعتيادية”.
أشار الفارس إلى ذلك وهو يشرح آخر مرحلة في خط إنتاج المصنع، وقبلها كان يتنقـّل من قسم إلى آخر متحدّثاً عن كلّ مرحلة.
ومثلما تتمّ كل خطوة بعناية، فإن الفارس يتحدّث بعناية أيضاً يخلطها بعفوية الرجل الذي تجري على لسانه مفردات البُسطاء.
ومع ذلك تشعر، أمام رفّ العلب الأسطوانية، بأنك أمام خزينة. إنه أفخر وأغلى مادة غذائية تعرفها أسواق العالم..
إنه كافيار.. وحين قال الفارس “كافيار سعودي”، بدا الأمر وكأنه مزاح على لسان رجل جاد..
ثم جاء دور الجدية الواضحة في قوله “سلعة نادرة، لا أحد يُنتجها في الشرق الأوسط كله إلا هذا المصنع
ويجب أن تـعامـَل بعناية حتى تصل إلى العميل كما يُريدها طازجة”. ثم أغلق باب الغرفة” الخزينة” بعناية
وخرج من المصنع في اتجاه المزرعة.. مزرعة أسماك الحفش.. الحفش السعودي..!

تفاصيل التفاصيل
لا يتحدّث عبدالله الفارس عن مصادر أفكاره؛ لكنه حين يعرضها؛ فإنه يذهب إلى تفاصيل التفاصيل.
إنه مالك المشروع ومديره. ولكنه يتحدّث بلسان أكثر الفنيين تخصّصاً لديه. وأمام حوض المعالجة البيولوجية،
في المزرعة، أمسك بترس صغير من البلاستيك بحجم الحمّصة، ليشرح مفصّلاً دور 6 ملايين ترس مماثل في إغراء البكتيريا بمخلفات
الأسماك. الترس الواحد يهيئ سكناً “مريحاً” للبكتيريا، فتنشغل بالتهام المخلفات السائلة ـ السائلة فقط ـ
وبعد أن تشبع يتمّ نقلها إلى حوض صغير لتتعرّض فيه إلى الأشعة فوق البنفسجية.
وبعد أن يُقضى عليها يعود الماء من جديد إلى حيث كان لتتكرّر العملية.
إذن العملية تقوم على طريقة “خداع” دقيقة تنطلي على البكتيريا لتؤدّي وظيفة تنقية مياه الأحواض من مخلفات الأسماك
وهي وظيفة توفـّر استخدامات المياه في مشروع يقوم على المياه.
يقول الفارس “عمليات المعالجة البيولوجية تُبقي على كميات المياه في الأحواض عند مستوى اقتصادي ممتاز،
فلا نحتاج إلى زيادة المياه إلا لتعويض ما يتبخّر منها”. يُضيف مؤكداً “وكميات المتبخـّر قليلة جداً”.

إقناع الأسماك
المشروع برمّته يقوم على تركيبة من التقنيات المتداخلة، وهذه التقنيات لها هدف واحد هو إقناع الأسماك
بأنها تعيش بين بحر قزوين ونهر الفولغا، هكذا يبسّط الفارس فكرة مشروعه.
وتقول موسوعة ويكبيديا عن نهر الفولغا أو ” الفولجا” إنه “أطول أنهار أوروبا وأغزرها.
يقع في الجزء الغربي الأوروبي من روسيا بطول يقدر بـ3690 كيلومترا، ويعد ممراً مائياً مهمّاً للنقل البحري داخل روسيا
ويصب النهر في بحر قزوين”. ووسائل الإقناع ـ حسب الفارس ـ تبدأ من مرحلة التفريخ في أحواض صغيرة
تنمو فيها خمسة أنواع من أسماك الحفش. ثم تُنقل إلى أحواض أكبر في عملية إيهام حيوية تضع الأسماك
في بيئة مشابهة تماماً لرحلتها الطويلة إلى بحر قزوين، مروراً بنهر الفولغا الذي تُمضي فيه بياتاً لمدة شهرين.
أسماك عبدالله الفارس مقتنعة تماماً بأنها في نهر الفولغا الروسيّ، وليست في صحراء سعودية.
النهر، هنا، هو مجموعة أحواض مياه حلوة نقية تتوقف فيها الحرارة عند 3 درجات مئوية،
لذلك تأخذ الأسماك قسطها من البيات، وهي المرحلة التي يتكوّن فيها الكافيار ويتكوّم في أحشاء السمكة الضخمة
ليأتي دورها في خط الإنتاج الذي رسمه الفارس بين مزرعته ومصنعه.
وبصيغة أخرى فإن الفكرة المجنونة تقوم على تحويل جزء صحراويّ صغير من السعودية
إلى جزء أكبر بكثير من بيئة حوض بحر قزوين. وجميع مراحل الاستزراع والإنتاج المتصل
بأسماك الحفش ما هي إلا تقليد مـُتقن للطبيعة، وتحدٍّ عنيد لحقائقها الجغرافية والمناخية.

عين ورأس
“إنها التقنية” قال عبدالله الفارس، وقبل أن يسترسل توقف عند المثل الشعبي “إللي لـهْ عينْ وراسْ يقدر يسوّي مثل الناسْ”..
وأضاف “المطلوب أن تفعل مثل ما تفعله الطبيعة لأسماك الحفش، وتغذيها بغذائها، وتراقب بيئة حياتها بدقة،
وعندها سوف تعطيك الأسماك ما تنتظره منها”، ومن أجل هذه الأهداف يسخّر الفارس التقنيات المطلوبة لإدارة حياة الأسماك
بما في ذلك تقنيات الحاسب الآلي المرتبطة بأنظمة مراقبة مستوى الأوكسجين والملح والحرارة في الأحواض،
مستعيناً بخبرات دولية في مشروعه. وبما أنه داخل في مغامرة؛ فإن عليه أن “يرى” و”يفكر” ويفعل مثل ما فعله
الناجحون من أجل أن ينجح.
لكن عبدالله الفارس لا يحبّ النجاح بطريقة الآخرين، بل بطريقته وفي تخصّص غير قابل للمنافسة.

تجربة رائدة
وفي الزيارة التي جمعت 13 مديراً لفروع صندوق التنمية الزراعية في المملكة؛ كانت تعابير الدهشة تتفق
على أن المشروع يمثل “تجربة رائدة ومميزة”، و”غير مسبوقة”، على مستوى منطقة الشرق الأوسط،
إذا استثنينا إيران التي تشترك ودول حوض بحر قزوين في إنتاج الكافيار أصلاً على مستوى عالمي.
وقال مدير فرع وزارة الزراعة بالأحساء والقطيف المهندس عبدالعزيز العويفير إن الوزارة
“تدعم هذا المشروع وتدعم كلّ توجه مماثل”، وسبق أن دعمته عبر قرض زراعي، وحالياً تدرس دعم مشروع توسعة.



المرجع جريدة الوطن