في الذكرى ال ( 88) لتأسيسه ، الجيش العراقي والمؤامرة على العراق والقضية الفلسطينية


الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري

تمهيد

عندما نكتب عن تاريخ الجيش العراقي أو نحتفل بتأسيسه في السادس من كانون الثاني عام 1921 من كل عام فان هذا ليس مجرد استذكار سريع أو احتفال عابر بيوم مولده ، بل هو تاريخ نريد له أن يحفر في القلوب والأرواح جيلا بعد آخر ونحميه من الاندثار خاصة في هذه الظروف الصعبة التي شهدت وما زالت تشهد المزيد من الدمار والماسي والمعاناة لأبناء شعبنا العراقي وامتنا العربية وخاصة القضية الفلسطينية ، وإعادة تشكيله من جديد بعد الهزات العنـــيفة التي تعرض لها وعانى منها الأمرين : الحرب غير المتكافئة في مواجهة أقوى جيوش العالم عام 1991 وما تلاها من حصار ظالم أتى على القسم الأكبر من معداته وتجهيزاته وأسلحته ، وحرب الاحتلال عام 2003 والقرار الجائر بحله والذي أصدره ( بريمر ) الحاكم المدني الأمريكي للعراق بمشورة وتأييد القوى السياسية والحزبية الحاكمة في العراق .. فالجيش العراقي ترجع أصوله التاريخية إلى (50) قرناً مضت ولا جدال في أن أحداث تلك القرون ، بما فيها من تألق، قد تركت أثارها وبصماتها على حياة هذا الجيش العريق ..

المؤامرة

وفي قراءة متأنية لتاريخ جيشنا الباسل ومآثره المشرفة ضد أعداء الوطن والأمة عبر مختلف العصور وتتبع سلسلة حلقاته المترابطة واستعراض تلك الأمجاد ، وخاصة حروبه المشرفة ضد العدو الإسرائيلي ، وفق نظرة أصيلة متبصرة يهديها العقل ويوضحها الفهم الصادق، لتأكد للجميع أن العلاقة بين فعاليات وأنشطة قواتنا المسلحة من ناحية وبين شعب العراق وأمته العربية من ناحية ثانية هي علاقة تفاعل ايجابي مستمر لا تثنيها كبوة ولا يشوه صورتها انحراف أو تحريف..

في هذا العام الحزين أيضا من حياتهم مازال العراقيون يرزحون تحت الاحتلال الأمريكي ونظام المحاصصة الطائفية وتدخل دول الجوار وخاصة التدخل الإيراني ، وما زالوا يعانون من فقدان الأمن والاستقرار والخوف والرعب والقتل على الهوية وانعدام الخدمات والفقر والبطالة والجوع وتدهور الأوضاع الاقتصادية ونهب ثرواتهم من قبل نخب حاكمة ومتنفذة واستشراء الفساد بكل أشكاله وهجرة الملايين منهم إلى خارج البلاد ، وخاصة العلماء والأطباء والمهندسين والكفاءات العلمية من مختلف الاختصاصات الأخرى ، والى مناطق أخرى داخل العراق بعيدا عن سطوة الميليشيات وانتقامها ، وتدمير دولتهم وحضارتهم ومحاولة تقويض أركان المجتمع العراقي وأسسه الرصينة... الخ ..

في ظل هذه الأوضاع المأساوية والمعاناة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا ، تمر الذكرى (88) لتأسيس الجيش العراقي وقطرنا وامتنا العربية يمران بأصعب الظروف والمحن شارك في التخطيط لها وتنفيذها القوى الامبريالية والصهيونية وعدد من دول الجوار العراقي وكل حسب أجنداته وأهدافه ، وهذه الحقائق يعرفها شعب العراق جيدا لأنه عاشها ولمس آثارها ونتائجها ميدانيا وعانى ومازال يعاني منها الكثير ..

إن قرار حل الجيش العراقي ومؤسسات الأمن القومي العراقية ووزارات الدفاع والداخلية والخارجية والإعلام وتسريح منتسبيها وحرمان معظمهم من استحقاقاتهم المادية والمعنوية هو مؤامرة كبيرة خططت لها الولايات المتحدة والصهيونية منذ أمد بعيد ليس ضد العراق فحسب بل ضد الأمة العربية كلها باعتبار العراق من أقطار المواجهة مع العدو الصهيوني وشارك في الحروب العربية الإسرائيلية بثقل كبير يشهد له التاريخ ويشهد له أبناء امتنا وباعتبار أبناء هذا الجيش العتيد هم حراس البوابة الشرقية للوطن العربي ..

لقد انعكست نتائج مؤامرة حل الجيش العراقي ومؤسسات الأمن الوطني على الوضع الداخلي في العراق بشكل خطير وتسببت في حدوث فلتان امني وفوضى عارمة عمت البلاد بطولها وعرضها حتى أننا شهدنا محاولة جر أبناء الشعب إلى حرب أهلية تحت مختلف الذرائع والحجج ، ولكن الحقيقة هي أن المخطط الأمريكي هو الذي تضمن مثل هذا السيناريو في محاولة يائسة للقضاء على الحس الوطني والقومي للعراقيين وأبعادهم عن محيطهم الوطني والقومي والإسلامي والسعي لخلق جيل جديد مبرمج على التعايش مع الأفكار والثقافة الغربية والإسرائيلية ..

لقد اثبت نظام المحاصصة الطائفية الذي أسسه الاحتلال الأمريكي والمصالح السياسية الضيقة للنخب الحاكمة في العراق وما رافق ذلك من أحداث مأساوية مرعبة مر بها العراق ، خطورة قرار حل الجيش والوزارات والمؤسسات الأخرى وأثبت أيضا وجود أخطاء ومخاطر جسيمة في تشكيل الجيش الجديد كونه أسّس في معظمه على نفس قاعدة المحاصصة الطائفية والحزبية ، فهو لم يتمكن حتى ألان من تامين الأمن والاستقرار في البلاد وغير قادر على تامين متطلباتها الدفاعية الوطنية وحماية حدودها ضد العدوان الخارجي وما نشهده من تدخل عسكري تركي وإيراني على حدود العراق وداخل أراضيه دون أن يتمكن من منع هذا التدخل خير دليل على ما نقول ..

والشيء الأخر الذي نشير إليه هو أن مؤامرة حل الجيش العراقي حرمت البلاد من كوادر عسكرية علمية متخصصة في كافة المجالات كان يمكن الاستفادة منها في إعادة أعمار البلاد ووضعها في خدمة أنشطة الحياة المختلفة لو تم استدعائها والاستفادة من إمكانياتها ..

إن جريمة حل الجيش العراقي ومؤسسات الأمن الوطني هي مؤامرة خطط لها الاحتلال الأمريكي بالتعاون والتنسيق مع إسرائيل وقوى محلية وإقليمية لها مصالح إستراتيجية في حل هذا الجيش لعبت وما زالت تلعب دورا مشبوها بإضعاف قدرات العراق من اجل تصفية حسابات طائفية ومصلحية ، وقوى أخرى لعبت نفس الدور لتضمن تنفيذ أحلام عنصرية واثنيه مريضة تهيئ لتقسيم العراق تحت سمع وبصر الاحتلال وفي ظل ظروف مهيأة كي تكون في مأمن من مواجهة قوات رادعة لها ، وكذلك هناك قوى إقليمية كانت وراء دمار هذا الجيش وسعت إلى حله بحجة المحافظة على أمنها القومي وضمان عدم إعادة استحقاقات جغرافية وتاريخية ومالية سبق وان استحوذت عليها بالقوة أكثر مما تستحق ومن دون وجهة حق، والقوة الرابعة التي لها مصلحة إستراتيجية بحل الجيش العراقي هي إسرائيل التي كان تخطيطها وأهدافها يصبان في الاستفراد بالساحة الفلسطينية وشن العمليات العدوانية لإلحاق الاذى بالشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة وتحطيم بناه التحتية وتهيئة مسرح الأحداث بما ينسجم ومصالحها دون رادع من طرف عربي شجاع ومتمكن وغيور لتجني الكثير من حصاد الشر نتيجة مغامراتها الإجرامية في ظل صمت عربي و إسلامي وما أكثر الذين كانوا يتوعدون إسرائيل وتدميرها وإلحاق الاذى بها وإيقافها عند حدها وهم يمتلكون احدث الأسلحة الإستراتيجية التي يصل مداها إلى كل الأهداف الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة ، ولكن أين هم ؟ وأين العرب الذين لم تهتز شواربهم نخوة على أبناء أمتهم وأشقائهم في غزة ، وهم يُذبّحون ويُقتّلون وتُنتهك حرماتهم وأموالهم ويشرد أبناؤهم وأطفالهم ونساؤهم وشيوخهم وثكالاهم وأراملهم ، وهم صامتون مسكونون باللعنة والتخاذل واللامبالاة ، فأين إيران وأين حزب الله وأين الأنظمة العربية وأين المسلمون ، أو ليس فلسـطين قضية عربية إسلامية ؟؟؟

وفي ظل أوضاع العراق المأساوية وصمت العرب المخجل وضعفهم راحت إسرائيل تتمادى في عدوانها الوحشي على غزة ، وان العراقيين وفي طليعتهم جيشهم الباسل لم يكونوا ليقفوا مكتوفي الأيدي تجاه هذه الهجمة الصهيونية الشرسة لو كان العراق في عافيته وجيشه في كامل صحته فمعروف عن العراقيين أنهم لا ينامون على ضيم ولا يقبلون الظلم والعدوان على أنفسهم أو على أشقائهم ولكانوا قد عبروا عن تأييدهم ونصرتهم لشعبهم في غزة بكل الوسائل التي يقدرون عليها ومن ذلك ردعها وتأديبها كما فعلوها عام 1991 ، وقد عبر عن هذا الموقف الضباط والمراتب من منتسبي الجيش العراقي السابق خلال الاحتفالات بذكرى التأسيس عندما تمنى الكثيرون منهم لو أن الجيش العراقي كان على وضعه قبل الاحتلال ، في نفس الوقت أعرب كثيرون منهم عن استعدادهم للتطوع للقتال إلى جانب المقاومة الفلســــطينية فورا إذا سمح لهم بذلك ..

حيا الله جيش العراق وحيا الله صمود غزة ونصرها على عدوها والهم أهلها الصبر والمنعة والعزة ولعن الله المتخاذلين والمتصيدين في المياه العكرة فهذا يوم العمل لمن يريد أن يعمل ويجاهد العدو ويقاتله دفاعا عن شعب غزة هاشم وهو دفاع عن الأقصى المبارك ايضا ، وإلا سوف لن ينفعهم ما يقولون لاحقا ويبررون فهذا يوم ينفع المجاهدون جهادهم ويفرحوا فيه إرضاء لله والوطن والأمة في الدنيا قبل الآخرة ، ومن فاته مثل هذا اليوم وتخلف مع المتخلفين وتقاعس وقعد مع القاعدين فلا خير فيه ولا خير في قوته وعندها لن تنفع الشعارات والمواقف المستهلكة والتبريرات والحجج بالتراخي والتخاذل ونترك الحكم للتاريخ والجيل الحالي والأجيال القادمة وأقولها واقسم بالله على ما أقول .. أن فلسطين لن يحررها إلا أهلها والشرفاء والغيارى من أبناء الأمة ، فهؤلاء هم أملنا في التحرير ورد العدوان ورفع رأس العرب عاليا وإعادة ما فقدوه من كرامة وكبرياء ، وليس المزايدات من هذا الطرف أو ذاك ، من الذين يتلاعبون بالألفاظ والشعارات والمواقف المضللة والخادعة ومن الذين اتخذوا من فلسطين شعارا للسمسرة الرخيصة في بورصة السياسة العربية والإقليمية والدولية ..