الصهيونية والحضارة الغربية

--------------------------------------------------------------------------------


عرض: علي ضاهر إبراهيم

الكتاب: الصهيونية والحضارة الغربية

المؤلف: د. عبدالوهاب المسيري

الناشر: دار الهلال - مصر

عدد الصفحات: (418) صفحة قطع وسط

يحاول الكتاب عبر الدراسة التي يقدمها وغيرها من الدراسات أن يؤكد الجذور الغربية للحركة الصهيونية التي أضيف لها فيما بعد البعد اليهودي وهو بعد زخرفي تبريري أضيف من اجل مقدرته التعبوية، كما يوضح الكتاب العناصر الغربية الأساسية (المادية والمعنوية) التي دخلت في تكوين الرؤية الصهيونية للواقع.

فعبر فصول الكتاب العشرة نلمس الجهد البحثي للمؤلف والإصرار على تأكيد رؤيته حول الحركة الصهيونية التي هي إفراز عضوي للحضارة الغربية ولما يسميه المؤلف "الحداثة الداروينية" أي الحداثة التي ترمى إلى تحويل العالم إلى مادة استعمالية توظف لصالح الأقوى (في مقابل الحداثة الإنسانية التي ترمي إلى تحقيق التوازن بين الذات والطبيعة والتي تطالب بتكاتف كل أبناء الجنس البشري لإعمار الأرض لصالح البشرية جمعاء بما في ذلك الأجيال القادمة).

الفصل الأول من الكتاب وهو بعنوان (الأصول الغربية للرؤية الصهيونية ) يستعرض بعض الظواهر الاجتماعية التي صاحبت الثورة الرأسمالية فأثرت فيها وتأثرت بها مثل الاستعمار والفكر العنصري، ويقول الكتاب إنه "من المفارقات التاريخية أن الثورة الرأسمالية التي أدت إلى ظهور المسألة اليهودية هي التي أدت إلى ظهور الحل الصهيوني، ولا يمكن رؤية الصهيونية خارج السياق الاستعماري الامبريالي، فحلم اليهود بالعودة إلى أرض الميعاد قديم قدم اليهودية ذاتها كما أن الفلسطينيين (العرب) كانوا لا يبدون أية مقاومة ضد اليهود أثناء تواجدهم في فلسطين كما أن العودة الجماعية لم تكن مطروحة أساسا على المستوى الديني، فالدين اليهودي في إحدى صوره يؤمن بأنه في الوقت الذي يحدده الرب وعندما يصبح الإنسان مؤهلا للتحرر المطلق، فسوف يعود اليهود إلى فلسطين ولكن حلم العودة لن يتم على أيدي الأفراد ومن الأفكار المحورية في التشكيل الحضاري الغربي الحديث فكرة الدولة المطلقة أي الدولة التي تعتبر نفسها المرجعية النهائية التي لا تحتاج لأي شرعية" (وهذا ما تقوم به إسرائيل الآن).

الصهيونية والرومانسية:

يشكل الفكر الرومانسي الإطار المرجعي العام للفكر الغربي في القرن التاسع عشر وهو فكر أكد أهمية العقلانية ومقدرة العقل على اكتشاف أبعاد الواقع والتحكم فيه، ويرتبط بتلك الأفكار فكرة الهرب من عالم مركب إلى عالم بسيط ومن عالم فاسد إلى عالم خير.. وهناك كتابات صهيونية عديدة لمفكرين وأدباء تدعو إلى هذه النزعات. ويستشهد الفصل الثاني من الكتاب بالعديد من النماذج الأدبية والفكرية لتأكيد ذلك.

الفكر الاسترجاعي:

المفارقة التي يقدمها الكتاب في هذا الفصل (الثالث) وهي أن "الأيديولوجية الصهيونية نبتت في تربة غير يهودية ثم تحددت معالمها الأساسية في منتصف القرن التاسع عشر على يد مفكرين صهاينة غير يهود يكنون كراهية عميقة لليهود، ثم تبنتها بعض القيادات اليهودية التي تكره اليهود أيضاً في أواخر القرن التاسع عشر".

ويستعرض الكتاب تاريخياً أبعاد هذه المفارقة وتبلور الفكر اليهودي حتى مرحلة بلفور.

الإدراك الغربي:

أدرك الغرب أعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم عنصرا نافعا يمكن توظيفه، وهذا النمط الإدراكي يعود كما يقول المؤلف إلى شيوع ظاهرة الجماعة الوظيفية في المجتمعات الغربية.. وقد تجذر مفهوم نفع اليهود في الوجدان الغربي وتبنته المجتمعات ومن أهم المدافعين عن اليهود الفيلسوف اليهودي الفرنسي مونتسكيو، ولعل أطرف ما ساقه الكتاب عن هذا الأمر ما قاله إديسون في مجلة اسبكتاتور في 27 سبتمبر 1712 حين وصف بدقة تحول اليهود إلى أداه كاملة، فاليهود منتشرون في كافة الأماكن التجارية في العالم حتى أصبحوا الأداة التي تتحدث من خلالها الأمم التي تفصل بينها مسافات (أليس هذا ما يحدث الآن؟) ويرى المؤلف انه لا يمكن فهم تاريخ الحركة الصهيونية ولا تاريخ العداء لليهود بما في ذلك النازية، إلا في إطار مفهوم المنفعة المادية هذا.

ويعد الفصل الرابع من الكتاب من أهم الفصول بتحليله للوقائع واستشهاداته عليها، ولعل أبرز ما طرح من آراء في هذا الفصل هو ما اكتشفه المؤلف عن طريق نموذج معرفي وتفسيري مختلف عما هو سائد في الغرب من أن الإبادة النازية لليهود (وغيرهم) ليست جريمة ألمانية - نازية وإنما جريمة غربية تنضوي تحت نمط أوسع.. فحل الإبادة هو حل طرحته الحضارة الغربية الحديثة فتمت إبادة سكان الأمريكيتين في القرن السادس عشر ولا تزال عملية إبادتهم مستمرة في بلاد مثل البرازيل.

الصهيونية والجذور الغربية

الفصل الخامس يتناول الصهيونية بين الجذور الغربية والديباجات اليهودية ويستعرض من خلاله الحلول اليهودية التي أدت إلى نجاح الصهيونية في تحقيق أهدافها وكذلك علمنة هذه الحلول على يد الصهيونية كما يوضح الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي ظهرت بالتدريج عبر مراحل وكان يضاف إلى كل مرحلة عنصر جديد إلى أن اكتملت مع صدور وعد بلفور.

ويؤكد الكتاب في فصله السادس الجذور الغربية للاعتذاريات الصهيونية التي انطلقت من تفوق أعضاء الحضارة الغربية عرقيا وفكريا على أعضاء الحضارات الشرقية والمغزوّة.

ويتناول الفصل مجموعة من الموضوعات عن اليهودي الاشتراكي واليهودي الخالص.

هرتزل والعباءة الليبرالية

يجيب الفصل السابع عن سؤال هام يطرح نفسه هو: كيف يمكن لحملة رؤية واحدة تبني أيديولوجيتين متناقضتين، وكيف يمكن لحملة رؤية عنصرية إقصائية استبعادية مثل الصهيونية، تبنى أيديولوجيتين تنطلقان من فكرة المساواة، ويفسر الكتاب ذلك بمجموعة من الأسباب حوله المفهوم الصهيوني لليبرالية، والليبرالية والاشتراكية ويولي هذا الفصل أهمية لمؤسس الصهيونية السياسية (تيودور هرتزل)، أفكاره ورؤيته ودوره وعلاقته ببعض الأمور وفلسفته التي وصفها المؤلف بالسطحية.

الصهيونية الاشتراكية:

يفند الفصل الثامن ادعاء الصهيونية الاشتراكية بأن الفكر الاشتراكي من المصادر الأساسية لرؤيتهم للواقع، ويرى أن هذا الفكر يختلف جوهريا عن الفكر الاشتراكي العالمي وأنها لا تختلف كثيراً عن التيارات الصهيونية الأخرى اللهم إلا في المصطلح وفي الزخارف الاشتراكية البراقة التي لا تمت بصلة للجوهر الصهيوني، ويرصد لمجموعة أصحاب الفكر المرتبط بالاشتراكية.

ويتناول الفصل التاسع عبر مساحته ديفيد بن جوريون: الزعيم والرؤى، نشأته وأفكاره وعلاقته بالعنف والأساطير الصهيونية.

الفصل الأخير من الكتاب يتحدث من الجييلين الاستيطانيين في إسرائيل وجنوب أفريقيا ويعقد مقارنة بينهما ليؤكد أن إسرائيل ليست ظاهرة يهودية وإنما ظاهرة استعمارية استيطانية، وأن هناك ديباجات عديدة مشتركة بينهما.

ويعد كتاب الصهيونية والحضارة الغربية كتابا هاما ومرجعا يجب على الجميع قراءته والوقوف على أبعاد ما يقدمه ومناقشة الأفكار التي طرحها وتبنيها إعلامياً.
**************
تعقيب الباحث عبدالوهاب محمد الجبوري : كمتخصص في القضية الفلسطينية وتاريخ الحركة الصهيونية فان هذا الكتاب جدير بالقراءة لاستاذ كبير ومتخصص ولا ادري ان كان الكتاب قد تطرق الى الاحداث والتطورات اليهودية التي رافقت ظهور الحضارة الغربية والتي كان لها دور واضح في بلورة الافكار الصهيونية ، هذه الاحداث تمثلت بظهور حركات وكتاب يهود حملوا الافكار الصهيونية قبل تبلورها رسميا في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897 كظهور حركة الهاسكالاه ( او التنوير اليهودية ) وحركة احباء صهيون وغيرها وان كنت اعتقد ان الاستاذ المسيري قد تطرق اليها في سياق حديثه وقبل ذلك كيف ان الصهيونية كحركة علمانية اعتمدت الدين والتراث اليهودي المزور وبروتوكولات صهيون كحقائق مصطنعة لايهام العالم باحقيتهم فيما سمي ( ارض الميعاد والوطن القومي) انطلاقا من سياسة ( ولا تقربوا الصلاة ) التضليلية ..كما بامكان القاريء الرجوع الى ما كتبته عن التلمود وامبراطورية الربا والدم ودور بروتوكولات العم سام في اقامة الحكومة اليهودية العالمية وغيرها من الدراسات التي تلقي ضوءا اخر على نشوء وتطور الحركة الصهيونية وعلاقتها بالفكر الغربي و عذرا لاستاذنا الكبير المسيري على هذه المداخلة ...
تحياتي واحترامي للكاتب الكبير المسيري ولقرائنا الاعزاء ولكل المتخصصين في هذا المجال