مارسيل يضيء ليالي حلب ويعتبرها مدينةً للتراث الموسيقي العربي المصدر : بلدنا 28/12/2008
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيتصفيق شديد، ولحظات صمت، شموع توهجت في عتمة الإضاءة الخافتة، لهفات هنا وهناك لسماع كل أغانيه، وانسجام رائع من جمهوره المحب، كلّ ذلك خلق حالة من التوهج والحرارة في ليلة شديدة البرودة، حلّق فيها وفرقته مع جمهور حلب عالياً، عبر أغانيه التي بدأها بمفاجأة لأهالي حلب، عندما غنى التراث الحلبي، ليبدأ بعدها أولى أغنياته، ولأول مرة "ونحن نحب الحياة"، من كلمات الشاعر محمود درويش



بلدنا | حلب| مصطفى رستم


إنه مارسيل خليفة، الذي أمضى وفرقته الموسيقية يومه الأول أمس الأول الخميس على مدرج صالة الأسد الرياضية في حلب، متألقاً في حفلٍ موسيقي دعت إليه ونظمته الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية، حمل عنوان "ونحن نحب الحياة .. تحية إلى محمود درويش".
مارسيل خليفة أخذ يعزف وصديقه الدائم (آلة العود) أجمل الألحان، ليطرب الجمهور الذي قدم قبل ساعات لحضور الحفل، ليتمايل، ويصفق، ويردد، معه كل الأغاني، بل إن أغنية (ريتا) غنّاها الجمهور كاملة، عندما بدأ الفنان مارسيل بغنائها، وليتبعها بأغنيات، مثل "يطير الحمام يحط الحمام"، "منتصب القامة أمشي"، وغيرها. هذا التفاعل الجماهيري بلغ أوجه، وكان يتجدد مع كل أغنية جديدة أخذ مارسيل يغنيها، حتى وصل إلى أغنية "كل القلوب جنسيتي"، أغنيات كثيرة غناها مارسيل، وقبل أن يختم كعادته بأغنية "يابحريّة"، التي رددها الجمهور بكلّ دفء وتأمّل، أخذ عازف البيانو رامي خليفة (نجل الفنان مارسيل) دفّة القيادة ليخطف الأنظار عبر عزفه الجميل، وليحظى بإعجاب جمهوره.
ليلة الميلاد أمضاها مارسيل خليفة في مدينة حلب، وغنى لأهالي تلك المدينة، التي استقبلته بكل حب وشوق، معلناً عشقه لتلك المدينة، وفي متابعة لـ"بلدنا" بعد انتهاء الحفل، توجهنا إلى الكواليس، ليتحدث الفنان خليفة عن مدينة حلب بقوله "مدينة حلب شكّلت ذاكرةً للتراث الموسيقي العربي، فهي منارة، والمصادفة الرائعة أنّ نصّ محمود درويش متطابق مع هذا اللحن الشعبي، وللحقيقة نحن نشعر بالفرح والسرور بهذا اللقاء مع جمهور حلب المعطاء". وحول أغنياته التي قدمها أكّد أنه يرغب، عندما يقدم أغنية، في أن يضيف إليها نوعاً من أنواع التجديد، يضيف إليها مساحات من التقاسيم المنفردة، التي تعطي حياة جديدة للأغنية، وفي حديثه لنا أعلن أنه رغم ما نشاهده على الفضائيات العربية من زخم من الأغاني ذات المستوى المتدني، إلا أنّه سعيد بهذا الحضور الجميل، وأنه أحس بفرح كبير لهذا الكمّ، ومن كل الفئات العمرية، وخاصة من الشباب.
الفنان خليفة عبّر عن محبته لدمشق، واصفاً إياها بأنها عاصمة كبيرة مثل الأندلس، وقال: "أنا أحب دمشق وأعتبرها مدينتي، دائماً أحب أن أرى الشمس كلّ يوم، وأن أحتمي بدفئها".
صاحبة الصوت الدافئ والحنجرة الذهبية الفنانة أميمة خليل، قالت لـ "بلدنا" رداً على سؤال حول شركات الإنتاج وتقصيرها في دعم الفن الملتزم والأغاني الملتزمة، "بشكل عام الفن أخذ يتجه نحو التجارة، وهذا ليس لمصلحة المواطن العربي في كل الأحوال، .. فالمواطن يهدر وقته أمام شاشات التلفزيون، وأمام عارضات الأزياء الجميلات اللواتي أصبحن مطربات اليوم والحاضر والمستقبل، وهذا التوجّه ليس بريئاً، وهو مرتبط ارتباطاً مباشراً لتسخيف الناس".
ولم تنس الفنانة خليل أن تبيّن وجود الكثير من الأسماء في الوطن العربي التي تعمل، ولكنها ليست في الواجهة، وأعمالها لم تسوّق كما هو مطلوب، وذلك لتعويم السطحية، وعن الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش قالت: "رحل باكراً، وهو شاعر القرن، وشاعر المرحلة بامتياز، من عهد الشعراء العباسيين لم يأت شاعر بهذا الحضور، وبهذا التجديد في اللغة التي كان يخاطب بها الناس، وبقي وسيظل روح فلسطين".
الفرقة الموسيقية التي رافقت مارسيل عبّرت عن سعادتها بتلك الجولة عبر المحافظات، وبلقائها هذا الجمهور الرائع، التقينا الفنان الموسيقي كنان عظمة المشارك ضمن فرقة مارسيل في جولته هذه، الذي أكد ذلك بقوله: "كموسيقيين شيء جيد أن نكون موجودين مع مارسيل وفرقته، خلال جولته الطويلة في أرجاء سورية، وكموسيقيين سوريين كنا سعيدين، وما ميز هذه اللقاءات انسجام الجمهور بكثافة مع مارسيل".
أما الفنان رامي خليفة فسألناه عن مدى ارتباطه بمارسيل ليجيب: "تابعني والدي، وعلمني أن يكون لدي إيمان بفني، وأن يكون لدي ثقة بالفن الملتزم"، فيما أشار في سياق حديثه إلى ما يتهدد الفن الملتزم، والأغنية العربية من أخطار تريد طمسها، منبهاً إلى ضرورة الوقوف في وجهها

مارسيل خليفة في دمشق باحثاً عن جواز سفر!!

بلدنا | هنادي الخطيب

لا يزال مارسيل خليفة يحاول أن "يعصف مافي قلبه"، لكن هل لاتزال صرخة الثائر تجول حول العالم؟!..
بين صرخته تلك وحزنه اليوم، يظل مارسيل" وفياً لتلك الروح التي أرهقتها الانهيارات الشاملة والهزائم الصغيرة".
ظل مارسيل وفياً لصديق عمر، وشريك نجاح، والأهم وفياً لرمزية محمود درويش، وكيف لا؟ أليست هي ذاتها رمزية فلسطين!.
لا يزال خليفة يحاول البوح العميق، حاملاً قصيدة درويش على كتفه وذكراه في قلبه، محاولاً أن يستعين بالكلمات التي تخونه قليلاً، فيترك المجال مفتوحاً لموسيقاه: "أريد أن أقص عليكم ما أعرفه.. أو ما أظن أني أعرفه.. لست خبيراً بأي شيء سوى أنني موسيقي غارق في الموسيقا منذ الطفولة".
وبين ريتا وعيون مارسيل، أقام محمود وحده في الضفة الأخرى من القلب، ومن مطار إلى مطار بقيت الظلال التي تمتص لونه في جواز السفر، وظل هو ينادي: "كان جرحي عندهم معرضاً لسائح يعشق جمع الصور"، وهاهو يفتش عن جواز سفره منادياً صديقه: "يا محمود.. منذ البداية وما قبل وعود من العاصفة وعيون ريتا وخبز أمي وصولاً إلى يطير الحمام الذي لم تسمعه، أبحث عن جواز سفر، حيث لا الصورة ولا الإيقاع ولا الجملة ولا القصيدة ولا المفاهيم ذاتها..".
ذات مرة أطلق مارسيل دعوة إلى كل أولئك الأصدقاء في العالم:"أصدقائي.. لنحرص أن نكون عُشّاقاً نَتمرَّغ في تُراب الجسد.. لنقاوم السهام التي تُحاول مَنعَنا من الذهاب مع تلك الطيور العاصية.. إلى ذلك النور البعيد".. وهو بين يا سعدى ويطير الحمام بقي يفتش عن الحب بين اعترافات العشاق وآهات الفراق.. ولاتزال حبيبته (التي لا نعرفها) تلهب رماده وصقيعه..
ولمارسيل شرقه.. ذلك الشرق الأروع من الخيال.. "شرق هو هذا الشرق وليس ذلك الشرق الذي يخططون له.. ليس الشرق السياسي أو الشرق الجديد.. هو شرقنا .. والشرق هو قلب الكرة الأرضية"، وفي هذا الشرق ولدت تلك الصداقة، وجال مارسيل في العالم مرسلاً تحيته وحبه إلى صديقه، جامعاً كل ذلك الحب في ظرف واحد.. وتاركاً للحمام مهمة إيصاله..

وحمص تحتشد من أجل مارسيل أيضاً


بلدنا | حمص| عبد الرحمن الدباغ

الفنان الكبير مارسيل خليفة يحلّق بأوتار عوده في حمص التي زادت تألقاً وطرباً بصوته منذ البداية أحسست بأن شعر محمود درويش قد أنزل عليّ ولي، فطعم خبز أمه كطعم خبز أمي. كذلك عينا "ريتّاه" ووجع يوسفه من طعنة إخوته، وجواز سفره الذي يحمل صورتي أنا، وزيتون كرمله، رمله، وعصافيره، رعاة بقره وهنوده، كلّها، كلّها سكناها في أعماقي. فلاعجب أن أكفت موسيقاي أبياته، يقيني أن شعره كتب لأغنيّه، لأعزفه، أصرخه، أصلّيه، أذرفه ... أحيكه على أوتار عودي ... كان في شعره من الأحلام ما يكفي لإنقاذ العالم، وكان جسراً للحب في هذا الكون الموحش ... أيها الشاعر الجميل طوبى لك ... إن الحياة جميلة بك ... بهذه الكلمات اختتم الفنان الكبير مرسيل خليفة تحيّته للشاعر الكبير محمود درويش في الصالة الرياضية في حمص، بعنوان "ونحن نحب الحياة"، وذلك ضمن احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية لعام 2008، وبحضور جماهيري غصّت به الصالة الرياضية.
وقدم الفنان مارسيل خلال حفلته، التي أنست الجمهور البرد في الخارج، وأعادته إلى الزمن الجميل، قدم العديد من الأغاني التي مازالت تتردد على ألسنة الأجيال، ومنها قصيدة "أحبك أكثر"، التي قدمتها الفنانة أميمة، و"أحنّ إلى خبز أمي"، وقصيدة "عصفورة طلّ من الشباك"، والتي أهداها إلى كل السجناء العرب في السجون الإسرائيلية. ومن القصائد التي قدمها الفنان خليفة قصيدة "تعاليم حورية"، والدة الشاعر الكبير محمود درويش، وقصيدة "طوق الحمامة الدمشقي"، التي زيّنها بالقدود الحلبية، واختتمت الأمسية بأغنية "يا بحرية" التي تفاعل معها الجمهور بشكل كبير، الذي استمر في الغناء مع الفنان مارسيل خليفة، الذي سعد بهذا التفاعل الكبير من جمهور حمص العاشق للفن الأصيل. وبعد الحفلة التقت "بلدنا" مع الفنان الكبير مارسيل خليفة، والذي أشار بأنه لو يملك الوقت لأحبّ الذهاب إلى كل مدينة وكل قرية في سورية لأنه أحب الناس، و"أنا واحد منهم". وأضاف الفنان خليفة قائلا: حفلة حمص شيء مذهل وجمهور حمص هو الذي صنع الحدث، ونحن كنّا نستمع إليهم، وزاد جمالية الجمهور وجود الشباب الأمل، حيث رغم كل السقوط المريع والفضائيات المبتذلة، يبقى الشباب الذي نتعلم منه دائما يتمسك بروح الشعر والموسيقا. وعن شعوره بأن الشاعر الكبير محمود درويش وقف مكانه قبل مايزيد على عامين في الصالة الرياضية في حمص، أجاب بأن الصمت هو الجواب لهذا السؤال، وختم الفنان مرسيل قائلا: المنطقة العربية منارة خاصة بالموسيقا, وللمصادفة أن القدود الحلبية توافقت مع قصيدة طوق الحمامة الدمشقي الذي زاد من جمالية القصيدة. الدكتورة حنان قصاب حسن، الأمين العام لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية لعام 2008 أشارت لـ"بلدنا" بأن تفاعل الجمهور كان استثنائياً بأمسية استثنائية ومميزة التي أظهرت أن الجماهير لاتزال تتمسك بالأغاني التراثية، وماحدث من إشكاليات في التنظيم هو دليل محبة وعشق للفنان مارسيل خليقة.

المشهد الذي كان في الصالة الرياضية والتفاعل بين الجمهور والفنان مارسيل مشهد متميز بكل المعايير ولن يشعر بتميزه إلا من كان حاضراً وحلّق مع أوتار عود مارسيل خليفة، والأهم من ذلك هو أهمية تكرار مثل هذه الحفلات المهمة.

بعيداً عن مارسيل.. بعيداً عن البياض


بلدنا | القامشلي| محمود عبدو

هو في دمشق, لا في حمص, أو في اللاذقية، لم تعد الصالة قادرة على كبح حضورهم والحب وكذا في.. وفي.. متنقلاً ومارسيل يجدد المكان كتجديده لستار قلوب متفرجيه ببياض قلب قلّ نظيره. أما نحن- أبناء الجزيرة- نبصر رنات الجرس المارسيلي بعيداً على تلك المسافات الألف كيلومتر التي تمنعنا عن بياضك وأجراس فجرك. في أثر الفراشة نتابع أخبارك, وننسل خلف الصحف وملصقات الجدران عنك, ندعك أيدينا كي لا تبرد دون تصفيق.
نروض مذ ولدنا المسافة بالأشواق, نروضها بفاجعة وسيناريو غير مكتمل دوماً, ننتظر النافذة والقادمين أمثالك "مارسيل" بقلوب عاشقة وحياة يتعمق فيها منفى القلب.
أعرف أنك تعرف الجزراويين عن ظهر قلب في لبنان, عمالاً, فنانين, محبين, سياسيين, وتذكر فنانيهم بآلة طمبورهم والبزق الحزين.
مؤسف أن يكون حزننا ناضجاً، مؤسف أن تكون عاشقاً لبياض مارسيل ولا تمتلك بساطاً سحرياً يقرب الشرق بالغرب.
يتذكرونك في وجوه فنانيهم المُذقنين, الجزيرة السورية المنطقة الغائبة عن أجراس البياض والظمأ التالي لسكوت الحرف, والبرد والشتاء ولا صوتك هنا, كيف سنتدفأ في فصل ناقص مطره كما ناقص صوتك عنه, كيف نحشو السنابل بشهوة البلوغ دون غنائك لها. لنا "أحن إلى قهوة أمي" نشربها هنا وحدنا, في صباحات كثيرة نصطاد النور كأننا نصطاد السمك. نتابع رنات جرسك هناك تفلسف منفى على مقاس قلوبنا الخابورية, رغم كونك تسكننا إلا أنك زرت الضوء والضجيج, زرت المدن الكبيرة, سكانها, ونسيت فلاحي القلوب وصناع النبل وأتقياء سنابل الخير الواقفة, أبناء الريف والقرى في القامشلي, لذا افترش الصدأ أيديهم.
ننتظرك لتقطع الفرات وتحكي للخابور وجغجغ وللقمح استقامة السنبلة, أجنحتنا التي طارت إليك سابقا, تقف لتلوح لك الآن أن أوصل مظروفك لسمعنا لا تتركه على بوابة العاصي، فالماء هنا ينام وكذا المطر
سنغمس أظفارنا كما النملة ونمضي لنثقب الأرض, ونثقب حتى يتدفق صوتك
أجراس مارسيل البعيدة عن آذاننا, لكم نحتاج إلى بياضٍ يتسرب فينا, ينظر إلينا هل سنستيقظ صباحاً لنجد لوحات الجدران تحمل قلبك الأبيض ودعوة لحضور حفل في الجزيرة لتبادلهم ظلال اللون ومفارش البهجة.