بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمدخ و ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا , الحمد لله الذي أرسل رسوله
بدين الحق ليهدي به قوما ضلوا عن طريق الحق وزاغوا عن مراد الخالق لما خلقهم له قال تعالى{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وقد سهل لهم الخالق ما أمرهم به وجعل لهم الرض مهدا ليقيموا فيها إمبراطورية العدالة الإنسانية عن طريق الخلافة الإسلامية لهذه الكرة الأرضسة قال تعالى {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} ولقد جعل لكل شيء سببا فيجب أن نتبع ذلك السبب , وجعل من مقتضيات الحياة السعيدة للبشرية تطبيق ما أمر به الخالق من أوامر لإيجاد الحياة الهنية ونواهي للإبتعاد عن الحياة الرذيلة المهينة فأنزل سبحانه شرعته التي أمر بها نبيه بتبليغها فقال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا } ومن ذلك الذكر الشريعة الإسلامية التي أمرنا بتطبيقها فهي خير نظام لتقويم سلوك البشرية ولوقوف في الصفة العدوانية في المغروسة في نفوس بعض الناس من الظهور على سطح الحياة البشرية وتعديها إلى ظلم الإنسان الآخر بحكم القوة القبلية أو السلطوية مثلا , ففرض سبحانه على من اتبع أمره فرض عليهم الأخوة الإسلامية التي جاءت وانتشلت أهالي الصحراء المتنازعين فيما بينهم الذين كانوا يدفنون الجنس النساي لمجرد أنهن ولدن صبيات , وكانوا يغزون بعضهم البعض لدواعي الإنتقام , فلما جاءت الشريعة أمرت من دخل فيها أن يحب أخاه المسلم ويواليه ويواسيه بالمال وكل ما خطر في الخيال وما قصة المهاجر عبد الرحمنبن عوف المهاجر مع أخاه الأنصاري ببعيدة عنا فقد وحدت بين القبائل المتنازعة والمتقاتلة وربطت بينهم بأخوة الإسلام حتى صارت هذه الأخوة سببا في إنسياب الأرض تحت أيد المسلمين وحتى أصبحوا سادت الدنيا , ولكن خلف من بعدهم خلف كرهوا ان تكون العوة لدين الله فتلبسوا بلباس الدين ليهدموا دعائم الدولة الإسلامية , ففي اواخر الدولة العثمانية تمكن بعض المنافقين ممن يسمون بالعلمانين من شر الأفكار الباطلة التي تفرق اواصر العلاقة بين المسلمين بشعارات براقة مثل الوحدة الوطنية أو قل القومية العربية وكانت هذه الحزبية الجاهلية المقيتة هي السبب الأكبر في ضياع الخلافة الإسلامية من المسلمين , ففي أغلب البلاد الإسلامية الغير عربية حمل وزر هذه الفكرة علماني قومي كاره من قوة الإسلام ونفوذه فأخذ ينفث سم قوميته في بلاده ولا أظنكم لا تعرفون ( مصطفى أتاتورك ) الذي حمل على عاتقه إخراف دولة الخلافة العثمانية من تركيا وجعل الدولة الإسلامية دويلات قومية ضعيفة إلا ما رحم ربك , وأترككم مع الدكتور عبد العزيز كامل لكي يخبركم كيف تكمنت جرثومة القومية من تفكيك الدولة الإسلمية :.

كانت الزلة الأولى للعثمانيين في أواخر عهد دولتهم ، أن أوحى بعض المنافقين إلى بعض زخرفاً من القول ، يعدُّون به رابطة الأخوة الإسلامية غير كافية لأن تكون أساساً جامعاً لرعايا الدولة من المسلمين ، فابتدعوا تقسيم الرعايا إلى ( عثمانيين وأجانب ) ؛ فقبل إلغاء الخلافة بنحو ثمانين عاماً اتجه بعض السلاطين إلى تحويل الرابطة أو الجامعة الإسلامية إلى ( رابطة عثمانية ) وذلك عن طريق ما يسمى بـ ( إعلان التنظيمات العثمانية ) الصادر في عام ( 1255هـ ) ( 1839م ) وهو نظام وضعي مضمونه أن يُقَسَّم المسلمون إلى : مسلمين عثمانيين ، وهم رعايا ومواطنو الدولة العثمانية ، ومسلمين غير عثمانيين ، عدَّهم الإعلان ( أجانب ) ! وضَمِنَ النظام الجديد للرعايا العثمانيين كل الحقوق بغضِّ النظر عن الدين أو اللغة أو الجنس ، بينما وُضع الآخرون ( الأجانب ) من المسلمين في خانة أدنى ، وكان هذا الإعلان بداية حقيقية للتخلي عن الرابطة الإسلامية المنبثقة عن المبدأ الإسلامي العظيم [ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ]( الحجرات : 10 ) .

كانت هذه في ذاتها نازلة تستدعي أن يقوم لها عقلاء الأمة وعلماؤها ، ليميتوها في مهدها إحقاقاً للحق وإزهاقاً للباطل ، فيعلنوا في الناس أن خلافة المسلمين لكل المسلمين ، وأن رابطة الإسلام أسمى وأعلى من كل الروابط الاسمية الأرضية العنصرية ، ولكن ذلك الإجراء مضى ، وتطاولت به السنون ، حتى تحولت النزعة « العثمانية » إلى نزعة « طورانية »
(1) ، يدَّعي أصحابها أن الطورانيين المنحدرين من آسيا الوسطى ( قوم ) متميزون ، ونشأ بذلك ما سمي بـ ( القومية الطورانية ) كرابطة بديلة للرابطة الإسلامية ، وهي التي نشأت رداً لها أو تأثراً بها ( القومية العربية ) التي رد بها جهلة العرب على جهلة الترك ، فأنشؤوا بذلك نواة للروابط الباطلة التي عدَّها الإسلام نوعاً من الجاهلية ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم للمتنازعين من المهاجرين والأنصار : « أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ دعوها فإنها منتنة » ، وكان ذلك عندما ضرب رجل من المهاجرين آخر من الأنصار ، فكاد الشيطان أن يوقع الفتنة بين الفريقين ، فتداعى قوم بالنصرة من الأنصار فقالوا : ( يا للأنصار ! ) وقال آخرون : ( يا للمهاجرين ! ) ، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم قوله الآنف .

المقصود هنا أن تلك الرابطة البديلة عن عُروة الإسلام ، ظل معمولاً بها ، حتى جاء السلطان عبد الحميد الثاني ( 1876 - 1909م ) فغير تلك السياسة ، وقدَّم نفسه للعالم على أنه خليفة لكل المسلمين ، وبدلاً من أن يُساند هذا التوجه المحمود من علماء الأمة وعقلائها ، إذا بهؤلاء يختلفون حول هذا الأمر ؛ فبينما أيده على ذلك وسانده كل من الشيخ جمال الدين الأفغاني
( ت 1897م ) ، والشيخ محمد عبده ( ت 1905م )( 2) من خلال جمعية ( العروة الوثقى ) التي شكلاها لتكون أداة إعلامية لهذا التوجه ، إذا بآخرين من أمثال ( عبد الرحمن الكواكبي ) ( ت 1902م ) يأخذون توجهاً آخر ، فينادون ب
( جامعة عربية ) وخلافة عربية !! وصحيح أن الأصل في منصب الخلافة أن يكون عربياً ، بل قرشياً كما اتفق عليه العلماء (3) ، لكن الظرف الذي كانت تعيشه الأمة وقتها لم يكن مؤهلاً للعرب أن يحكموا بقية المسلمين ؛ لأن سلطانهم الفعلي لم يكن بأيديهم ، بل كانت أكثر بلدان العرب واقعة تحت احتلال الصليبيين من بريطانيين و فرنسيين و إيطاليين .

وفي مقابل المناداة بجامعة إسلامية عربية في ذلك الوقت الحرج ، استفحل الشعور القومي الجاهلي لدى فريق من الأتراك ، فنادوا بجامعة طورانية ، تجمع الأمة الطورانية الممتدة من فنلندا إلى منشوريا في دولة واحدة . وهنا استُبعد الميزان الإسلامي تماماً ، وبدلاً من تفضيل بعض المسلمين على بعض بغير ميزان التقوى وهو أمر منكر جاء هؤلاء الذين ساووا بين المسلمين والكفار ، لمجرد مساواتهم في الانتماء القومي .

ومنذ ذلك الحين والصراعات القومية تمزق أوصال المسلمين بعد أن نشأت بعد ذلك النعرات القومية الأخرى كالقومية الفارسية والكردية والبربرية والهندية والبشتونية والطاجيكية وغيرها ، وهي النعرات التي لعب عليها العلمانيون اللادينيون ، عرباً كانوا أو عجماً ، فأقاموا حول كل قومية طاقماً من الأصنام النظرية والعملية التي تقدم لها القرابين المادية والمعنوية ؛ فتخاض لأجلها الحروب ، وتُشكَّل لها الأحزاب ، بل وتقوم عليها الدول . أما في تركيا نفسها ، فقد تشكل فريق ( القومية الطورانية ) لمهمة الإجهاز النهائي على الرابطة الإسلامية ، ومن ثم الخلافة الإسلامية ، وكانت جمعية ( الاتحاد والترقي - التابعة لمصطفى كمام أتاتورك اليهودي -) أداتهم في ذلك ، وكانت أولى إنجازاتهم السوداء أن انقلبوا على السلطان عبد الحميد الذي أراد إعادة الاعتبار للجامعة الإسلامية ؛ وذلك في عام 1908م ، عندما قاموا بانقلاب دستوري ضده يقيد سلطاته ، فلما قام أعوانه بمحاولة لتصحيح الأوضاع ، أطاح به الكماليون .

ومن تلك اللحظة تحولت دولة الخلافة من دولة إسلامية عثمانية إلى دولة طورانية تركية ؛ حيث سيطر الطورانيون على كل أجهزة الدولة عسكرياً وإدارياً ، وسياسياً من خلال جمعية الاتحاد والترقي ، وانطلق هؤلاء إلى تطبيق سياسة
( التتريك ) لكل مظاهر الدولة ، تمهيداً للانتقال من منزلة ( القومية ) الطورانية التركية الإقليمية ، إلى ما هو أنزل منها وأدنى وهو ( الوطنية ) التركية المحلية ، وكانت تلك هي الخطوة التالية من خطوات الشيطان التي خطاها نيابة عن إبليس ، صاحب الأصل اليهودي البئيس ( مصطفى كمال أتاتورك اليهودي المدعي للإسلام ) .

أما العلمانية المنافقة الماجنة ، فقد أرادتها فتنة منتنة منذ أن انبعث أشقاها الضال في الأناضول ، ليقول لمن ادعى أنهم أصحاب قومه ووطنه : « لقد آن لتركيا أن تنظر إلى مصالحها وحدها ، ولا شأن لها بالمسلمين الهنود أو العرب أو غيرهم ، لتنقذ تركيا نفسها من زعامة المسلمين » .

لقد أسعد بسياساته تلك أولياءه من أعداء الله ، حتى كتب السفير البريطاني في تركيا مذكرة إلى وزير خارجية بريطانيا في
( 28/6/1910م ) : « الآن ، قد أخذ الكثيرون يعلنون أن رابطة الإسلام انفصمت ، وأن القضية أمست قضية ترك وعرب » !

وبالرغم من كل ذلك ، فقد وُجد من الإسلاميين عرباً وعجماً من أشادوا بالقوميات حتى يومنا هذا ، وهي التي ولدت يهودية في شرقنا الإسلامي ، ثم تبناها صليبيون وتغريبيون في البلدان العربية على شكل أحزاب أسسها نصارى من أمثال :
( أنطون سعادة ) مؤسس الحزب القومي السوري ، و ( جورج حبش ) مؤسس حزب القوميين العرب و ( ميشيل عفلق ) ، مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي ، وكان أبرز القادة المنظرين للفكر العلماني في العالم العربي نصارى أيضاً ، من أمثال ( قسطنطين زريق ) و ( أميل البستاني ) و ( سلامة موسى ) ، ولا نستطيع أن نسمى من يسيرون على خطا هؤلاء ، ومن يسارعون فيهم إلا منافقين .


من كتاب إمبراطورية النفاق من مهد لها .
للدكتور الشيخ الدكتور / عبد العزيز مصطفى كامل
دكتوراه في الشريعة جامعة الأزهر
عضو هيئة تحرير مجلة البيان ـ المنتدى الإسلامي