أسباب تأخر المرأة وتخلفها في المجتمعات الإسلامية



دين ودنيا
الجمعة 15/2/2008
حنان اللحام

وسط ظلمات الآلام والنكبات ترفع الصحوة الإسلامية رأسها لتبحث عن مخرج.. تتقصى أسباب تأخرها.. وتخطط للنهضة.

وعلى رأس قائمة التحديات التي تواجه هذه الصحوة تأتي مسألة المرأة وكيف نفعِّل دورها في البناء الحضاري, إذ يبدو نصف الأمة مشلولاً- إلا عن الإنجاب- بل أحياناً معوِّقاً ومغوياً للنصف الآخر.‏

فلماذا فقدت المؤمنة دورها وحيويتها? ولماذا تصبح بؤرة للفتن? وهل المرأة الغربية أحسن حالاً منها وأكثر عطاء وإنتاجاً?‏

إن المتأمل في الأوضاع العالمية يسلِّم بأن الغربية هي أكثر إنتاجاً من المسلمة في بعض الجوانب المادية... لكنها مازالت موضع استغلال الرجل.. ولهذا فإنني أسجل ثلاثة أسباب في تخلف المرأة:‏

1- أسباب عالمية عامة.‏

2- أسباب حضارية خاصة بأمتنا.‏

3- أسباب خاصة بالمرأة في مجتمعنا.‏

وسأتناول شرحاً بسيطاً لهذه الأسباب , فمن الواضح أن الموضوع يستحق ويحتاج إلى كتب وأبحاث.‏

أسباب عالمية‏

ترجع إلى خطأ إنساني عام يرتبط بتحكم القوي بالضعيف واستغلال أنوثة المرأة لإرضاء الرجل, ومن المؤسف حقاً أن يصبح جمالُ المرأة وبالاً عليها ورقتُها سبب استغلالها,وأكبر دليل على ذلك قلة من يشغلن مناصب حساسة في السياسة والاقتصاد في الدول الغربية.. مع أنهن يتشدقن بدعاوى المساواة.. فالمنطق الذكوري عالمي و ليس خاصاً بالعالم الإسلامي, ولهذا تستخدم المرأة كسكرتيرة وعارضة أزياء.. ويستخدم جسدها لترويج البضائع وعقد الصفقات وتكدح منذ طفولتها لتحصيل لقمة العيش ولايُلزم الرجل بالإنفاق عليها.‏

لقد مُنحت الحرية- حتى في مجال الجنس- لكنها حرمت من الرعاية والكرامة.‏

أسباب حضارية‏

فإذا عدنا إلى أمتنا وجدنا أنها تعيش مرحلة تخلف حضاري ترهق الرجل والمرأة فهما مشتركان في المعاناة وسط تيار ثقافي يثبط الهمم ويقتل الإبداع . ومن أهم عوامل هذا التخلف :‏

1- الجهل :‏

فالجهل بالدين ومقاصده قد أدى إلى تصوير شريعة الله السمحة الميسرة بصورة الأحبار والأعلال,فلا يجوز تحريك العقل ولا التعلم خارج العلوم الشرعية .. فقد يؤدي ذلك إلى الكفر .. ولايجوز للمرأة أن تتعلم حتى لا تتعرض للاختلاط..‏

واجتمع الجهل بالدين مع الجهل بعلوم الدنيا وما أضافة هذا العصر من كشف وتطوير في فهم آيات الله في الآفاق والأنفس ,ما أورثنا عجزا وضعفا أمام الأمم الأخرى ,واوقف الاجتهاد وجمد الفكر الاسلامي فعجز عن المعاصرة ,وأثمر ذلك احباطا في شبابنا وأعطى الفرصة للآخرين أن يتهموا الإسلام بعدم صلاحيته لهذا العصر‏

2- فقدان الفعالية :‏

إن الجمود الفكري ينتج ركودا وعطالة في السلوك الإنساني ويبدو الإنسان فيه تائها عن أهدافه في الحياة ,فيتحكم فيه الهوى ويتخاذل عن السعي لبناء حضارته .‏

أسباب خاصة بالمرأة المؤمنة‏

ناتجة عن الثقافة العامة التي تسود الأمة , منها:‏

1- تهميش الدور الحضاري للمرأة وكأنها ليست مقصودة بالاستخلاف في الأرض الذي خلق من أجله الإنسان ( إني جاعل في الأرض خليفة ) سورة البقرة:30 .‏

2- سوء فهم النصوص القرآنية المتعلقة بالمرأة وسوء توظيفها لتخدم فكرة تفضيل الذكر على الأنثى, مثل مسألة القوامة وتوزيع الميراث وتعدد الزوجات, وعلى الدعاة أن يهتموا بتوضيح هذه النصوص .‏

3- ابتداع أحاديث - أعطيت صفة المقدس - لتدعيم تفضيل الذكر على الأنثى وإضفاء الشرعية على عزلها وحجبها عن فعاليات المجتمع ,مثل خبر امتناعها عن زيارة أبيها المريض حتى يأذن زوجها ومثل قولهم ( خير أحوال المرأة أن لا ترى الرجال ولايرونها ) ,وعلى الدعاة أن يهتموا بحذف كل هذه الأخبار المشوشة .‏

4- ثم غياب دورها الحضاري كصانعة للإنسان وحصر دورها الأسري بالمتعة والإنجاب وخدمة المنزل ,واستشهدوا على ذلك بحديث وافدة النساء إلى النبي أسماء بنت يزيد حيث قالت : (إني رسول من ورائي جماعة من نساء المسلمين , إن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء فآمنا بك وتبعناك, وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز والجهاد وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم أفنشاركهم في الأجر ?!) فقال ] : ( انصرفي يا أسماء واعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها .. يعدل كل ماذكرت للرجال )‏

ولكن كيف نفهم حسن التبعل ? أهو إتقان دور الغانية والجارية ?‏

لكن الفقهاء أجمعوا على أن المرأة غير ملزمة بالأعمال المنزلية ,ولابد أن نفهم حسن التبعل بمنظار حاجات الأسرة الواقعية .. إنه فن الشراكة مع الزوج وصيانة الاسرة وحسن التوجيه فيها للزوج والأبناء.‏

إن حسن التبعل فن راق يتطلب من المرأة علما وخلقا ومهارة في القمة كي تمارس غرس القيم وتوجيه الاسرة وتفعيلها لتكون نواة النهضة والتقدم في الامة ,إنه فن صياغة الانسان - زوجا وابنا - كي يصبح في أحسن تقويم يمارس دوره المتميز على سائر خلق الله .. خليفة في الارض .‏

5-لكننا حرمنا المرأة من العلم اللازم لاداء دورها الجليل هذا .. ومن المؤسف أننا حتى الآن نعتبر تعليم المرأة من الكماليات .. بدليل أن نسبة الأمية في النساء أعلى منها عند الذكور في عالمنا .‏

قد يقول قائل : فما بال حركات التحرير ? ألم تساهم في إزاحة هذه العقبات من أمام المرأة ?‏

هذا صحيح فلقد نشطت هذه الحركات في محاربة الأمية وأخرجت المرأة من عزلتها التي قاربت أن تكون سجنا يحجبها عما يجري في العالم , ويعطلها عن المساهمة في النهضة , لكنني في المقابل ألفت النظر إلى جوانب الخلل في تلك الحركات :‏

1- لقد أغفل هذا التيار دور المرأة الأساسي في التربية كصانعة للإنسان وأظهر الواجبات الاسروية على أنها مقومات أمام تحقيق الذات .‏

2- وأما خروجها للعمل فقد أدى إلى:‏

- زيادة أعباء المرأة وإرهاقها في لهاث دائم بين العمل في البيت وخارجه.. خاصة وأن الزوج يرفض أن يشاركها في أْعباء المنزل وتربية الأولاد لأن المجتمع كله مصمم على تكليفها بخدمة المنزل رغم أنف الفقهاء.‏

- حرمانها من إنفاق الرجل ورعايته.. بل واعتبارها مسؤولة عن الإنفاق على البيت.‏

- ضياع الجيل وحرمانه من القيم الدينية والخلقية وفقدانه للأمان النفسي لأنه حرم من حاجاته العاطفية في كنف أمه.‏

- في أحسن الحالات تأتي الخادمة أو المربية لمساعدة المرأة في أعبائها الأسرية.. وهما عادة أقل علماً من الأم, بل إنهما تحملان من الجهل والخرافة ما يكفي لإفساد الجيل.. هذا عدا عن القسوة والعجز عن عواطف الأم.‏

وهنا تكتمل المأساة بنقل كل ذلك إلى جيل المستقبل‏

- وفي الحقيقة إن تيار التحرير لم يتناول بالعناية إلا الأمور السطحية في حياة المرأة, وأما تحرير الفكر والنفس فلم ينل من العناية ما ينبغي, هذا عدا عن أن دعوى المساواة الكاملة بين الجنسين قد أضرت بالمرأة أي إضرار فحرمتها من أنوثها وأمومتها واستقرارها النفسي وقست عليها إذ حرمتها الضمان المادي الذي فرضه الإسلام على الرجل والذي أعانها على التفرغ لتربية أولادها.‏

ما المخرج من هذا التخلف?‏

إنني أتوجه إلى المرأة أن تستنفر جهدها لاستعادة دورها وأن تعتبر العقبات تحديات محركة ودافعة إلى التغيير, وكما أثبتت المرأة المؤمنة أنها قادرة على التفوق العلمي الأكاديمي بعد أن شقت طريقهاوسط المقومات, فإن بإمكانها أن تثبت ذاتها في إعادة بناء الأسرة وحسن توجيهها.. والمساهمة في نهضة المجتمع في كل المجالات, إن بإمكانها أن تصحح النظر إليها بتخليها عن ثوب الجهل والتفاهة والتقليد الأعمى, وعندما تستعيد إحساسها بالكرامة التي منحها الله لبني آدم وتنطلق في درب العلم والبذل والعطاء, فإنها تفرض وجودها واحترامها , ولن يقدر أحد أن يستهين بها.‏

وأتوجه إلى علماء الأمة أن يساعدوها على ذلك بكل إمكاناتهم, وخاصة بتوعية الجنسين بدورهما في الحياة.‏


جريدة الثورة