رحلة إلى الأعماق
قصة من الخيال العلمي في حلقات
الجزء الثامن
نزار ب. الزين*
*****
أبطال القصة :
د.عبد الله من المغرب تخصص ألكترونيات و برمجة و هندسة الحاسوب
د. هشام من سورية تخصص معادن و سبائك معدنية
د. مجدي من مصر تخصص جيولوجيا و طبقات الأرض و علم الزلازل و البراكين
د. حمود من الإمارات العربية المتحدة /أمارة دبي تخصص كيمياء ، فرع النفط و الصناعات النفطية
د. رياض فلسطيني يعيش في الأردن تخصص ميكانيك و محركات ثقيلة .
*****
في طريق عودتهم إلى المركبة ، باغتتهم رؤية مخلوق يشبه العقرب إلا أنه عقرب عملاق يزيد طوله عن المترين ، و هو بدوره بلا عينين و حتى بلا قرني استشعار ، بدا و كأنه خرج من الماء لتوه ، يقفز فجأة فوق ظهر واحدة من تلك السحالي العملاقة ، يلدغها بابرته الأطول من منقار مالك الحزين و المُركّبة في نهاية ذيله ، فتتفض السحلية و ترتعش مزلزلة الأرض من تحتها ، ثم تنفق خلال دقائق ؛ و فجأة يخرج من ماء المحيط عقربا آخر بدا أنها أنثاه فقد اعتلى ظهرها أو تبعها عدد كبير مما بدا أنها فراخ العائلة الصغار ، و بدأ الجميع بالإلتفاف حول الوليمة الجبارة و باشروا بالتهامها .
" لعلها تعيش في عالم شمي ، كما يعيش النمل ! " علق الدكتور مجدي ، فأجابه الدكتور عبد الله باشمئزاز : " المسلح يفتك بالمسالم حتى في أعماق الأرض ، يا لها من معادلة موغلة في الوحشية ! "
*****
و إذ دخلوا المركبة و تحرروا من فقاعاتهم فوجئوا جميعا بأن ايا منهم لم يلتقط أية صورة ثابتة كانت أم متحركة ، لمشهد العقرب و أفراد عائلته بالغي الشراهة ؛ فقد ألجمت الدهشة عقولهم عن التفكير بتسجيل ذلك المشهد الفريد المرعب ..
يسألهم الأمير نمرود ، بعد أن هدأ انفعالهم و توقفوا عن تعليقاتهم :
- نحن قريبون نسيبا من سيبيريا ، فهل تفضلون المرور بها لأطلعكم على أمر يهم الدكتور حمود كثيرا ، أم تفضلون الإطلاع على تجمع آخر للماء العذب ؟
تختلف الآراء فيقترح الدكتور عبد الله قرعة ألكترونية ، فيوافقون على ذلك بالإجماع . يسجل الدكتور عبد الله على حاسوبه كلمة ماء ، ثم كلمة نفط ، ثم يترك للحاسوب أن يختار بينهما ؛ و إن هي إلا ثوان حتى ظهرت على شاشة الحاسوب كلمة نفط .
تهللت أسارير الدكتور حمود ، و صاح جزلا : " هيا يا دكتور رياض ، الخيرة فيما اختاره الله ، هيا إلى سيبيريا ."
كان نمرود قد اقترب من الدكتور رياض و بدأ يرشده إلى الطريق التي عليه أن يسلكها ، ثم تحركت المركبة .
*****
خلال خمسة عشر دقيقة تمكنت المركبة من اختراق باطن أرض الصين باتجاه الشمال مع انحراف بسيط نحو الشمال الغربي ، عندما أعلن الدكتور عبد الله أن المركبة الآن في أعماق الروسيا ، شرقي سيبيريا تحديدا .
قال لهم الأمير نمرود :
- أنتم الآن في مصنع أنشأته الطبيعة لصنع البترول ،
فغر الدكتور حمود فاه دهشة و انفعالا ، ثم سأل الأمير نمرود
= هل أنت تؤكد بكلامك هذا ما يشيعه بعض العلماء هذه الأيام من أن البترول غير قابل للنضوب ؟
يجيبه الأمير نمرود بكل ثقة :
- النظريات المتداولة حتى الآن تشير إلى أن مصدر البترول هو عبارة عن بقايا عضوية ، هذا صحيح في جانب ضيق من الحقيقة ، إلا أن الحقيقة الأساسية أنه تحت تأثير ضغط الأعماق الكبير و الحرارة الهائلة فإن هايدروجين الماء الموجود بكثرة في الأعماق كما شاهدتم بأنفسكم ، يندمج بعنصر الكربون الموجود بكثرة أيضا ليشكلا معا البترول الخام ، و هي عملية مستمرة و صناعة طبيعية لا نهاية لها .
يجيبه الدكتور حمود :
= هذا يعني أن البترول سيغرق العالم و بأسعار رخيصة ...
فيعلق الدكتور عبد الله قائلا و بشيء من الأسف :
= و يعني أيضا أن مشكلة التلوث سوف تتفاقم !
*****
بمساعدة كرزون يحيط الأمير نمرود المركبة بفقاعة من المادة المعتمة ، ثم يحيطا معا كل من العلماء العرب الخمسة بفقاعة من المادة نفسها ، تمكنهم من الخروج و التجوال بيسر .
المكان كهف منخفض السقف ، و في وسطه تجمع سائل أسود داكن ، و بواسطة أنبوب يشبه عود القصب المفرغ ، تمكن الدكتور حمود من اختراق فقاعته و شفط جزء من السائل ، و سرعانما صاح بأعلى صوته : " إنه نفط .. بترول .. بترول "
*****
بعد جولة قصيرة فوق سطح البحيرة النفطية هذه ، عادوا إلى مركبتهم و بدؤوا يغوصون في أعماقها ، جامعين ما تيسر لهم من عينات ، بينما انهمك الدكتور عبد الله بقياس البحيرة ، و كانت النتيجة ، أنها تعادل بحيرة طبريا مساحة ، و أن عمقها يتراوح بين ثلاثة إلى عشرين مترا ، و كانت مفاجأتهم الثانية أن أعماق هذه البحيرة مكون من الماء الفائر من شدة الحرارة ، و أنه ماء مشبع بالكبريت ؛ و قد شاهدوا و سجلوا كيف يصعد البترول إلى الأعلى على شكل خيوط سوداء أو على شكل دخان أسود ..
قال لهم كرزون موضحا :
- تحت قاع هذه البحيرة مخزون هائل من الصخور الكربونية تنتشر في عمق كبير ؛ الكربون يتفاعل مع الأبخرة المائية التي تتجاوز حرارتها ألفي درجة مئوية و الصاعدة من أعماق القشرة الأرضية مخترقة شقوقها الكثيرة ، و تحت ضغط يتجاوز 150 كيلوبار يتم اندماج الكربون بهايدروجين الماء لينتج النفط .
و يضيف الأمير نمرود :
هذه البحيرة تقع في عمق أربعة آلاف متر ، و لكن هناك بحيرات أقرب إلى سطح الأرض و أخرى أعمق من هذه ، و تتراوح مساحاتها بين 100 هكتار و ألوف الهكتارات ، و هي مساحات متواجدة في الكثير من أنحاء العالم ، تم اكتشاف قليلها و لا زال أكثرها مجهولا .
============================
=========================