كانوا يسمونه (العاقل)

لم يكن مجنونا رسميا، ولم يكن رشيدا، لكن كان به لوثة قد يجد بعضهم أنها لا تخلو من طرافة، فإن علق أحدهم على تلك الطرافة بسخرية متهما صاحبها بالجنون و قلة العقل، كان ينزعج من ذلك ويشتاط غضبا، فاتفق الجميع (دون أن يعقدوا مؤتمرا) أن يعلقوا على أي عمل يقوم به بقولهم له: (عاقل)، فيبتسم مبديا علامات الرضا.

كان قد اشترى عجلة (صغيرة البقرة) وقام بتربيتها وتلقيحها، حتى جاء موعد ولادتها، وكانت تتمنع من أن تحلبها زوجته، حيث تضرب بقائمتيها الخلفيتين وعاء الحليب أو ساق زوجته، فتتهرب الزوجة من إتمام عملية الحلب، فيذهب لمن اشتراها منه فيحضر ويحلب البقرة.

وعندما استثقل إحضار من اشتراها منه ليحلبها في كل مرة، فكر بطريقة لمعالجة تلك الظاهرة. فربط البقرة وأحضر قطعة من الحبال وأخذ يضرب بها زوجته بقوة، وامرأته تصرخ والبقرة تراقبها بخوف، وما أن اكتشف أن البقرة راعها ما تشاهد، طلب على الفور من امرأته أن تتقدم وتحلب البقرة، ففتحت البقرة ساقيها مطيعة دون أن تبدي أي علامة من علامات نزقها السابق، وقد يستحق صاحبنا لقب (العاقل) على فكرته تلك.

استذكرت تلك القصة الحقيقية، عندما أسمع كل يوم عن بعض دولنا العربية أنها تتصف بالاعتدال، فهذه دولة معتدلة وهذه دولة غير معتدلة، ومن أطلق عليها هذه الصفة؟ إنهم أعداء الأمة الذين يحاربون الإرهاب ويقومون بممارسة الإرهاب كل يوم.

الاعتدال: هو من العدل والعدل هو إنصاف المظلوم من الظالم، والمحتل ظالم، ومقاومته حق تحفظه الشرائع السماوية والوضعية، أما أن تتقدم إحدى الدول المسماة (معتدلة) بمبادرة تقضي بإحضار قوات دولية تحمي المعتدي من المظلوم، فهو اعتدال غريب الشكل، وتسميته بهذا الشكل تفوق تسمية (العاقل) بما سمي به!