العود أحمد
... فما إن رأوه مقبلا عليهم، حتى حثوا أنفسهم على ملاقاته مصافحين إياه بحرارة، ومعانقين له باشتياق، وسائلين عن سبب غيابه وعما تقلب فيه من الأحوال، بعدما طال به وبهم الإنتظار، وامتد بينهم حبل النأي والإفتقار، وبعد أن اشتد عليهم وعليه ظمأ الفراق والحنين مضطرين جميعا، وليس بمحض الإختيار ...
عهدوه يوم غاب عنهم مكرها بشعر لامع منساب كشلال شديد السواد، فإذا هم به وقد حل بينهم من جديد مشتعل الرأس بالبياض، وألفوا رؤيته قبيل مفارقته لهم غصبا منتصب القامة يمشي، لكنه عاد إليهم منحني الظهر يدب على ثلاث، ثم إنهم اعتادوا النظر إليه في ما مضى سليما معافى، فإذا به اليوم بينهم سقيما هزيلا ببصر ضعيف وسمع ثقيل، وهو ذات الرجل الذي لم يعرفوه قبيل اختفائه إلا جهير الصوت صافي النبرة، لكنه آب إليهم بصوت مهموس، تكاد أسماعهم تخطئه من شدة الهمس ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com