وسيلة لإمتاع الأطفال وتمضية الوقت المليء بالخيال
حكايات وروايات
تيسير الزايد
كاتبة كويتية

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
لوحة فنية
"كان ياما كان في قديم الزمان"..... ويفتح الباب لنطير على بساط سحري نسجه الخيال لندخل عالم الساحرات اللاتي يستطعن بخلطة سحرية فعل الكثير، عالم مليء بالأشرار الذين يتصارعون مع الطيبين على مدى سنوات مليئة بالأحداث والأسفار لينتصر الحق في نهاية الأمر، مارد يعذب الأطفال وغول يقطعهم ويأكلهم وعجوز بعصاها تبعد الأمير الوسيم عن زوجة المستقبل لسنوات ليعودا يلتقيان، وتقام الأفراح لأيام في القصر الواسع الفخم... قصص وحكايات رويت على مر السنين توارثها جيل بعد جيل، واحتفظت بها ذاكرة الأيام؛ لتسهم في نقل التراث القديم والخبرات الإنسانية وتجارب الحياة.. كانت ومازالت وسيلة للإمتاع وتمضية الوقت المليء بالخيال.
"كان ياما كان" ليست جملة افتتاحية فقط بل وسيلة النقل التي تأخذنا إلى أزمنة وأماكن في الماضي والمستقبل لنستشعر حقيقة الحدث ونتعايش معه.
القصة وسيلة تعليمية ممتازة للأبناء، وإن عارض البعض قصص الساحرات والجنيات كوسيلة تعليمية، إلا أن الكثير من المختصين يرون أنها تعطي ضوءاً من السعادة والثقة للمستمع، وهؤلاء الذين يملكون أحلاماً كبيرة ليس باستطاعتهم الحصول عليها، فالتحليق مع القصة يعطيهم الاكتفاء النفسي لاحتياجاتهم الروحية.
القصة أو الحكاية عبارة عن دورة تدريبية للأطفال قبل أن يندمجوا في المجتمع، فهي تعلمهم الشجاعة وعدم الخوف، وتضع لهم أمثلة ليس فقط من الأبطال بل البطلات أيضاً، فالمرأة في القصص القديمة كان لها دور فعال سواء في الخير أو الشر، هذان المتضادان اللذان كانا يكافآن دائماً في نهاية القصة بالثواب والعقاب.
دور الشر الذي كان يمثله دائماً الشيطان أو أعوانه يعلّم الطفل أن عليه أن يقاوم، فالأمور السيئة يمكن أن تحدث ولكنها لا تظل باقية، فالمستقبل يحمل الكثير من النهايات السعيدة للشجعان أصحاب القيم والمُثُل.


قصصنا الخاصة



سمعنا الكثير منها ونحن صغار، ومازالت متعة وتعليماً لنا ونحن كبار، أليس قرآننا مليء "بأنباء الغيب" التي تنقل لنا أحداثاً مرت منذ زمن بعيد، فنأخذ منها العبرة ونقتدي بها في مقام التوحيد والعبودية والصبر والثبات على الحق والإخلاص لله واحتساب الأجر والثواب منه؟ أليس القصص هي التي تعلمنا أن البلاء لابد أن يحدث للمؤمنين، وأن الفرج يأتي بعد الشدة، وتيسير الأمور بعد تعسرها؟ بل هناك الكثير من فوائد القصص القرآني التي تحدث عنها المختصون في هذا المجال، الكتب التي تلقى استحساناً هي الكتب التي تضرب الكثير من الأمثلة وتروي لنا قصصاً نستفيد منها؛ إذن فالقصة متعة وفائدة لكل الأعمار، ولكل منا قصصه الخاص الذي يختزنه في أعماق نفسه؛ لأنه تأثر بها في مرحلة ما من مراحل حياته، واستفاد من العبرة التي تحتويها، فأصبحت قلماً من الأقلام التي يستخدمها ليرسم بها خطوط يومه ومستقبله.
في السطور القليلة القادمة جمعت قصصاً لعلها تترك أثراً حسناً في أبنائنا.


إن لقضاء ربك حكمة


"عاش ملك مع وزيره قديماً في مدينة بوسط غابة كبيرة... وكانت المشكلات تكثر في هذه المدينة، فأحياناً ينكسر السد وأحياناً أخري تحترق المحاصيل، وأحياناًَ يثور الشعب، وكان كلما حمل الوزير هذه الأخبار إلى الملك كان يتقبلها بروح عالية، ويرد عليه بجملة واحدة: "إن لقضاء ربك حكمة".
وذات يوم خرج الملك مع وزيره لرحلة صيد، وفي أثناء الرحلة أخطأ الوزير فسدد السهم على عين الملك ففقأها، وعندما ثار الملك وأخذ يصرخ قال له الوزير بهدوء: إن لقضاء ربك حكمة، ازدادت ثورة الملك وأمر بسجن الوزير، وأثناء عودة الملك من الرحلة خرج عليه من الغابة مجموعة من أكلة لحوم البشر فقيدوه واقتادوه إلى ملكهم ليأكله، فالملك لا يليق أن يأكله إلا ملك، وعندما رفعوا عصابة عينيه ورأى الملك عينه المفقوءة تشاءم، وأ مر حراسه أن يأخذوا الملك ويقذفوا به خارج مملكته، وبالفعل كان له ذلك.
عاد الملك إلي مملكته وأمر بإخراج وزيره من السجن بل قربه منه واعتذر له، فلقد علم حكمة فقد عينه على يد الوزير وصدق المقولة التي كان يقولها دائماً دون أن يعيشها.
قصة سمعناها منه دائماً بصوته الحنون وبروحه الأبوية، يعلمنا كيف أن في كل أمور الدنيا حكمة، فحكمة الصحة أن نعمل كما كان يعمل بلا ملل، وفي المرض حكمة قالها لنا بعد أن منّ الله عليه بالشفاء، فلقد وصانا أن نمنح أجسادنا حقها من الراحة، وفي الغنى حكمة، وفي الفقر حكمة، في السعادة حكمة ومع الحزن نستشعر الحكمة، في الانشغال حكمة، وفي الفراغ حكمة، وفي الحياة حكمة، كما أن للموت حكمة... رحمك الله شيخنا الفاضل د. سيد نوح.


شحذ المنشار


حاول رجل قطع شجرة فأخذ ينشر جذعها الضخم بمنشاره الثقيل، محركاً إياه على عرض الشجرة، وظل ذلك طيلة اليوم، وبالكاد توقف لدقيقة، وأخذ يعمل إلى أن وصل إلى منتصف الطريق، وعندها شعر بتعب شديد لا يمكنه معه أن يستمر أكثر من خمس دقائق، نظر حوله فإذا به يرى رجلاً على عدة أمتار منه ينشر هو الآخر شجرة فلم يصدق عينيه، فهذا الرجل تقريباً قد أنهى تماماً نشر جذع الشجرة، وتقريباً كان قد بدأ معه، ولشجرته الحجم نفسه، وكان أيضاً يتوقف كل ساعة ليأخذ قسطاً من الراحة، بينما واصل العمل باستمرار، اقترب من الشخص وتساءل: كيف حدث ذلك؟
استدار الرجل وابتسم قائلاً: نعم، رأيتني أتوقف كل ساعة، لأستريح، ولكن ما لم تره هو إنني في كل مرة أستريح فيها أقوم بسن المنشار.
سنّ المنشار هنا هو الاهتمام بالشيء قبل أن يتدهور، فمثلاً جسدك إذا لم تهتم به تدهور، أهمل سيارتك وسوف تتدهور، شاهد التلفاز كل ساعة متاحة أمامك وسوف يتدهور عقلك، كل شيء لا توليه اهتمامك أو تجدده سوف يتدهور ويصبح خارج النظام، وهذا يضم علاقاتك الاجتماعية وزواجك وعلاقتك مع أبنائك.


الملك والحليب



طلب الوالي من أهل القرية طلباً غريباً.. في محاولة منه لمواجهة خطر القحط والجوع الذي تمر به القرية.. وأخبرهم بأنه سيضع قدراً كبيراً في وسط القرية، وعلى كل رجل وامرأة أن يضع في القدر كوباً من الحليب بشرط أن يضع كل واحد الكوب وحده من غير أن يشاهده أحد.
هرع الناس لتلبية طلب الوالي كل منهم تخفى بالليل، وسكب ما في الكوب الذي يخصه
وفي الصباح فتح الوالي.
وماذا شاهد؟
القدر امتلأ بالماء ولا يوجد حليب؟
أين الحليب؟ لماذا وضع كل واحد من الرعية الماء بدلاً من الحليب؟
السبب هو إن كل واحد من الرعية.. قال في نفسه : "إذا وضعت كوباً واحداً من الماء فإنه لن يؤثر على كمية الحليب الكبيرة التي سيضعها أهل القرية في القدر"!!
وهذا يعني إن كل واحد اعتمد على غيره في رعاية مصالح البلد.
وكل واحد منهم فكر بالطريقة نفسها التي فكر فيها غيره..
وكل واحد منهم ظن أنه هو الوحيد الذي سكب ماءً بدلاً من الحليب.
والنتيجة التي حدثت أن الجوع عمّ هذه القرية، ومات الكثير منهم، ولم يجدوا ما يعينهم وقت الأزمات.


كلنا على حق


ما رأيكم بهذه القصة:
مرةً.. تشَاجرَ أخَوَان على مشكلة..
فذهب أولُهما إلى جحا في بيتهِ.. وكان جالساً مع زوجته.. قصَّ الأخُ على جحا مَا كان بينه وبين أخيه.. فقال له جحا:
أنت على حقٍ.. وأخوك مُخطئ..
وانصرف الأخ سعيداً.. وسعدت زوجةُ جحا بحكم زوجِها.. ثم طرق البابَ الأخُ الآخر وحكى ما كان بينَه وبين أخيه.. فقال جحا: أنتَ على حقٍ.. وأخُوك مُخطئ..
وانصرفَ الأخ الآخر سعيداً.. لكن زوجةَ جحا صرختْ في وجهِه غاضبة:
كيف تقولُ لكلٍ منهما: أنتَ على حقٍ وأخُوك مُخطئ..
هذا كلامٌ غير معقول..
فقال جحا في هدوء: لا تغضبي يا زوجتي أنتِ على حقٍ.. وأنا مُخطئ!.. لقد أخطأ من استشار جحا.


لمن تشتكي؟

مفهومان أساسيان كانت الوالدة الحبيبة تركِّز عليهما طوال فترة تربيتها لنا: إتقان العمل، وعدم الشكوى، وكانت تقص لنا قصة الوالي الذي عين نائباً له في إحدى قرى الشام، وكان نائب الوالي يخرج إلى الناس يوماً، ويختفي يوماً آخر، فاشتكى الناس إلى الوالي.
استدعى الوالي نائبه وسأله عن سبب ظهوره يوماً واختفائه يوماً، فأخبره أنه وزوجه يملكان ثوباً واحداً يخرجان به، فيوم يلبسه هو، ويوم ترتديه زوجته.. ثم عاد الرجل إلى بيته، وعندما أخبر زوجته عما قاله للوالي غضبت وقالت له: "أتشتكي الخالق للمخلوق؟"، رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى" والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين (15)(الأحقاف).