نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

الرَّجِيمُ
... وعبثا حاول أن يدس له الشك في يقينه، ويسرب وسوسته إلى صدره، وبعد أن أعيته محاولاته المتلاحقة لاقتلاع سكينته وتثبيت القلق والحيرة والقنوط من رحمة الله في قلبه، سأله قائلا:
- فما ترى في سيرتي هذه ..؟
أرى ظاهرها في عيني الجاهل منظرا مثيرا خلابا، وفي عيني الكيس أراها مشهدا منكرا وخرابا، ووجها كريها محتالا نصابا، قد أصفها لك بالحرباء، وهي تلبس في كل مرة قصد التمويه وطلبا للصيد لونا جذابا، قد أنعتها أفعى رقطاء، وهي تزحف على بطنها بملمس الحرير، تداعب تارة أغصان الأشجار وأعشابا، وتارة تلاعب أحجارا وترابا، أما باطنها فأراه في قلب العاقل عتمة وسرابا، وأرى العاكف على نسج خيوطها السوداء ونصب أثافيها الظلماء للنار حاصدا وللمنكرات حطابا، إلا أني أراها في قلب الجاهل منارة وقبسا وشهابا، وأوثانا قدت حجارتها من هواه اتخذها مثابا، وضلالات وفتن وغوايات ألف منها بعد ألف كتاب كتابا …
- ألا ينازعك الشك في حقيقة حالي ..؟
أما الذي أراه فقد قطعت باليقين الشك فيه عجيبا كان أم غريبا، ولا أجد شفاء لأحد من داء الريبة في ما ذكرتُه مجيباً، إلا أن يسأل عنه خبيرا لبيبا، ولا أرى لمن زج بنفسه متعمدا في سجن العتمات بعيدا عن النور خلاصا قريبا، إلا أن يسارع إلى تغيير ما بنفسه دون إبطاء أو تأخير وأن يقبل على الله منيبا …
- ثم ماذا عن الذي جدت عليه بطعنات رماحي؟ وعن الذي كسَّر سهامي ..؟
أراهما كل يوم رأي العين ببذل جهد مني يسير ودون عناء كبير، والأصابع بغير نداء أراها في كل حين إليهما تشير، فتلك أعمالهما قد تجلت لعيني كل أصم وبصير، وبلغت مسمع كل ضرير، وتلك أخبارهما وآثارهما قد سار بذكرها الراجلون والراكبون في كل سفر طويل أو قصير، فأما الذي أوقعتَه في شَرك كيدك، وزخرف فتنتك، وحبائل وسوستك، وفي قطران ضلالك الغزير، فعبد لم أجد له عزما إذ أجاب دعوتك في آخر أو بداية المسير، ورضي بغير سواء السبيل المنير، وتوهم سعادته في اللجوء إلى ظل زائل حسير، ونسي سوء المنقلب وبئس المصير، وأما الذي نأى بنفسه عن غيك ومنكراتك وندائك الحقير، فذو عزم أكيد وحزم شديد غير أسير، يشرب صفوا من ماء العين وهنيئا يغتسل في الغدير، قد قصد في سعيه واطمأن إلى الاستقامة ولزم صحبة خير عشير، وتذكر يوما سيخيب فيه كل عبد نبذ وراء ظهره ما جاءه به البشير النذير، ولم يأت ربه حامدا شاكرا بقلب سليم مستبشر غير كسير، وأعوذ بالله نور السماوات والأرض من الشيطان الرجيم …

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
aghanime@hotmail.com