الحالة اللبنانية

تنفرد الحالة اللبنانية بخصوصية استثنائية، لما لها صلة وثيقة في الكثير من المناحي السياسية والثقافية في البلدان العربية، وكذلك لما تثيره الحالة السائدة منذ أكثر من ثلاث سنوات في لبنان من قلق وترقب في الأوساط الجماهيرية العربية التي تكن للبنان ودوره في نشر الفكر والثقافة في كل البلدان العربية. لذا فإنه من المنصف أن نضاعف حجم ما سيقال عن لبنان والديمقراطية التوافقية فيه.

لمحة تاريخية مختصرة

أخذ لبنان اسمه من بياض صخوره الكلسية (كما في محيط المحيط الذي عرفه: بأنه جبل بالشام سمي هكذا لبياض صخوره الكلسية). وهو كدولة أخذ شكله الحالي ـ شأنه شأن معظم البلدان العربية ـ بعد الاتفاقية بين الوزيرين: الإنجليزي (مارك سايكس) والفرنسي (جورج بيكو) . ولكنه مر قبل هذا التاريخ بعدة أطوار سياسية تحت الحكم العثماني وهي:

1ـ طور الإمارة المعنية (نسبة الى فخر الدين المعني) وكانت بين عامي 1516ـ 1697م.

2ـ طور الإمارة الشهابية (1698ـ 1842م).

3ـ طور قائمقامية النصارى 1842ـ 1858م

4ـ طور متصرفية جبل لبنان (1861ـ 1915م) التي ضمت جبل لبنان وجبل الشوف، أو القائمقامتين : الدرزية والنصرانية.

وقد وضعت اتفاقية مع المحتل الفرنسي في 23/5/1926 ليصبح شكل لبنان وفق تلك الاتفاقية يضم:

1ـ إمارة الشوف، أو الإمارة المعنية والشهابية، وكانت هذه المنطقة تابعة لولاية دمشق حتى عام 1660، ثم أصبحت بعد ذلك تابعة لولاية صيدا فعكا.

2ـ إمارتا وادي التيم والبقاع وكانتا تابعتين لولاية دمشق.

3ـ مقاطعة جبل عامل، وكانت تابعة لولاية صيدا فعكا.

4ـ سنجقية طرابلس، وكانت تابعة لباشوية طرابلس، وكان (جبل لبنان) يشكل جزءا من هذه السنجقية.

ثم تطورت تابعيات المناطق اللبنانية، والتي سيكون لهذه التغييرات (التاريخية) دور في تشكيل الزعامات المحلية وشكل علاقة التحالفات والتي لا زالت تلقي بظلالها على ما يسبب أزمة (انتخاب الرئيس) في أيامنا الحاضرة .

وقف الجنرال الفرنسي (غورو) في 1/9/1920 في مقره بقصر الصنوبر في بيروت، يعلن مولد ((دولة لبنان الكبير)) وذلك وفقا للقرار 299 الصادر بتاريخ 3/8/1920 والقاضي بفصل الأقضية الأربعة (حاصبيا وراشيا وبعلبك والبقاع) عن ولاية دمشق (في التركة العثمانية) وضمها الى (لبنان المستقل) والقرار 318 الصادر في 31/8/1920 والمتعلق بإنشاء ((دولة لبنان الكبير)) واتخذت بيروت عاصمة لهذه الدولة والتي ضمت المناطق التالية:

1ـ منطقة جبل لبنان (المتصرفية)
2ـ أقضية حاصبيا وراشيا وبعلبك والبقاع.
3ـ سنجق صيدا باستثناء ما ألحق منه بفلسطين.
4ـ سنجق بيروت
5ـ قسم من سنجق طرابلس يشتمل على أراضي عكار الواقعة جنوبي النهر الكبير، وعلى قضاء طرابلس (مع مديريتي الضنية والمنية وقسم من قضاء حصن الأكراد)

ومنذ إعلان دولة لبنان الكبير وحتى إعلان الجمهورية اللبنانية عام 1926 كان لبنان أشبه بحاكمية إدارية يتولى أمورها حاكم فرنسي يعينه المفوض السامي بالاتفاق مع الحكومة الفرنسية.

بعد اندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925 ، تغيرت نظرة الفرنسيين الى الكيفية التي يحكمون بها سوريا ولبنان، وقد كانت المقاومة اللبنانية للاحتلال الفرنسي قليلة أو معدومة، قياسا بالتي كانت في سوريا، اللهم إلا العناصر اللبنانية التي كانت تتطوع في الانخراط بالثورة. وقد فسر المؤرخون عدم مقاومة اللبنانيين للفرنسيين بأنه نتيجة للخلافات الإثنية الموجودة في لبنان.

وقد حاول الفرنسيون ابتداع النموذج الديمقراطي في لبنان قبل سوريا، فانتخبوا في عام 1925 مجلسا تمثيليا وقد كانت الانتخابات تحت ضغوط فرنسية لاختيار مجلس يكون قريبا منهم. وقد اختار هذا المجلس في 26/5/1926 أول رئيس للبلاد هو (شارل دباس) وكان أحد أعضاء اللجنة التي صاغت دستور لبنان. وبقي رئيسا حتى 9/5/1932، وقد تم في عهده تحويل المجلس التمثيلي الى مجلس نيابي.

وقد حدثت اضطرابات دموية بين الأرمن فيما بينهم وبين مطارنة الروم الأرثوذكس لاختيار بطريرك لكنيستهم، وترافقت تلك الاضطرابات مع اضطرابات صناعية وتجارية، وقد تم تعديل الدستور في اختيار رئيس الجمهورية كل ست سنوات بعد أن كان لثلاث سنوات، ولكن تلك الاضطرابات أجبرت المندوب السامي الفرنسي على أن يجعل مدة رئيس الجمهورية سنة واحدة فتم اختيار حبيب باشا السعد عام 1934 وكان عمره في وقتها 75 سنة. وتم تمديدها مرة ثانية لسنة أخرى.

في 3/1/1936 أصدر المندوب السامي مرسوما يقضي بانتخاب رئيس الجمهورية داخل مجلس النواب، فتم انتخاب إميل إده في 20/1/1936. وفي تلك السنة اجتمع وجهاء المسلمين للمطالبة بإعادة انتمائهم الى سوريا الكبرى، ففزع المسيحيون من تلك الدعوات، فعرضت تلك الخلافات في النظر لمستقبل لبنان على مجلس النواب في 17/11/1936 الذي أقر اعتبار لبنان كدولة مستقلة عن سوريا.

استقال الرئيس إميل اده مع رئيس وزراءه أثناء تولي حكومة (فيشي) الفرنسية المتعاونة مع ألمانيا المحتلة لفرنسا (في الحرب العالمية الثانية) فتعاون الحلفاء مع الأحرار في لبنان وسوريا بهجوم على سوريا ولبنان في 8/6/1941، وأنهوا الحكومات الموالية لسلطات الاحتلال والتابعة لحكومة فيشي، واختاروا (الفرد نقاش) رئيسا للجمهورية والحكومة، ثم أعلن استقلال لبنان في 26/11/1941 وتم تشكيل حكومة برئاسة أحمد الداعوق.

لكن الاستقلال الحقيقي للبنان جاء بعد سنتين وبعد أن قام المندوب السامي الفرنسي (هلَو) باعتقال زعماء لبنان ووضعهم في سجن (راشيا)، فانفجرت نقمة شعبية، أعادت فيها السلطات الفرنسية (الجنرال كاترو) المندوب السامي السابق والذي انتقل الى الجزائر، فأفرج عن المعتقلين في 22/11/1943 والذي اعتبر اليوم الفعلي لاستقلال لبنان.

المرحلة الثانية (مرحلة الاستقلال 1943ـ 1975)

بدأت هذه المرحلة بقائدين تاريخيين من قادة الاستقلال اللبناني هما: الشيخ بشارة الخوري الذي كان أول رئيس للبنان المستقل ورياض الصلح رئيسا للوزراء. وقد ساهما في وضع ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 ودخول لبنان كدولة مؤسسة للجامعة العربية. كما ساهما في اشتراك لبنان بالحرب الأولى مع الصهاينة بألف جندي لبناني. وبقيا في الحكم حتى عام 1952 عندما اغتيل رياض الصلح في عمان على إثر إعدام (أنطوان سعادة زعيم الحزب القومي السوري بتهمة تدبير انقلاب عام 1949). فاستقال بشارة الخوري من منصبه، الذي شغل رئاسة الوزراء في عهده الممتد من عام 1943ـ 1952 كل من (رياض الصلح ألف 8 وزارات، وسامي الصلح 3 وزارات، وكل من عبد الله اليافي وصائب سلام وناظم عكاري و عبد الحميد كرامي وزارة واحدة). وجرى في عهده ثلاث انتخابات لمجلس النواب.

بعدما استقال بشارة الخوري، تسلم كميل شمعون رئاسة الجمهورية وبقي بها حتى عام 1958، عندما حاول جر البلاد الى الحلف الغربي، وانضمامه الى حلف بغداد، ضد التيار القومي العروبي، فانقسمت لبنان الى قسمين: قسم ثار وانتفض على توجهات شمعون وكان على رأسه (صائب سلام و كمال جنبلاط واحمد الأسعد ورشيد كرامي) ومعهم أحزاب قومية كالبعث والحزب الشيوعي، في حين وقف الى جانبه، حزب الكتائب والحزب القومي السوري، وانتهت الثورة بانتهاء ولاية كميل شمعون، حيث تم انتخاب اللواء فؤاد شهاب الذي كان يشغل مركز قائد الجيش.

قام اللواء فؤاد شهاب بتصفية الضباط الموالين للغرب في الجيش اللبناني مثل شوقي خليل وفؤاد عوض اللذان حاولا مع الحزب القومي السوري بالقيام بانقلاب.

في عام 1964 تم انتخاب شارل حلو وكان امتدادا لطبيعة الحكم في عهد فؤاد شهاب، وفي عهده حدثت نكسة حزيران 1967 وظهرت المقاومة الفلسطينية فعقد معها تحالفا تحت رعاية الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فتشكل حلف برلماني وسياسي مضاد لهذا التوجه، وكان على رأسه سليمان فرنجية وريمون اده وبيار الجميل.

استطاعت القوى المناوئة للخط الشهابي، أن توصل سليمان فرنجية الى الحكم عام 1970، فقام بتصفية الخط الشهابي، إلا أنه حاول التقرب من المقاومة الفلسطينية، خصوصا عندما ذهب للأمم المتحدة ليلقي كلمة باسم العرب فيها عن القضية الفلسطينية، وما أن عاد حتى بدأت نذر الحرب الأهلية تلوح بالأفق، لتبدأ بشكل فعلي في 13/4/1975 على إثر مجزرة ارتكبتها عناصر من الكتائب ضد مدنيين فلسطينيين كانوا مارين في حافلة في الضاحية الشرقية من بيروت حيث تم قتل كل من فيها ..

يتبع