تشير كلمة مواطن تاريخيا إلى كل عضو داخل مجتمع أو دولة وبصفة أعم إلى كل شخص يعترف بسيادة هذه الدولة التي يمكنه أن يطالبها بحمايته ولم يكن مصطلح "مواطن"يدل في الجمهوريات القديمة على كل ساكن بالمدينة بل بالأحرى على كل عضو حر في الدولة يساهم في تسييرها ،ذلك أن مصطلح civitas الذي يشتق منه المصطلح الفرنسيcite المدينة لا يغطي فقط مفهوم الجماعة المحلية بل الدولة بصفة عامة ،أما فكرة المواطنة المعبر عنها من قبل أرسطو تعني أن للمواطنين الحق في المشاركة في الوظائف التشريعية والقانونية ضمن جماعتهم السياسية ،ومثل هذا الحق لا يمنح إلا نادرا للأشخاص الذين ولدوا خارج الوطن ،ففي روما مثلا نميز بين فئتين من المواطنين :الأوائل يحضون بحقوق مرتبطة بالمواطنة وتتمثل في حق الاقتراع في الجمعية العامة(مجلس الشعب)أما الآخرون فيمكنهم تحمل مسؤوليات في الدولة .إن المواطنة المكتسبة بالولادة في روما يمكن أن تمنح كذلك بواسطة التجنس أو كهبة في مقابل خدمات مقدمة للدولة أما في عصرنا الحالي يمكن للإنسان أن يملك جنسية مزدوجة فهو معترف به رسميا كمواطن في الدولتين معا أما المشكل هنا فيطرح في الحالة التي يكون الطفل المولود بالبلد من أبوين أجنبيين عن هذا البلد ،كما أنه من الممكن للأجنبي أن يطالب بحقه في الجنسية.
أسست "معاهدة ماستريخت" الموقعة بتاريخ 07/02/1992 لمواطنة للاتحاد الأوروبي وهي تمنح لكل شخص جنسية الدولة العضو في الاتحاد ذلك أن المواطن الأوروبي له الحق في التجوال والاستقرار بحرية في الدول المنخرطة في الاتحاد بالإضافة إلى تمكينه من حقه في الاقتراع في الانتخابات المحلية في الدول العضوة التي يتواجد بها ونفس الشيء ينطبق على الاقتراع في البرلمان الأوروبي.
المواطنة /منظور تاريخي
كانت المواطنة تشير في العصور الإغريقية والرومانية إلى كل إنسان مدعو بثروته وجاهه إلى ممارسة سلطة سياسية وتسيير شؤون المدينة ،فإذا كان الإغريق هم الذين أبدعوا المدينةPolis باعتبارها جماعة من المواطنين فهم أبدعوا بالإضافة إلى الاسم الشيء نفسه،أما الرومان فبممارستهم للمؤسسات منحوا المعنى لمفهوم المواطنة ،لكن في القديم لم يكن المواطن هو الذي يسكن المدينة والسبب هو أن الجسم المدني ليس مطابقا للجسم الاجتماعي . تخول المواطنة بالإضافة إلى الحقوق واجبات ،فدستور أثينا للقرن 4ق م ودستور "Atonineلسنة 212م المسمى أيضا بدستور Edit carcallaيتفقون على هذا الأمر ذلك أن مسألة كسب صفة المواطنة وممارسة الحقوق المرتبطة بها كالمشاركة في المناسبات العمومية هي مسائل منظمة ومقننة بواسطة نصوص أو بواسطة ممارسة عرفية وهي تشكل عنوانا أكثر منها حالة ،فالمواطن هو الذي يحكم بأنه يملك الصفة ليكون كذلك ومنذ ذلك الزمن لايحضى كل الأشخاص بهذه الصفة .
إن القاسم المشترك بين الإغريق والرومان في نظرتهما إلى المواطنة يكمن في كون الكل لا يمكنه ممارسة الوظائف السياسية فلا يستحق صفة المواطنة إلا الممتازون والمؤهلون أما مقاييس هذا الاستحقاق فهما الثروة والجاه والتي يمكن أن تتأتى من بطولات عسكرية أو عن طريق الإرث.وفي الحالة المعروفة لا بد أن ينحدر المواطن من أبوين ينتميان إلى نفس المدينة وبدون اعتبار ظروف الأم حيث يمكن للابن المنحدر من أب مواطن أن يتقلد هذا الامتياز وأن عدم مواطنة الأب الأجنبي أو العبد مبطلة لولوج الابن إلى هذا الامتياز،أما منح المواطنة كهدية فنادر جدا بالرغم من أنه حصل سنة 406ق م بالنسبة للأجانب الذين قدموا خدمات في الحروب اليونانية.تتجسد صفة المواطن المدمج من خلال "الإحصاء"وهو ممارسة قديمة يتم التمييز انطلاقا منها بين مختلف أعضاء المدينة حسب انتماءاتهم العائلية ،الطبقية الخ ويمنحهم مكانة ما ضمن المدينة ، هكذا يقيم الإحصاء تراتبية بداخل الجسم المدني. بجانب التراتبية اليونانية _التي تميز بين حقوق مدنية وحقوق سياسية_ تعكس روما صورة مجتمع سياسي أكثر "ديموقراطية"فالكل يشارك في الاقتراع ،مع ذلك يؤدي الإحصاء إلى التمييز الدقيق لأقلية من المواطنين مدعوة للمشاركة في الحياة المدنية _أولئك الذين لهم مساهمة فعالة في الإحصاء تخول لهم ولوج مناصب مهمة _وكتلة مدنية ذات تأثير سياسي ضعيف وبالعكس فإن اليونان الذين يعينون موظفيهم الكبار حسب قانون القرعة يتسلحون بممارسة سياسية تسمح من الناحية النظرية بتجنب تشكيل "نبل مواطني"يعيش على مزايا مكتسبة. بالنسبة للقدماء لايمكن أن نتحدث عن تسيير ممتاز غير هذا المؤسس وفقا لهذا المبدأ ،بما أن اللامساواة التراتبية الجلية التي يرتكز عليها معدلة بإنصاف مستساغ.هكذا فإن المواطنة لا تتقدم على شكل نموذج مثالي فريد لأن الواقع يدعو باستمرار للحديث عن المواطنين(صيغة الجمع هنا ضرورية)فهذا التمييز المواطني الذي يوجد عند الإغريق كما عند الرومان يتقوى وفق منطق الإدماج أو بالعكس وفق قوة الإقصاء الذي يتصدر منح صفة المواطن.
فرضت روما نفسها كقوة منفتحة على الشعوب الدخيلة وهكذا استطاعت أن تضم لإمبراطوريتها خليطا من الشعوب اللاتينية الحليفة التي أدمجت إلى الشعب الروماني .إن la civitas sine suffragio لهذه الشعوب ليس في أصله مواطنة كاملة كما توحي بهذا العبارة بل هم خاضعون فقط لمساهمات متعلقة بوضعيتهم الجديدة،فسكان هذه المستعمرات احتجوا على وضعيتهم الدونية المفروضة عليهم مما جعلهم يثورون ضد روما ومما جعل مجلس الأعيان يستاء من الأبعاد السياسية والنتائج العسكرية لهذه المسألة اللاتينية فصوت ابتداء من 9ق م على قوانين تمنحهم مواطنة كاملة .نتيجة التاريخ هذه والذي يخفي تطوره خصوصا في روما بشكل سيئ الخلفيات الفكرية السياسية لمسألة منح المواطنة،يشكل وسيلة غير مكلفة لشراء الحرية ولا يجب أن يغطي هذا التمييز قوة الجذب التي يمثلها قانون المواطنة فقبل الولوج إلى الشرف فإن الرومان والإغريق انشغلوا منذ مدة بوعي مواطني معبر عنه بإرادة عيش نصيبهم والدفاع عن المصالح الجماعية ويتحرك هؤلاء ضمن مجالات أساسية تشكل حقل التعبير بالنسبة للمواطنة.
مهنة المواطن_ الوظائف السياسية للمواطن.
تشكل المساهمة في الحياة العمومية المظهر الأول لدور المواطن وتتجسد في المعمار نفسه للمدينة وهذا الفضاء العمومي هو نصبي فهو L Agoraالآغورا اليونانية وle forum الفوروم الروماني وهي فضاءات للتداول يساهم الشعب من خلالها في القضايا المشتركة وهي تعكس صورة شعب يتداول قضاياه الخاصة بنفسه ،ذلك أن الشكلية القانونية التي تتصدر تجمعات هذه الجموع المتشاورة فيما بينها تبعدها في الواقع عن ما يمثل الجوهر السياسي ذاته ، يصدق هذا على روما التي تتقدم أمام أعين العالم تحت تنظيم ثلاثي يضم الحكام القناصل ، الجمعية العامة، ومجلس الشعب 0وهذه الأخيرة فهي وإن لعبت دورا مهما في الجمهورية تميل مع ذلك إلى أن تكون غرفا بسيطة للتسجيل خصوصا مع ثلاثية سيزار ،كراسيوس،وبومبي.إن هذا الانحراف الروماني للوظيفة الانتخابية كان أقل عند الإغريق الذين يعرفون مبدأ النصاب وأعطوا بهذا قيمة لمجالس الشعب التي كانت تجتمع وتتداول بعدد أقل للتصويت.
المواطن_ الجندي.
تتعلق الوظيفة الأخرى التي لا تنفصل عن قانون أو وضعية المواطن بمهنة السلاح وتحددها المدينة الحربية لإسبارطة كوظيفة أساسية ، وهذا ما نجده في روما ذلك أن كل روماني يعتبر جنديا وهذا الواجب هو جزء متمم لغريزة الحفاظ عل المدينة فالتسجيل في الإحصاء يؤدي آليا إلى تعلم مهنة الجندية والاندماج في الجيش ،فهذا الشكل الوطني للدفاع الساري في روما يتعارض مع النظام الإغريقي الذي بعدما عرف جيشا مواطنا Les Hipolites أصبح يلجأ أكثر فأكثر إلى خدمات جيوش مرتزقة (هذا القول له علاقة خصوصا بالتصور الإغريقي والروماني للشعوب الدخيلة.)
المساهم/المكلف
ليست ضريبة الدم هي المطلب الوحيد من المواطن ذلك أن المساهمة في تحمل الأعباء العمومية يشكل أيضا واجبا وطنيا ومع ذلك ففي الوقت الذي يكون المواطن/الجندي مجند باستمرار لا يكون المواطن المكلف مطلوبا إلا دوريا(وفي أوقات معلومة).
قديما كانت الضريبة غير مباشرة: رسوم على السلع على العقار أو حق المرور وهي العناصر الأساسية للضريبة فالمساهمات الإرادية هي بدورها محدودة في الزمان وفي الموضوع ولاتهتم مبدئيا إلا بتمويل الحرب وهي كذلك ممكنة السداد ذلك أن المكلف/المؤدي هو أيضا الجندي المجازى بالغنيمة التي توزع اثر الانتصار فالضريبة ثقل بالأساس على الأقاليم والشعوب الخاضعة للمنتصرين.
مواطنون وغير مواطنين
إذا كانت المواطنة صالحة لتوحيد الجماعة فإنها صالحة لفردانتها بغية تمييز أعضاء المدينة من أولئك الذين ترفضهم فالمواطنة القديمة لعبة دياليكتيكية تضم أكثر مما تقصي فالذين هم موضوع إقصاء هم النساء والعبيد والأجانب.
النساء
يبرر عدم مشاركة المرأة في الحقل السياسي في روما بوضعيتها(فهي قاصرة أبدية عكس الطفل الذكر)وهي "ما بين الطبيعة والمجتمع" ونفس الشيء بالنسبة "للمواطنة"فالمنحدرة من أصل مواطني ليس لها حق الملكية.
العبيد
المواطن إنسان حر بالضرورة وليس "شيئا"يملك السيد مصيره ،فتبعية العبد القانونية والاجتماعية والمادية تمنعه من ولوج المواطنة كما أنه يجدر بنا التمييز بين شكلين من العبودية تعايشا منذ القديم ذلك أن المدن اليونانية وروما تعرف ممارسة العبودية القطيعية المشكلة من أسرى الحرب والمنهزمون الذين يتم شراؤهم وبيعهم بحرية ،وبجانب هؤلاء العبيد يوجد شكل من أشكال العبودية الأكثر تدجينا ويتمثل في الخدم ذلك أن العبد المرتبط بعائلة معينة يحضى ببعض الحقوق إلا أن اليونان والرومان يرفضون عبودية الشعوب ذات الأصل الإغريقي واللاتيني حيث عتقهم يكون طبيعيا ذلك أن العبد المحرر يتحول إلى مواطن.
الأجنبي/الغريب
إن وضعية الأجنبي تشكلت بالأساس وفي نفس الوقت مع وضعية المواطن فإن تحديد "من هو"يؤدي تحت غياب سلطة التمييز إلى "من ليس هو"ففي أثينا يشار إلى هذا الغريب بمصطلح الدخيل Meteque وهو يعني حسب الاشتقاق اللغوي "من يقطن مع" وبما أنه إنسان حر فهو محمي من قبل قوانين المدينة لكنه لا يساهم في الحياة السياسية ولا يمكنه امتلاك أموال ثابتة.
في القرن 5قرن "بيراكليس"تم وضع قانون خاص بالأجنبي يلزمه بتأدية رسوم الإقامة ويخضع في نفس الوقت لمجموع الالزامات الضريبية المفروضة على المواطنين كما أنه مدعو للخدمة في الجيش،فهذا الاعتراف بمواطنة ناقصة غير كاملة يمنع الدخلاء من كل مساهمة في الحياة المواطنية ولو كانوا يملكون ثروات .في ظل الغزو الروماني كان الأحرار من غير الرومان لاتينيون أو مغتربون يحضون بالحقوق المحلية ولا يلجون المواطنة الرومانية الكاملة إلا متأخرا مثلا في القرن 1ق م بعد الحروب الاجتماعية وفي القرن 3ق م بالنسبة للمغتربين عندما منح Carcalla صفة المواطنة لكل رعايا الامبراطورية.
نحو اسم بدون محتوى
لم تستطع المواطنة المنظور إليها باعتبارها مثالا للحياة المشتركة حيث يتمكن المواطن البسيط من الاعتزاز بالانتماء إلى جماعة، مقاومة أحداث وممارسات حياة سياسية أفرغتها شيئا فشيئا من محتواها ،بدون شك لم يختفي المواطن مع بزوغ الإمبراطورية الرومانية لاستمرار "مزايا"قانون يحمي الفرد،لكن المواطنة غيرت تدريجيا من طبيعتها وكان هذا صحيحا بالنسبة لروما فالوظيفة الاقتراعية التي تمثل حجر الزاوية لفعالية المواطن لا تصلح إلا للمصادقة على القرارات التي تتخذها الأقلية الحاكمة وهذا ما يعلن عن قرعة حزن المواطنة الديموقراطية في العهد القديم.
إعداد : قويدر عكري