كانت أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- تقول: "النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يسترق كريمته" (أي ابنته)، ولما سُئل الحسن: "من أزوّج ابنتي؟ قال: زوّجها التقي فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يهنها". وروى الترمذي بإسناد حسن عن أبي حاتم المزني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".. قالوا يا رسول الله: وان كان فيه؛ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه-ثلاث مرات-ومن زوّج ابنته من فاسق فكأنما قطع رحمها".
معنى الكفاءة:
ومن الحديث السابق يتضح لنا مفهوم الكفاءة، فالكفاءة معتبرة بالاستقامة والخلق والحرص على طاعة الله، ولابد من تحريها في المتقدم للزواج من الفتاة؛ لأنها أمانة يحرم أضاعتها أو التفريط فيها، وإن كان جمهور الفقهاء لا يقصرون الكفاءة على ذلك، بل يرون أن ثمة أموراً أخرى لابد من اعتبارها كالنسب والحرية والحرفة والمال والسلامة من العيوب، إلاّ أنه ليس معنى ذلك إهدار أمر الاستقامة بل هو أولى ما يُنظر إليه بعين الاعتبار في المتقدم للزواج.
النظرة التي تراها بعض الفتيات أو بعض الأهالي للزوج:
من الملاحظ أن بعضاً من المسلمين بينما يدقق النظر في الراتب والمسكن المناسب وهيئة وشكل المتقدم، إلاّ أنهم لا يكادون يلتفتون لصلاته، ولا لخلقه، وربما يتعدى ذلك إلى الطامة الكبرى فيكون منحرفاً في عقيدته وفكره... بل بعض الأولياء إذا ما سُئل: هل من قبلته زوجاً لابنتك يصلي أم لا؟ يجيب ويقول: خجلت من سؤاله عن ذلك، بينما هو لم يخجل من سؤاله عن دخله الشهري.. وغير ذلك من المعاني المادية؛ ،وقد كان عمر -رضي الله عنه- يبعث لولاته ويقول لهم: "ألا إن أهم أموركم عندي الصلاة، ألا إن من ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع".
وهل مثل هذا يُؤتمن على غيره؟! وهذا الذي يمتلك السيارات والملايين ولا يحافظ على الصلاة.. هل تأمن عليه أن يبدّد ما هو أمانة لديه من زوجة وأبناء؟!!! وهل نأمن على الفتاة من أن تتحول عقيدتها بسبب تسلطه على عقلها، و لا يُستبعد أن يأمرها الرجل بأن تخلع الحجاب وغير ذلك من الأمور المنهيّ عنها...بسبب قهره لها؟!
رفع الأمانة من القلوب:
بيّن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- كيف تضيّع الأمانة، وما أكثر مظاهر تضييع الأمانة، وما أكثر الموازين الفاسدة في حياة الناس. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أُسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
ماذا تصنع الفتاة إذا أراد الوليّ تضييعها بتزويجها من لا دين له؟!
هذا وهو وليّها شاءت أم أبت ولا نكاح إلا بولي؟
إذا أعضلها الأقرب عن زواج الكفء الصالح، زوّجها الوليّ الأبعد، والحاكم وليّ من ولا وليّ له، وإن خربت الموازيين عند الوليّ فليس لها أن تفرّط في حق نفسها، وعليها أن ترفض الزواج بتارك الصلاة، ومن لا يقيم لشرع الله وزناً حتى وإن كان عنده الملايين، والسلامة لا يعدلها شيء، ودين الإنسان هو أغلى ما يملك، والدنيا بأسرها لا تصلح عوضاً عن معنًى من معاني الآخرة

م ن ق و ل