شخصٌ غامض


مهما كثرت الأيّام وطالت , لا يزال محافظاً على قلبه الخجول في صدره الواسع، ولسانه الصّامت وعينيه البرّاقتين ... كنت كلّما نظرت إليهما أحسّ بألم وشوق يغمرهما .. أحسّ بحنان يفيض من بريقهما .. أحسّ بغموض يلفّ كلّ معانيهما .
تراه واقفاً منتظراً الأمل .. زاهداً بالدّنيا .. مالّاً من تكرار المشاهد نفسها على مسرح الحياة , يمشي وكأنّه يجرّ أذيال الخيبة وراءه .. وكأنّه الخاسر في صراع رهيب .. صراع مع الزّمن ؛ تراه يرقب الجميع بدقّة بالغة وكأنّ أحدهم أوكل إليه هذه المهمّة .. ينظر إليهم وكأنّه يقول لهم : أبلغوا الغائبين سلامي...وأيّ غائبين ؟ أراهن بأنّه لا يعرف حتّى من هم !! .
يقف أمام دكّانه وكأنّه واقف أمام حافّة الهاوية .. لا يقترب أكثر من بضع خطوات وبعدها يرجع ... لا لأن آلامه اختفت .. بل للأمل المنتظر الّذي قد يأس منه قلبه وعقله وأحاسيسه .. ولم تبق إلّا عينيه على هذا الأمل .. ممّا جعلهما بحراً يبحر به أجمل قوارب الشّعر وتجتازه أضخم سفن المعاني ؛ أمّا أنا فكنت آتي إليه لأتحسّس مرارة الصّبر الّذي يعيشه الكثيرون والتّعب الواضح على جبينه .. كنت أرى عقارب السّاعة على وجهه تعدّ ليالي الوحدة الّتي يعيشها ويتحمّل مرارة مذاقها وكأنّها علقم مرّ جُبِر على تناوله صبحاً ومساء .. ليلاً ونهار .
قد قرأت كفّيه .. قرأت تعابير وجهه .. قرأت عينيه فهذا ما أحسسته .. أتراني محقّة أم أنّني لا زلت ساذجة على قراءة تعابير وجه فتى غامض مثله يخفي وراء ظهره الكثير من القصص والحكايا والمغامرات الّتي تعجز فتاة مثلي على رؤيتها والشّعور بها ؛ لا أدري ماذا أقول .. ولكن مهما كان شخصه فقد فجّر في قلبي ينابيع كلمات وجداول معاني لم أعرف بوجودها قبلاً في ذاتي.
نورا كريدي