قضية التماثيل .. ووطن الأماثيل!

بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود
..................................

كتب مكرم محمد أحمد في الأهرام يوم الثلاثاء الماضي 4- 4- 2006م ؛ مقالا حول موقف مدير الجامعة الأميركية بالقاهرة ، من مواد الثقافة العربية التي قرر المدير إلغاءها من مقررات الدراسة بالجامعة ، وهي المواد المتفق عليها في " بروتوكول " بين الحكومتين المصرية والأميركية . ولم يستجب المدير لمناشدات الأساتذة والطلاب بالإبقاء على مواد الثقافة العربية مع هامشيتها وبساطتها ، وتخلى عن منهج الجامعة الذي يقوم على الحوار والتفاهم ..
واضح أن السيد مدير الجامعة الأميركية يتحرك وفقا لسياسة بلاده الصليبية الاستعمارية التي أعلنت الحرب على الإسلام ( وليس الإرهاب لأنها أول من صنعه ورباه وغذاه) ، وراحت بالصلافة والعجرفة تأمر الحكومات العربية والإسلامية بإلغاء الإسلام من إعلامها وتعليمها ، وثقافتها وفكرها ، تحت مسمى تغيير الخطاب الديني .. ولم تعبأ أميركا الصليبية الاستعمارية – وهى التي لا تتمسك بقيم المسيحية ولا تعاليم المسيح – بأية قواعد قانونية أو مواثيق دولية في حق الدول المختلفة في المحافظة على ثقافتها وهويتها ، ومن ثم جاء قرار مدير الجامعة الأميركية ، صادما للأمة بوقاحته واستفزازه وعنصريته..
هذا الحدث الجلل الذي يعبر عن هوان الأمة على نفسها ، لم يستوقف كتاب المار ينز في بلادنا ، ولكنهم هاجوا وماجوا لأن فضيلة المفتي أصدر فتوى تحرم التماثيل ، وتطوّح بعضهم في حلقة الذكر " الاستعماري" تعبيرا عن كراهيته للإسلام وثقافته، وراح يصف المفتي بممالأة السلفية ، والانتماء إلى طالبان ، ووصل الأمر بواحدة من إياهن إلى المطالبة أن يغلق شيخ الأزهر والمفتي فمهما ، ولا يتكلمان بل لا ينطقان بأية فتوى طالما هناك قانون ودستور يحكمان البلاد !
كتاب المار ينز موتورون من الإسلام وثقافته ، يتعاملون مع شرائع الأرض والسماء بود وتسامح ما عدا الإسلام . يعلموننا ليل ونهار أن الغرب ليس واحدا ، وأن اليهود الغزاة ليسوا واحدا ، ولكنهم يضعون الإسلاميين جميعا في تصنيف واحد، يطلقون عليه كل ما يحمله القاموس اللغوي من معان سلبية وشريرة ورديئة وبذيئة .
قبل فترة رفض الأنبا شنودة تزويج المطلقات والمطلقين من النصارى الذين تحكم المحاكم بانفصالهم ، لأن ذلك في رأيه مخالف للإنجيل ، ولم ينبس واحد من كتاب المار ينز ببنت شفة ، ولا أظنه يستطيع .. لسبب واحد ، وهو أن غير المسلمين يحمون شرائعهم ،ويستطيعون الرد المؤلم والموجع على من يتعرض لها . أما الإسلام فهو الحائط الواطئ الذي يقفز عليه كل سفيه وعميل وبائس دون أن يخسر شيئا ،أو يتأثر بشيء !
وكنا نتصور أن كتاب المار ينز – ومعظمهم من اليسار المتأمرك ومرتزقة النظام – يمكن أن يكون لديهم حد أدنى من الخجل والحياء ، فيوجهون أقلامهم إلى معالجة القضايا الحيوية التي يضج الناس منها على المستويات المختلفة كافة .. ولكنهم للأسف لا يستطيعون مواجهتها مواجهة جادة ومخلصة وصادقة . فهم يعملون لحساب من صنعوا مشكلات الوطن ومن فاقموا من أزمته ومتاعبه وآلامه.. والعبد لا يستطيع أن يرفع رأسه في وجه سيده.
لقد أصبحنا أمثولة بين أمم العالم في التخلف والعجز وقبول الذل والاستسلام لما يفعله الآخرون بنا ، وصرنا نخرج من مأزق إلى آخر ، ومن محنة إلى أخري ، وانظروا ما ذا جرى لنا على مدى شهرين فقط: موت ألف مصري في عبارة الرجل المحصّن- كارثة الطيور التي أذهبت الثروة الداجنة وأوقفت حال الناس وحرمت الفقراء من طعم اللحوم – اشتداد الغلاء وكان السكر في مقدمة السلع والتليفونات في مقدمة الخدمات ، ولن يكون الوقود الذي أعلنوا عن قرب رفع أسعاره آخر السلع ، لأنه سيشعل الأسعار تلقائيا – امتداد طابور البطالة – تبديد أموال الدولة في المظهريات وإنفاق المليارات فيما لا يفيد وفقا للجهاز المركزي للمحاسبات ...
القوم لم يتوقف سعارهم المحموم في حملتهم على فتوى المفتي بسبب التماثيل ، ولكنهم تجاهلوا ما يعانيه المصريون من قهر واستبداد ونظام فاسد ينتفش فيه الفاسدون والمنافقون ويستأسدون ..
إننا نتساءل : هل يأخذ كتاب المار ينز بكل الفتاوى في الأمور الإسلامية أساسا ؟ إن بعضهم لا يفيق من الخمر ، وبعضهم لم يركع ركعة واحدة .. وبعضهم لا يقبل أن يعطي فقيرا قرشا واحدا بدعوى أن الدولة مسئولة عنه، وبعضهم لا يهتز ضميره وهو يمارس الرذيلة أو يأخذ ما ليس له من أموال المسلمين .
لقد صرنا أمثولة الأمم .. بل أماثيل في سياستنا واقتصادنا وثقافتنا وواقعنا وأخلاقنا وحاضرنا ومستقبلنا .. ومع ذلك فالقوم مشغولون بقضية التماثيل التي أثاروها في العام الماضي ، وصنعوا من أجلها مناحة ملأت الدنيا لأن رئيس حي أو مدينة لم يضع تماثيل لآلهتهم المزعومة في إحدى الحدائق ..
ويا وطن الأماثيل .. لابد من فجر جديد.