هل عانق الشعراء جرح الموسم
وهل اقتفيت الجرح من إثر الدم
أعياك أني ما عرفتك حينها
إلا هشيمًا في استعار جهنم
أوقفت قافيتي طويلاً شاكيًا
قومًا رأيناهم رواكد جثم
يا دار غزة بالشئام تكلمي
وعمي صباحًا دار غزة واسلمي
دارٌ لباكيةٍ تراق شئونها
عينًا تموج ببحرها المتضرم
ما بال قافيتي التي استوقفتها
لا تستأم لحاجة المتأوّم
وتحل قارعة الخطوب وأهلنا
في حمأةٍ من قصف من لم يرحم
حييت من قدس تقادم مجده
رغم انفجار الغاصب المتحكم
حلّت بأرضك ثلةُ ملعونةُ
ولغت بطهر ثراك كي تستسلمي
علقوا بقتلك رغبةً مجنونةً
خرقاء في لغة المبير المجرم
كيف المزار ولا طريق إليك من
طوقٍ يحيط بهم كطوق المعصم
إن كنت أزمعت المضي فذاك ما
نرجوه في ليلٍ بهيمٍ مظلم
ما راعني إلا وغزة كلها
وسط الدمار تسف نار المنشم
فيها المئات بل الألوف قتيلة
أيامهم مثل الغراب الأسحم
دمهم يجود على الثرى بحياتهم
يا حبذا في الله موت المقدم
سحًا وتسكابًا وكل دقيقةٍ
كالدهر حين تمر لم تتصرم
وهناك غزة والردى أنشودة
مدت يديها للكفاح الأعظم
والكل يلعق من دمائك نشوة
لعق الذباب كشارب مترنم
تمسي وتصبح والجراح تلوكها
وتبيت وهي تصول فوق الأدهم
وحشيشتي نارٌ وغزة تمتطي
صهو الجهاد بصارمٍ متثلم
هل تخبرني دارها أني هنا
بصمودها من كل عارٍ أحتمي
فكأنما أطوي الخنوع لها على
أشواق قلبٍ نازفٍ متألم
تمضي تمزق كل وجهٍ زائفٍ
لتطيح رأس الغاصب المستلئم
وتذيق أحفاد القرود من الردى
كأسًا مذاقته كمر العلقم
والقوم قد شربوا المدامة وانتهوا
يترنحون على احتضار الأنجم
بزجاجةٍ صفراء ذات دلالةٍ
توحي بسير الخائر المتوهم
وإذا صحوا طاشت سهام حروفهم
في النائبات بدون رأي محكم
وصريع غانيةٍ تراه مجندلاً
في وهدة العار المشين المعتم
هلاّ سألتي الخيل غزة لم يعد
للخيل كر في احتدام الأسهم
إذ لا تزال تصول في سبق الهوى
لتنال فخر النصر دون تقدم
إن الذي ساس الخيول أعدها
لتكون ملهاةً لقومٍ نوّم
طورًا يجرد للشهود ثيابه
ونراه أخرى في انحسار المحجم
يخبرك من شهد الوقيعة أننا
نخشى الوغى ونموت عند المغنم
ومدجج عرف العدو بأنه
رغم الحشود بذلة المستسلم
جادت له الدنيا بعاجل طعنةٍ
أردته في وكر الذئاب الضرم
ليعيش في دنيا الكلاب تنوشه
نهشًا بلذة لحمه المتورم
عاثت يداه بأمةٍ مكلومةٍ
لا يرعوي ويضيق بالمتلوم
لما رأنا نعتلي درب الهدى
أبدى لنا الأنياب دون تبسم
يومي إلينا والرماح تحيطه
يرغي يزبد في رؤى المتجهم
بطلٌ ومن كفيه يستف الثرى
ويلوك في فكيه خزي اللوم
وغدٌ يروغ ويستكين وينبري
كالثعل ينظر للنسور الحوّم
وبعثت قافيتي وقلت لها : اذهبي
وتحسسي عن أهل غزة واعلمي
قالت :رأيت ومارأيت وهالني
أني إلى أبناء يعرب أنتمي
ظلت تنادي أمة الإسلام يا..
أبتي ويندبها صراخ المأتم
حفظت وصاة الحق وهي جريحةٌ
والسيف أمضى من متاهات الفم
في حومة الحرب التي بأتونها
صليت فكان العار للمتشرذم
لما رأيت يهود أقبل جمعهم
وثبت بغير تردد وتذمم
يدعون غزة والرماح كأنها
شهبٌ على هام الدخيل الأظلم
سيصول قسام الإباء وللمدى
خفقٌ يبز نواضح المتقدم
واشتد حقد المعتدين وما دروا
أن الشهادة بغيةٌ للمسلم
إن الذي في فيه يبتسم الردى
فالموت في شفته حلو المطعم
ما أن يقول الجد ياخيل اركبي
إلا وشد على العدى كالضيغم
ولقد برى نفسي وأبكى سقمها
طعن الأجير لمن لغزة ينتمي
أمرٌ بجنح الليل دبر خلسةً
ويلٌ لأمر بالخيانة مبرم
صاح النفاق بهم فلبوا نحوه
وفعالهم دومًا لوجه الدرهم
حالة رماح بني العمالة دونهم
وهمو لأمتنا كلدغ الأرقم
يتكالبون فإن رأيت شخوصهم
خشبًا مسندةً بدون توسم
نشتم لحن القول بين حروفهم
نتنٌ يفوح لكل من لم يعلم
إنا سنمضي رغم كل تكالبٍ
وتحالفٍ وتأمركٍ وتبرم
بخطى تدك جحافل الطغيان لا
نحني الجباه سوى لربٍ منعم
الله مولانا ولا مولى لهم
طلع الصباح ولات ساعة مندم