مفاهيم النظريات النفسية الاجتماعية :
هناك نظريات كثيرة طرقت مفاهيم النفس البشرية من الوجهة الاجتماعية ولابد هنا من ذكر نظريتي هافيغارست وإريكسون التي استخدمَ مفاهيمَها كثيرٌ من المؤلفين في مجال الصحة النفسية التمريضية :

أولاً : نظرية المَهَامِّ (الواجبات) التطورية حسب هافيغارست Haviguarst :
قَسَّمَ هافيغارست المراحل التطورية للإنسان إلى ست مراحل يتطلب عبورها إنجاز مهمة أو أكثر ليتمكن من الانتقال إلى إنجاز مهمات المراحل التالية . فإذا أنجزها شعر بالسعادة وزاد من عزمه على إنجاز المهمة التالية في المرحلة التالية ، وإن لم ينجزها شعر بالفشل والحزن ، وقد يسبب ذلك عجزه في إنجاز مهمات لاحقة واستياء المجتمع من حوله .
والمراحل الست هي :
1- [COLOR="red"]مرحلة الرضاعة والطفولة الباكرة [/COLOR](قبل المدرسة) :
أهم المراحل لأنها مرحلة بناء المتطلبات الأساسية من مشي وكلام وتناول الطعام وفهم الذات وبدء الارتقاء إلى نحن (الجماعة) ، والارتباط العاطفي بالأسرة ، والتفريق بين الخطأ والصواب وبناء الضمير .
2- مرحلة الطفولة المتوسطة (المدرسة) :
زيادة المهارات الجسدية اللازمة للألعاب الاعتيادية وبناء المواقف المفيدة للذات وتوافقها مع الجماعة المناسبة للعمر . وفهم الدور الاجتماعي المناسب للذكر والأنثى . وتطور المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب ، وتطور مفاهيم الأخلاق والقيم وضوابط الضمير ، والحصول على الاستقلال الشخصي . والميل نحو المجموعات الاجتماعية والمؤسساتية (الارتقاء إلى نحن) .3- المراهقة :
نضج العمليات الجسدية والقيام بمهارات عالية معقدة من الأعمال البدنية والاستقلال العاطفي وتأسيس العلاقات بين الجنسين من نفس العمر وبحيث تكون أكثر نضجاً ، وذلك بعد النجاح في تحديد الهوية الجنسية ، ومحاولة الاستقلال المادي واختيار العمل المناسب والتحضير له .
4- مرحلة الشباب (البلوغية الباكرة) :
اختيار الشريك وتأسيس العائلة وتربية الأولاد وتدبير شؤون المنزل وتحمل المسؤوليات المدنية والارتباط بمجموعة اجتماعية أخلاقية مناسبة له .
5- مرحلة العمر المتوسط (البلوغية المتوسطة) : تَحَمُّل المسؤوليات المدنية والاجتماعية وتأسيس معايير اقتصادية للحياة والمحافظة عليها . تقبل التغيرات البدنية الطارئة وإسداء النصح للمراهقين والتكيف مع الوالدين المسنين . والبحث عن نشاطات سد الفراغ .
6- مرحلة النضج المتأخرة :
التكيف مع نقص القدرات الجسمية والتقاعد وموت المقربين كالقرين (الزوج) وازدياد الحاجة للاندماج مع المجموعات من نفس العمر ..
ثانياً : نظرية إيريك إريكسون :
قَسَّمَ إريكسون مراحل التطور إلى 8 مستويات ، وطَوَّرَ خلالها المفهوم التحليلي إلى مفهوم نفسي اجتماعي يعتمد فيها على قيام الإنسان بالمهمات المنوطة به حسب المرحلة العمرية وإنجازها ، وكلما كان إنجازها أكثر كمالاً ونجاحاً أصبحت شخصيته أكثر تماسكاً وارتباطاً وأكثر صحة ودعماً للذات (الأنا) . وأما الفشل فيها فيعني تأخر التطور واحتمال التراجع إلى مراحل سابقة لاجتيازها بأسلوب آخر .. و يعتقد إريكسون أنِّ نجاح المهمة في كل مرحلة يحقق جانباً إيجابياً بينما يقابله في حال الفشل حدوث جانب سلبي .
وأما هذه المراحل فهي :
1- مرحلة الرضيع أو المرحلة الفموية الحسية (الولادة – 1.5 سنة) :
والمهمة الأساسية أو الأزمة الانفعالية فيها ترسخ حدوث الثقة الناجمة عن تعاون الأم في تنفيذ طلبات ابنها ضمن الأداء الجيد والثقة بالآخرين ، ويقابلها في حال الفشل عدم الثقة والانسحاب والنفور من الآخرين أو إسقاط أفكاره على الآخرين وبذلك تكون نظرته تشاؤمية ، وأما النهاية الإيجابية لهذه المرحلة فهي اكتساب الأمل .
2- مرحلة الطفولة الباكرة أو المرحلة الشرجية العضلية (1.5 -3 سنوات) :
المهمة الأساسية فيها تحقيق الاستقلالية دون فقد احترام الآخرين فيأكل بنفسه ويتحكم بمصراته وعضلاته الحركية ، وهنا يجب عدم السخرية منه عند الفشل ، يقابلها في حال الفشل حدوث الخجل أو الشك وقمع الذات والتصرفات المستقلة وحب الاستعانة بالآخرين ، والنهاية الإيجابية في هذه المرحلة هي اكتساب الإرادة .
3- الطفولة المتأخرة أو الجنسية الحركية (قبل سن المدرسة 3- 5 سنوات) :
المهمة الأساسية المبادرة والتصرف التلقائي يقابلها في حال الفشل الخوف من الخطأ أو الشعور بالذنب وتقيد النشاط والفعاليات . لذلك يجب عدم ردع الطفل عند الاتجاه نحو الأب من الجنس الآخر عاطفياً ، حتى يصبح قادراً على اختبار الواقع والتصرف التلقائي مع تأكيد ذاته . فإذا فشل في ذلك بممانعة الأهل اتجه نحو الشعور بالذنب ، والنهاية الإيجابية هي اكتساب الهدف .
4- سن المدرسة أو مرحلة الكمون (6- 12 سنة) :
المهمة الأساسية السيادة والسيطرة والمثابرة حيث يبدأ بالأعمال الخلاقة الإبداعية والإحساس بالقدرة والمثابرة والكفاءة . وتعتمد على الثقة بالقدرة على القيام بأعمال الكبار وعندئذ يصبح أكثر نضجاً ، ويقابله في حال الفشل الشعور بالدونية مع فقد الأمل والانسحاب من المجتمعات كترك المدرسة وعدم مصاحبة الأقران ، والنهاية الإيجابية لهذه المرحلة اكتساب الأهلية أو الكفاءة .
5- المراهقة (12-20 سنة) :
المهمة الأساسية الإحساس بالهوية والتمايز الجنسي والوضاحة بحيث يحس بالذات وتمييز دوره الاجتماعي جيداً ويخطط لإظهار قدراته بشكل واقعي . يقابلها في حال الفشل التخليط وعدم وضوح الدور الاجتماعي وعدم القدرة على اتخاذ القرار وتحقيق شخصيته وذاته في العمل (أزمة الهوية) وعندئذ قد يتجمع مع أمثاله ويتناولون الأدوية والمخدرات ، والنهاية الإيجابية لهذه المرحلة اكتساب الإخلاص fidelity .
6- الشباب أو بداية الرشد (البلوغية 18-40 سنة) :
المهمة الأساسية الإحساس بالألفة والبناء الاجتماعي الحميم مع الأصدقاء يقابلها في الفشل العزلة وتجنب الاختلاط ، وتجنب الالتزامات في العلاقات المهنية والعامة وازدياد الشكوك بالآخرين ، والنهاية الإيجابية اكتساب الحب .
7- الكهولة أو أواسط الرشد (40- 65 سنة) :
تتجلى المهمة الأساسية بالإنتاجية أو بالعمل الدؤوب الخلاق وعلو الهمة والاهتمام بالآخرين وتطوير المجتمع يقابلها الركود أو اللامبالاة والاهتمام بالذات دون الآخرين (الانهماك بالذات) ، والنهاية الإيجابية لهذه المرحلة اكتساب القدرة على رعاية الآخرين .8- النضج أو تمام الرشد (65 سنة فما فوق) :
المهمة الأساسية النظرة الشمولية التكاملية بفهم أهمية حياة الإنسان وتقبل فكرة الموت ويقابلها في حال الفشل : اليأس والعجز و الإحساس بالضياع والخسارة واحتقار الآخرين والخوف من الموت ، والنهاية الإيجابية لهذه المرحلة اكتساب الحكمة .
إنَّ مفهوم حدوث المرض وفق هذه النظريات هو الفشل في عبور الأزمات الانفعالية مؤدياً إلى الأمراض النفسية . ففقدان الثقة في المرحلة الفموية يؤدي إلى الفصام .
ويدفع الشعورُ بالخواء تجاه الطعام أو التنبيهات الحسية الفردَ إلى القيام بخبرات وأعمال عنيفة وشديدة . ويؤدي تحريض التنبيه دون وجود علاقات عاطفية حميمة إلى تعاطي الأدوية والإدمان ، ويؤدي الفطام الباكر إلى الاكتئاب .. وتؤدي إساءة معاملة الطفل في المرحلة الشرجية إلى الوسواس القهري أو الخوف الزَّوَري ..
الدكتور ضياء الدين الجماس