نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


نجاح محمد علي
في: 5/30/2005



--------------------------------------------------------------------------------

التاريخ: 8/14/2006 5:36:24 AM


--------------------------------------------------------------------------------

الطائفية والإعلام وأشياء أخرى



قيام التلفزيون العراقي بعرض اعترافات متهمين بارتكاب جرائم إرهابية خطيرة ، ربما يساعد في تخفيف حدة الانتقادات الموجهة للحكومة، ويظهر الأخيرة بالقادرة على ضبط الوضع الأمني وأنها تستعيد هيبتها تدريجيا، لكنه بالتأكيد سيزيد من الاحتقان الطائفي في مجتمع بات منقسما على نفسه وفق نظام المحاصصة، خصوصا الطائفية.

فالمعروف أن مثل هذه الاعترافات تفقد سياقها القانوني، إلا بعد الانتهاء من المحاكمة وإصدار الأحكام كل حسب ذنبه،خاصة عندما يظهر المتهم وعلى وجهه آثار الضرب، وهو يدلي باعترافات خطيرة معظمها يتهم جهات سنية بالضلوع في عمليات تفجير استهدفت أماكن مكتظة بالسكان في بغداد، كما جرى في تفجير مطعم" حبايبنا"، وتفجيرات مفخخة أخرى، اعترف المتهمون، أنهم ينتمون إلى جهات سنية محددة.

إن من حق الرأي العام أن يطلع على الحقائق، في عهد بشر بالشفافية، إلا أن الطريقة التي تعرض بها هذه "الحقائق" تثير العديد من التساؤلات عن أهدافها، أو على الأقل، حول توقيتها الزمني في ضوء استمرار تبادل الاتهامات بالتصفيات الطائفية بين "بدر" وهيئة علماء الدين المسلمين.

فالحرب الكلامية التي يريدها البعض أن تُشعل فتنة طائفية في العراق،لم تتوقف بعد، إذ تنتشر هذه الأيام لدى الكثير من العراقيين لغة خطيرة تدعو إلى الانتقام بينما الذبح على الهوية ، يستهدف الجانبين.

وبغض النظر عن صحة اعترافات المتهمين، فان الإصرار على بثها في التلفزة العراقية، يجعل العراق يقف بالفعل على شفا حرب طائفية من العيار الثقيل، ستعم نيرانها كل المنطقة وأقاليم أخرى، ومنها بالطبع باكستان التي تعرض مزارديني فيها إلى تفجير أودى بحياة نحو 20 كلهم من طائفة واحدة.

لقد قتل الإرهاب الأعمى الذي لا يفرق بين عراقي وآخر، منذ سقوط نظام صدام في آذار عام 2003 ، المرجع الديني السيد محمد باقر ورئيس مجلس الحكم عز الدين سليم ونائبه طالب الحجامي العامري، وجمعا غفيرا من العلماء من وكلاء السيد السيستاني أو وكلاء السيد الصدر الثاني , بالإضافة إلى عدد كبير من أساتذة الجامعات والمثقفين والشخصيات وعشرات الكوادر من منظمة بدر تجاوز عددهم الـ1000 , وأعدادا ضخمة جداً من الشيعة في كربلاء والكاظمية وفي الحلة والموصل وتلعفر والصويرة والمدائن وبغداد .

كذلك أودى هذا الإرهاب أيضا بعلماء دين وشخصيات من السنة، لكنّ أخطر فصوله تُكتب هذه الأيام بتشجيع ربما غير متعمد من التلفزة، و بعد إعلان صريح أطلقه الشيخ حارث الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين، اتهم فيه منظمة بدر بالوقف وراء قتل أئمة مساجد وحراسهم من السنة،الأمر الذي نفته المنظمة واتهمت بالمقابل الضاري بإثارة فتنة طائفية.

فقد دعا متطرفون إلى قتل الضاري ، لوأد الفتنة في مهدها كما يقولون. واستخدمت مواقع إعلامية بشكل تعسفي،كل ما تملك من أجل التحشيد الطائفي، في وقت تستمر فيه جماعات دينية متشددة يُزعم أن الأردني أبومصعب الزرقاوي يقودها،في قتل الشيعة وتعتبرهم روافض وتحث على تصفيتهم، وتقول إن خطرهم على الإسلام أشد من تواجد "المحتل الصليبي الكافر".

كما تصدر هذه الأيام بيانات من جهات غير معروفة لا يملك المراقب المنصف إلا أن يشكك في نواياها :بعضها ضد السنة وقد كتب بطريقة تحث على طردهم وتهدد بتصفيتهم جسديا إذا لم يغادروا مناطقهم في البصرة وسامراء وأماكن أخرى،وأخرى تتهم أهل السنة في البصرة بعقد الاجتماعات في المساجد لوضع خطط مواجهة الشيعة، وبأنهم أنصار صدام الذين كانوا مرتاحين لإعدامه عناصر الطائفة الشيعية، ولا ننسى أيضا بيان الزرقاوي الذي هدد بمسح " بدر" من الأرض!!.

هذه البيانات وأخرى موقعة باسم منظمة بدر وحزب الدعوة الإسلامية، ترمي بشكل واضح إلى جر البلاد إلى حرب طائفية ستلقي بحممها على كل المنطقة ولن توفر أفغانستان وباكستان،ودولا تعتبر مستقرة، وقد زعت في مدينة سامراء ومناطق أخرى تدعو السّنة إلى ترك مناطقهم أو يتم إخراجهم منها بالقوة ،وقتل عدد من الشيعة في المدينة بما أدى إلى هجرة شيعية جماعية منها،وقد تأكد أن هذه البيانات لم تكن صحيحة ولا تمت إلى منظمة بدر وحزب الدعوة بصلة وإنما هي بيانات ووثائق مدسوسة ومفبركة، ولا يستبعد أن رجال النظام السابق وعناصر الزرقاوي ضالعون ببثها من اجل إثارة النعرات الطافية والحقد بين أفراد الشعب العراقي سنة وشيعة عربا وأكرادا.

نعم يجب أن ينظر إلى هذه البيانات من واقع أنها مزيفة ، خصوصا وإن بيانات مضادة وزعت وهي تتهم عناصر بدر الذين تدربوا في إيران، بأنهم يحملون ولاء للسيد على خامنئي، وللحكومة الإيرانية ولأجهزة الأمن الإيرانية وليس للدولة العراقية.

الجميع في العراق يتبادل الاتهامات بأن تحرك الجهة المقابلة يؤدي إذا ما استمر إلى حرب أهلية يريدها البعض إن في داخل العراق وإن في الخارج، أما المبادرة إلى حلول عملية فقد انحسرت وظهرت منفردة فقط في تدخل التيار الصدري بعد أن تصاعدت لغة التحريض،لكن رغم ذلك فان من شأن هذا التدخل أن ينزع مؤقتا الفتيل دون أن يلغي نهائيا، احتمال اندلاع الأزمة ثانية بما يوجب على عقلاء القوم أن يبادروا إلى إطلاق لغة الحوار والمكاشفة الصريحة ويعمدوا أولا إلى وقف مسلسل الاعترافات من التلفزيون، وأن يتم بدلا من ذلك استخدام هذه الاعترافات في الحوارات السرية، بدلا من التحريض على القتل وسفك الدماء، من واقع أن أخطر ما يمكن أن يقوم به كل من يعمل على التحشيد الطائفي ، هو تكريس الإقصاء أو التهميش للقوى الأخرى،بما يصبح منهجا لتفريخ دكتاتوريين جدد يتعاملون مع العراقيين على قاعدة (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ).

لقد حصلت هُوة في المجتمع العراق بسبب ممارسات نظام صدام ضد الشيعة، وهو بالطبع لم يكن يمثل السُنّة ، ويجب أن يساهم الجميع في تجسير هذه الهُوّة عبر الحوار المتواصل لأنه هو جوهر رسالة القرآن الكريم . وعلى هذا فإن الحوار في العراق سيكون نقطة البداية نحو تفاهم أكثر بين السنة والشيعة في مجتمعات أخرى كالسعودية والبحرين وباكستان وأفغانستان، ودول أخرى.
وإذا نجح الحوار في العراق فان أوضاع الشيعة في بلدان أخرى ستتحسن بالتأكيد والعكس صحيح وهو يخشاه عقلاء القوم .أما التعصب فهو قراءة خاطئة للدين السمح،تدل على قلة وعي ، وتفضي بالنهاية الى الوقوع في الجريمة وقتل الناس وسفك الدماء.

وهو أيضا مرض يضرب العقل فيجعله جامدا لا يفكر بين العقائد والمعتقدين.

وبما أن الشيعة لا يكفرون أحدا , حتى المنتمين إلى الفكر الوهابي الذين هم اشد عداوة لهم ، فان على العقلاء تفعيل التحرك لتفادي تدهور كبير في العلاقة الطائفية داخل العراق وخارجه .




نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي