عودة أجيال النجوم.. كيف؟

عبدالحميد البلالي
albelali@bashaer.org


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
عبدالحميد البلالي تناولنا في المقال السابق بعض العبارات والأقوال التي تصنع النجوم، ونكمل في هذه الحلقة هذه العبارات، ومنها:
هذا الفتى أعلم من عليها:هذه العبارة هي التي صنعت من يعقوب بن إبراهيم بن حبيب (أبو يوسف) نجماَ ساطعاً في سماء الدولة العباسية، وقاضي القضاة في زمن أمير المؤمنين هارون الرشيد.. لقد لمح الإمام أبو حنيفة في هذا التلميذ الفقير نبوغاً وملكة في الحفظ والاستيعاب يتميز بها عن سائر تلامذته، فاهتم به اهتماماً خاصاً، صنع منه ذلك النجم الكبير.
كان أبوه فقيراً، له حانوت صغير يعيل أسرة فقيرة، ويريد من ابنه يعقوب مساعدته في العمل ليتمكن من إعالة الأسرة، ولكن ابنه يعقوب كان يحب العلم، ويحب تلقي ذلك العلم على يد شيخه أبي حنيفة، فكيف وفق بين طلب أبيه وطلب شيخه... يقول أبو يوسف عن ذلك: «كنت أطلب العلم وأنا مقلٌّ، فجاء أبي فقال: يا بني لا تمدن رجلك مع أبي حنيفة، فأنت محتاج، فآثرت طاعة أبي، فأعطاني أبو حنيفة مائة درهم، وقال: الزم الحلقة، فإذا نفدت هذه، فأعلمني، ثم بعد أيام أعطاني مائة»، ولما مرض أبو يوسف عاده أبو حنيفة، فلما خرج قال: «إن يمت هذا الفتى، فهو أعلم من عليها»، بمثل هذا الاهتمام، وبمثل هذه الرسائل الإيجابية استطاع أبو حنيفة صناعة أحد أعظم علماء الأمة في القرن الثاني للهجرة، حيث أخذ عنه العلم جهابذة العلماء في ذلك الزمان من أمثال يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأسد بن الفرات، وغيرهم.
خطك يشبه خط المحدِّثين:
عبارة صنعت نجماً من ألمع النجوم في التاريخ الإسلامي، ألا وهو الإمام محمد بن أحمد بن عفان، الذي عرف بعد ذلك بالإمام الذهبي، حيث نشأ على حب العلم والعلماء، وانضم إلى حلقات حفظ القرآن مبكراً حتى حفظه، بل تعلَّم القراءات وهو في الثامنة عشرة من عمره.. وذات يوم رأى أحد شيوخه، وهو الشيخ البرزاني كتابته فقال له: «إن خطك يشبه خط المحدثين»، فأثرّت هذه العبارة في ذلك العالم الفذ أيما تأثير، فتوجه الإمام الذهبي إلى علم الحديث حتى غدا إماماً كبيراً فيه، حيث يقول عن ذلك: «البرزاني هو الذي حبّبَ إليّ طلب الحديث».
تتلمذ على يديه أعداد غفيرة من العلماء يتجاوزون الألف، كما أنه أثرى المكتبة الإسلامية بكمٍّ كبير من المؤلفات بلغت مائتي كتاب، من أبرزها كتاب «سير أعلام النبلاء»، و«تذكرة الحفاظ»، و«تاريخ الإسلام»، وكثير من هذه الكتب عدة مجلدات..
عبارة واحدة غيّرت مجرى حياة طالب علم إلى أحد أكبر أعمدة العلم والعلماء في القرن السابع للهجرة. إن مثل هذه العبارات والرسائل الإيجابية لها تأثير أكبر على أصحاب الهمم العالية، وكأنها تُحفَر في عقولهم، فلا تغادر أذهانهم أبداً، ويديمون التفكير فيها، حتى تتحول إلى عزيمة وحلم يسعى إلى تحقيقه طول حياته، ويتحول سلوكه في الحياة بما يتلاءم مع ذلك الحلم الذي توقعه ذلك المربي.
أظنه سيسود قومه

إنها العبارة التي صنعت من الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان نجماً ساطعاً، وخليفة خامساً من خلفاء المسلمين، وداهية من دهاة العرب، ومقاتلاً شرساً في الحروب، وكاتباً للوحي، ومن يضرب به المثل في الحلم، فما قصة تلك العبارة التي أثرت في شخصية ذلك الغلام الصغير؟!
يقول أبان بن عثمان: «كان معاوية وهو غلام يمشي مع أمه هند، فعثر، فقالت: قم لا رفعك الله، وأعرابي ينظر، فقال: لم تقولين له ذلك؟ فو الله إني لأظنه سيسود قومه، قالت: لا رفعه إن لم يُسد إلا قومه».
إن عبارة مثل هذه وحواراً بناءً مثل هذا يسمعه ذلك الغلام الصغير، لاشك أنه يرتسم في وجدانه، ويداعب خياله، ثم يترسخ في سويداء قلبه، ثم يتحول إلى عزيمة تترجم بسلوك طول حياته حتى تتحقق تلك العبارة، وهذا ما حدث فعلاً، فصار ذلك الغلام أميراً للمؤمنين لا يسود قومه فحسب كما توقع ذلك الأعرابي، بل صار كما توقعت له أمه أميراً على المسلمين كافة، وعلى غيرهم ممن هم في رعاية الدولة الإسلامية.
قائمة من عبارات تصنع النجوم
1ــ إن لك مستقبلاً باهراً.
2ــ أتوقع أنك ستغدو عالماً.
3ــ إن همتك تشبه همم العلماء.
4ــ نبرة صوتك تشبه نبرة الخطيب الفلاني.
5ــ أنت مبدع.
6ــ ألمح فيك شخصية الصحابي فلان.
7ــ سيكون لك شأن عظيم.
8ــ إن استيعابك، وفهمك للمسائل يرشحك أن تكون من الأوائل.
9ــ صفاتك من صفات القادة الناجحين.
10ــ هكذا كانت بداية القائد الفلاني.
11ــ لقد تعرّضت لما تعرض له العالم الفلاني.
12ــ ستكون دكتوراً في الجامعة.
13ــ يا بني، كأنني أراك خطيباً مفوهاً فوق المنابر.
14ــ هذا الأسلوب الرائع يؤهلك أن تكون كاتباً.
الخاتمة

إن أمتنا بأمسِّ الحاجة لإعادة النظر في مناهج التربية لأبنائنا مع مراجعة أمينة للأساليب المتبعة في ذلك.
آن الأوان بعد هذه الإخفاقات، والتراجع الذي أصاب الأمة أن نعيد أجيال النجوم، وهذه الإعادة لن تتم بمجرد الأحلام والتمني، بل تحتاج إلى جهود، وإلى انقلاب كامل في طرق التربية التي نتبعها مع أبنائنا، والتوبة من الطرق التي تطمس النجومية، وجدير بنا أن نقف على دراسة قصص الناجحين والنجوم، والأسباب التي صنعت منهم نجوماً.. وما هذه المقالات إلا محاولة لوضع ملامح منهج لصناعة جيل النجوم، وأسأل الله أن تكون مساهمة فاعلة في عودته.>