فقراء


أغلقت أمي المصحف الشريف الذي كانت تقرأ فيه
ووضعته على الطاولة التي أمامها
ونظرت إليَّ قائلةً : ألا يمكنني أن أقرأ صفحتين معاً في هذا البيت ؟
هل يجب عليَّ أن أذهب لغرفتي دائماً عند قراءة القرآن؟
- نعم ماذا تريدين؟
- ألقيتُ السلام فقط.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ماذا هناك ؟
- أمي .. أريد أن أتحدث معكِ قبل أن تنشغلي بالطبخ وأعمال المنزل.
- تفضلي اجلسي.
- هناك بنت فقيرة في مدرستنا ، والمعلمة طلبت من كل طالبة مبلغ عشرين ريالاً أو أكثر لمساعدتها.
- ألم تقولي لمعلمتك أننا لا نملك المال الكافي للتبرع؟ ولماذا لم تسجلي اسمك مع الفقراء في المدرسة ؟ علهم يساعدونك بشيء.
- سأفعل ذلك ، فالبنات اللاتي تساعدهن المدرسة يشترون لهم الزيّ المدرسي الصيفي والشتوي وجاكيت يقيهم برد الشتاء كما يحصلن على حقيبة جديدة سنويَّاً ودفاتر وأقلام من أفضل الأنواع.
أما نحن فتشترين لي زيَّاً مدرسيَّاً واحداً ، إن لم تعطيني ما كانت تلبسه أختي العام الماضي ، وأضطر لحمل حقيبتي لعامين متتاليين والأدوات المدرسيَّة من أردأ الأنواع.
- أمي لماذا نحن فقراء ؟
- وضعت أمي يدها حول ظهري وأسندت رأسي إلى صدرها كأنما تحتويني بشيء من الحنان إن عزَّ المال.
- ابنتي .. هل نحن أشد فقراً أم النبيُّ عليه الصلاة والسلام ؟
- ألم يكن يربط حجراً على بطنه من الجوع هو وأصحابه ؟
- ألم يأكلوا أوراق الشجر ؟ أليس كان يصبح عليه السلام فلا يجد طعاماً فيصوم ذلك اليوم؟ ألم تروي أم المؤمنين عائشة أنه كانت تمر أيام لا يوقد في بيت رسول الله نار ؟ إنما كان طعامهم " التمر والماء " نحن في نعمةٍ كبيرة يا ابنتي .... ثم إن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بسبعين خريفاً.
- حقاً يا أمي ؟
- نعم يا ابنتي ، ولكن أتدرين من الفقير ؟ الفقير هو من لا يملك قوت يومه , ونحن ولله الحمد نملك قوت يومنا...هل بت ليلة بدون عشاء ؟
- الحمد لله ، ذلك لم يحصل.
-كما أن الفقر راحةً من الحساب ، فالإنسان يُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وهل أدى زكاته؟
قولي الحمد لله يا ابنتي.
-الحمد لله.
-عموماً والدك أخذ آخر قطعة ذهبٍ لديَّ ليبيعها وعسى أن يأتي الله بالفرج من عنده ، وعندما يعود سأعطيكِ عشرين ريالاً تساعدين بها زميلتك.
على شاشة التلفزيون برنامج مفتوح لإغاثةِ شعبٍ ابتلي بكارثة الزلزال الذي دمَّرَ مدناً وقتل الآلاف وخلَّفَ آلاف الجرحى والمشردين والأيتام. الجميع يتسابقون للتبرع بمالٍ أو حليّ أو مجوهرات أو ملابس وأغطية.
أيدي الخير والعطاء تمتد من كل اتجاه.
تتنهد الأم : ليتنا نملك ما نتبرع به.
بعد قليل يظهر زوجها على شاشة التلفزيون يتبرع بأسورة ذهبية أخذها منها هذا الصباح.