لقد لاحظت من خلال ممارستي الطويلة أنَّ عدد إجراء العمليات القيصرية يزداد في بلادنا بشكل كبير كالموضة تماماً ...بعضها بتشخيص صحيح .. ولكن بعضها الآخر وما أكثره لا سند له علمياً، فقط هي موضة القيصريات ... شيء بطعمة وشيء بلا طعمة !!! فلماذا زملاءنا الأعزاء .. ؟
هل هي الأجور.... فلترفعوا أجوركم ... هل هو الطريق الأسهل لكم في زيادة شهرتكم ببراعة إجراء القيصريات.. فلتشهروا أنفسكم بوسائل الإعلام ، وما أكثرها في الوقت الحاضر.. ولكن لا تحددوا على امرأة نسلها ، وكلنا يعلم أن الولادات القيصرية لا تدع فرصة للمرأة أن تحمل مرات عديدة ...
لا تظنوا أنَّ هذه المرأة قد تبقى تحت ظل رجل واحد .. فظروف الحياة قد تجبرها على الطلاق والانضواء تحت سقف رجل آخر يطلب الأولاد .. في حين تكون قد استنفدت فرصتها عند الرجل السابق إذا كانت ولاداتها بالقيصرية ... فمن حق المرأة أن تبقى رحمها خصيبة منتجة للأولاد..
وحتى لو بقيت المرأة عند رجل واحد فإنَّ اٌلاقلال من فرص الحمل وأد خفي .. ونحن معاشر الأطباء هدفنا تكثير النسل والإخصاب وإحياء من كان يتهدده الموت .. وهذا هو أصل قسم أبيقراط قبل الإسلام كمبدأ إنساني ، فكيف ينحدر هذا القسم ويتردى بعد الإسلام .. وعند المسلمين الذين علمهم القرآن حق الحياة لكل نفس وشجع على إحيائها بقوله تعالى : من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً .
إنَّ كل جنين يموت بإسقاط مقصود يكون حكمه كمن قتل الناس جميعاً مثل قتل قابيل أخاه هابيل فلو لم يحدث هذا القتل لكان مثل سكان الأرض الآن معهم . ... ومن يضعف خصوبة امرأة كمن يقتل أمَّةً بتحديد نسلها..
القيصرية في أصلها إنقاذ لحياة الأم أو الجنين أو كليهما .. ولكن على ألا تكون موضة .. كلما شكت امرأة من عسرة ولادة أو كانت ولادتها عسيرة نسبياً تتطلب قليلاً من جهد الموِّلد لإصلاح الخلل .. أصبحنا نقنع الحامل بأن القيصرية اضمن وأسهل لها ..
هذا ما بدأت أشاهده في عيادتي الداخلية على مريضاتي وقريباتي ... وقد أنقذت الكثيرات منهن ممن يسر الله لها استشارتي فكان بعضها صحيح وبعضها غير معقول .. مجرد إجراء القيصرية والسبب فقط أن الأم لا تريد الإحساس بالألم أو أنه الولد الأول ولا تريد خسارته أو أن مجيئه مقعدي وسيطول مخاضها ... وهذا كله من الأسباب الواهية.. وبعد إقناعهن بأن آلام الولادة تُنسى وهي تزيد من رابطة الأم بابنها ..لأنها طبيعية غريزية ..
عملت فترة في مستشفى نسائي قبل التخصص بالداخلية والقلبية ، وكنت أولد امرأة .. وكانت من شدة ألمها تسبب زوجها بغير وعي مع كل طَلْقة.. على أنه الذي كان سبباً في آلامها .. ولكن ما إن ولدت الطفل واستراحت ..ثوانٍ حتى نظرت إليه برفق وحنان وقالت لي أرجوك استره بحرام كيلا يبرد وأعطنيه أضمه إلى صدري ونسيت كل شيء واعتذرت عمَّا بدر منها ..
هذه رابطة قل أن تنتجها القيصريات .. لا تقطعوا وتمزقوا العواطف وتجعلوها هباء ..ما يميزنا كعرب بين الشعوب عواطفنا الجياشة .. أرحوكم.. أرجوكم .. ألاَّ توهنونها لتذروها الرياح ...
انتبهوا إلى أن القيصريات إن كثرت بلا تشخيص صحيح فهي من أخطر ما يمكن أن تواجهه الأمة من تدمير وقتل لأبنائها ..
وأرجو من الزملاء ألا يساء فهم ندائي .. فحرصي كبير على خصوبة نسائنا .. ولعل في كل نسمة تلد منهن لنا فيها أجر إحياء النفس وليس جرم قتلها .
بارك الله فيكم زملاءنا الأعزاء
ضياء الدين