الصبر فى حياة المسلم



لا شك أن الدنيا للمسلم دار اختبار و محل امتحان و ابتلاء . و كما قال النبي عليه السلام " الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر " . فالدنيا دار المصائب و الشرور ليس فيها لذة سوى ذكر الله سبحانه وتعالى وطاعته . فقد قال بعض السلف الصالح " رأيت جمهور الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجا يزيد على الحد كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت ـ أي على البلاء ـ و هل ينتظر السليم إلا السقم ـ المرض ـ و الكبير إلا الهرم و الموجود سوى العدم . و لا يفرق الموت وقضاء الله بين مريض وسليم و لا بين كهل وشاب ولكنها أعمار مكتوبة وأنفاس معدودة كما قال الشاعر " " 1 "
و ثاكلة تقول إذا رأتنـــي لماذا راح ذاك وظل هذا ؟!
و أعمار الخلائق بت فيها إلاه لا يقــــــال له لماذا
فلا أحد ينكر أصل الانزعاج فإن الإنسان مجبول على الأمن من حلول المنايا إنما ينكر الإفراط و المبالغة في الانزعاج كمن يشق الجيوب و يلطم الخدود و يعترض على قدر الله فلا يوجد على ظهر الأرض من لم يصب في هذه الدنيا بمصيبة كما قال الشاعر
المرء رهن مصائب ما تنقضي حي يوسد جسمه في رمســه
فمؤجل يلقى الردى في غيره و معجل يلقى الردى في نفسه
و قد جعل الله الثواب و النفع في رحم المصيبة و البلوى فقد قال تعالى " و بشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة و أولئك هم المهتدون " البقرة 155 ـ 157 " و قال عمر بن الخطاب نعم العدلان و نعمة العلاوة يقصد بالعدلين الصلاة والرحمة و بالعلاوة الهدى . وقد مدح الله سبحانه وتعالى الصابرين في قوله " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " الزمر 10 و أخبر سبحانه و تعالى إنه مع الصابرين بهدايته ونصره وفتحه " و اصبر إن الله مع الصابرين " الأنفال 46 .
فمن دخل في دائرة الصابرين فهو معية الله فماذا يضره و هو في معية الخالق سبحانه وتعالى الذي علمنا أننا مع الصبر والتقوى لن يضرنا كيد عدو مهما كان متجبرا فقد قال تعالى " و إن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما تعملون محيط " أل عمران و بالصبر والمرابطة عليه نفوز بالفلاح الذي هو أفضل ما يمكن لمسلم أن يصل إليه . فقال تعالى " يأيها الذين أمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون " أل عمران 200 و أخبر الله تعالى عن حبه لأهل الصبر فقال تعالى " و الله يحب الصابرين " أل عمران 146 و ربط سبحانه وتعالى الفوز بالجنة والنجاة من النار بالصبر فقال تعالى " إني جزيتهم اليوم بما صبروا إنهم هم الفائزون " المؤمنون 111 . وفى سنة النبي صلى الله عليه وسلم الكثير الذي يحض على الصبر والتصبر و ما يترتب عليه من خير وثواب من الله سبحانه وتعالى عن أبى سعيد الخدرى رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " من يتصبر يصبره الله و ما أعطى الله أحدا عطاء خير و أوسع من الصبر " رواه البخاري . و عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مصيبة تصيب المؤمن إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها " رواه البخاري فعلى كل مسلم أن يلجم نفسه بلجام الخير فإن النفس متطلعة إلى كل سوء فلنجعل لأنفسنا زماما نقودها به إلى طاعة الله سبحانه وتعالى فإن الصبر عن محارم الله أيسر و أسهل من الصبر على عذاب الله فقد قال أحد الصالحين " و لولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تخلق الأمراض و الأكدار و لم يضيق العيش على الأنبياء و الأخيار و قد لزق بهم البلاء وعدموا الراحة فأدم يعانى المحن إلى أن خرج من الدنيا و إبراهيم يكابد النار و ذبح الولد و يعقوب يبكى حتى ذهب البصر و موسى يقاسى فرعون و يلقى المحن و عيسى لا مأوى له إلا البر في العيش الضنك و محمد صلى الله عليه و سلم يصابر الفقر و قذف الزوجة وقتل من يحب .
و هؤلاء قدوتنا وليس لنا من سبيل إلا الصبر حتى نفوز برضا الله وجنته