حجج تَمَلُكْ .. أم أوراقٌ بالية؟

(1)

ما هي القيمة الحقيقية من أن أحدهم يبيعك كوكب (الزهرة) ويعطيك سند تملك يتم تسجيله بدائرة رسمية؟ وما هي القيمة الحقيقية من أن يكون لك (المحيط المتجمد الجنوبي) دون أن يدخل عليك دينارا واحدا بدلا من هذا التملك؟

في بلاد فارس (ما قبل الإسلام)، كان كسرى يوزع أراضي القرى والقصبات على أشخاص لهم نفوذ اجتماعي مقابل أن يعطوه (مالا) كل سنة بدل من هذه الحظوة ويمدونه بالرجال المقاتلين في حالة نشوء اضطراب أو هجوم خارجي، وقد كان هؤلاء الوجهاء يستوفون من الفلاحين أجورا بدلا من استثمارهم للأرض، وأحيانا تكون الأجور أعلى مما تعطيهم الأرض من ناتج، ولكن اضطرارهم وقسوة معاملتهم كانت تبقيهم في خدمة هؤلاء الذين فوضهم كسرى.

عاد هذا النظام للظهور بعد عهد الخلفاء الراشدين، وأخذت الحكومات تقتطع الضيع والإقطاعيات لأشخاص يعتمد عليهم النظام السياسي، وهذا كان يحدث في عصر الأمويين والعباسيين والعثمانيين.

(2)

في بداية تأسيس الشكل الإداري للولايات المتحدة الأمريكية، وبالذات في القرن التاسع عشر، كانت الإدارات تمنح من يمد خطا من السكك الحديدية أن يُفَوَض أو يمتلك على جانبيه ما عمقه ميلا طوليا من كل اتجاه، فإن أنجز عمل مائة متر كان له الأرض التي على يمينها وعلى شمالها بعمق ميل، وكان هذا النمط من الإدارة لتمويل خطوط سكك الحديد من الأهالي عملا ومواد.

(3)

كانت إدارة الإسكان في الاتحاد السوفييتي تمتلك كل أراضي الدولة، وتهب للعاملين فيها شقة من غرفتين إذا كان الفرد أعزب، وإن تزوج نقلوه لشقة من ثلاث غرف، وإن رزق وزوجته طفلا نقلوه لشقة بها أربعة غرف، أي أن عدد الغرف يساوي عدد الأشخاص الساكنين زائد واحد.

انتقد المعارضون هذا النمط من الحياة، وقالوا أن مفهوم البيت (الدار Home) هو مفهوم طبيعي تتقاتل من أجله العصافير والأفاعي، فكيف يحرم الإنسان منه؟ وأرجعوا سبب انهيار الاتحاد السوفييتي لتلك الناحية!

(4)

في بداية القرن العشرين، وقبل الحرب العالمية الأولى، كان الفلاحون في منطقتنا يستنكفون عن قبول تملك الأراضي، لأنهم سيدفعون عنها ضريبة (المال والأعشار) ولأنهم سيتهمون بأنهم أخفوا القمح عن السلطات العثمانية التي كانت تجمعه لتوريده لمقاتليها في أصقاع الأرض.

(5)

اليوم، يغترب أحدهم لمدة ثلاثين عاما، ويعود ببضع مئات من آلاف الدولارات ليشتري في النهاية قطعة أرض كان أجداده يستنكفون أن يمتلكوها مجانا.

واليوم أيضا، تتحول تلك الممتلكات بسندات تسجيلها كمواد (للرهن) في البنوك المانحة للقروض، ليس عندنا فحسب، بل في كل العالم تقريبا، ليتحول اقتصاد العالم المضطرب الى (حجج أو أوراق تملك). أليس بالأمر غرابة تبعث على التأمل بأن من خطط لوضع أسس لاقتصاديات العالم أن يعيد النظر بتلك الأسس؟