* عفريت الليل *
.......................

كنا ـ بمجرد ظهور الرجل فى أول الشارع ـ نترك ما بأيدينا من لعب ـ كرة شراب ، بلى ، استغماية ، طائرات ورقية ـ ونتجه ناحيته ..
تعلو أصواتنا : عفريت الليل بسبع رجلين ..
نكرر الكلمات منغمة ، والرجل ذو الأفرول المتسخ يرمقنا بنظرة صامتة ، لا تشى بتعبير محدد . يحمل العصا الطويلة ، الرفيعة ، فى نهايتها ما يشبه السلك النحاسى ، يصله بالمصباح المطفأ من خلال فتحة الحاجز الزجاجى ، فيضاء . تأخذ العملية ثوان قليلة ، ثم يواصل الرجل سيره فى خطوات مهرولة نحو عمود إنارة آخر ، وهكذا ..
كانت تسمية العفريت ظالمة ، فالرجل ضامر الجسد ، أسمر البشرة ، له عينان تداخلت فيهما الصفرة بالبياض ، وفم مفتوح تساقط معظم أسنانه . ولعل اتساخ أفروله ، أو لأننا لم نكن نراه إلا ليلاً ـ كان هو مبعث التسمية التى نضمنها كلماتنا المتعبة ..
استطالت ظلال الغروب ـ ذات يوم ـ ثم حلت العتمة . تنبهنا إلى عدم قدوم الرجل فى موعده
فى اليوم التالى ، ظلت المصابيح مطفأة . ثم طالعنا ـ فى اليوم الثالث ـ بشاب يمسك العصا الرفيعة ، ذات النهاية السلكية ..
تجرأت فسألته :
ـ أين ذهب الرجل ؟
ـ ربنا افتكره ..
وجرى فى اتجاه بقية المصابيح ..
كتمنا الكلمات التى اعتدنا غناءها . ربما لمفاجأة وفاة الرجل ، وربما لأننا خشينا رد الفعل فى ملامح الشاب الجامدة !