العمران الواعد

و

التدمير الحالّ






لا أفهم في السياســـة، ولم أكن يوماً من أهلها، ولكن نفسي تتمزّق عندما أرى قومي يتعذّبون و يُهانون، وأنا لا أستطيع حيلة في ردّ الأذى عنهم، شأني شأن الناس جميعـاً، جعجعة و صراخ وعويل، فإذعان للأمرالواقع. صراخ من الألم واستغاثات مقهور، ويُسارعون للإنقاذ، وماأكثرمَنْ يُنقذ!!- ونُفيق لحظات من هول الألم فنجد أنفسنا قدغرقنا أكثرمن قبل، وتدور العجلة علينا مرّات ومرّات، و نحن سامدون!!

الأمم تتداعى للإعمار، وإسرائيل تُدمّر، ألم يُسدّد العالم ضريبة تعذيب اليهود حتى يومنا هذا؟! ألا من آخر، أم لايكفينا قيام الساعة لنسدّد الديون للمضطهدين اليهود!!(لا تفهم من هذاأنّنا ضدّ اليهود إنْ سالمـوا، فهم لم يعيشوا في حال أحسن من حالهم مع العرب والمسلمين، وإنّما هذه نغمتهم في الشكوى!! وإيّانا إن نفكّر في مسالمة عصابة مغتصبة)، أم لهذه المساعدات غايات لاتفهمها عقولنا القاصرة عن التخطيط و التدبير!!
رحم الله مالك بن نبيّ فقد أشار إلى المرض، فعَنْون كتابه بـ( الاستعمار والقابليّة للاستعمار )، أيْ لابدّ من وجود قطبين: القويّ والضعيف( على قياس القطبين العالميين منْ قَبْلُ: الولايات المتحدّة والاتّحاد السوفييتي!!)، فلو كان الاثنان قويين لما تسنّى لواحد أن يتسلّط على الآخر.

كنّا من قبل نشكو من ضعفنا وتخلّفنا أيّام الحكم العثماني (و يرى آخرون أنّه استعمار تركــي، و الموضوع غير قابل للبحث في هذه العجالة)، ولكنّا كنّا قوّة واحدة ( على عجرها وبجرها ) ثمّ نادَوْا بالجامعة الإسلاميّة، و الدعوة إليها في حال وجود دولة واحدة تفتيت و تمزيق، أمّا اليوم فنجدها نعمة كبرى إنْ قامت، ثمّ نادَوْا بالشريف حسين ملكا على العرب، و الكلام فيه كالكلام عن الجامعة الإسلاميّة، ثمّ راجت فكرة الجامعة العربيّة!! فهل ترَوْن لها وجودا!؟
نخن ممزّقون، بلاد المغرب ماذا كانت؟! ومصر والسودان - بلاد النوبة-الولاية الواحدة، كانت بلاد الشام ولاية، فصارت اليوم دولاً ماكنّا نعرفها في تاريخنانقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي سورية الاسم القديم قبل الفتح بزمان، ولم تكن الشام أكثر من مركز الولاية، وفلسطين الاسم اليونانيّ القديم ولم يكن بيت المقدس أكثر من( سنجق)، أمّا الأردن أ كان أكثر من نهر جرت قربه أعظم معارك الفتح، و لبنان الجبل، ،) واليوم تكوّنت شخصيّات هذا التفتيت، و نُسبت كلّ شخصيّة إلى الدولة التي تنتمي إليها. واشتدّ التنافـس والنزاع ، تُتهم دولة بالعدوان على أخرى أو على جزء من شعبها فتتقدّم الدول الكبرى بمحكمتها لإحقاق الحقّ!!يسعى العالم إلى التوحّد، ويسعَوْن بنا إلى تعميق الفرقة، فنفرح بأسماء جديدة تؤكّد شخصيّاتنا!! ( لست مع فريق ضدّ فريق، وإنّما أشير إلى سوء المصير الذي وصلنا إليه).
يسعَوْن بنا إلى الحوار بين الأديان( طبعاً ليس مع أهل الكتاب الذين نعيش معهم على أرض واحدة، وإنّما التطلّع إلى الأديان في الغرب الذين نرجو رضاه!!
و نحن فيما بيننا لا نتحاور، بل تقسّمنا فرقاً، ولا يستطيع فريق أن يسمع الفريق الآخر، لأنّ كلاً منهما يؤمن أنّه على الحقّ ( الفرقة الناجية) والآخر على الباطل، شيخهم مصدر العلم كلّه، فلماذا يحتاجون إلى غيره. ليست المشكلة في تجريح الآخر، فهو أمر شخصيّ لا يأبه له داعية الحق، وإنّما صمّ الآذان عن كلّ رأي آخر لا يُمجّد رأي الإمام!!
لماذا الفحش في القول حين نهاجم الفريق الآخر.أنا لا أختلف معكم، فقد لا يقلّ الفريق الآخر عنّا فحشاً في القول، بل قد يزيد!! و لكنْ هل سنعيش كلّ حياتنا هكذا، هل هذا هو المطلوب شرعا؟ هل تجدون تعارضاً بين قوله – تعالى-: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِوَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّرَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُبِالْمُهْتَدِينَ- النحل ١٢٥ و قوله: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ – الحجر ٩٤-، هل الحوار مع إخوانك في الدين، ومع أهل الكتاب الذين نسكن معهم على أرض واحدة، قتال بالسيف؟!
هل يحاور أساتذتنا الأفاضل أهل الحوار!! من أهل الغرب بغير الحسنى وإظهار كل حسن – حسبما يظنّون – في أحكام شرعنا؟ و يقدّمونها بغير أرقّ أسلوب وأنعمه!؟
لن ينقذنا سوى الحوار الهادئ المتزّن,, من اتهام بعضنا بعضا بالانحراف و التآمر.
لن ينصرنا الله-تعالى – على إسرائيل و على الجبابرة الظالمين إلا إذا بدأنا بإعادة النظر في حياتنا كلّها، و تخلّصنا من كلّ هذه الأمراض.

/٣/٣/٢٠٠٩