الأنامل السحرية للواسطة!!

--------------------------------------------------------------------------------


قد يكون الفارق الزمني مجرد دقائق اضافية من الانتظار...لكنّ الجرح المعنوي المترتب على الاحساس بالغبن وعدم المساواة عميق وثقيل في مواجهة تلك الظاهرة السلبية المتمثلة بالواسطة! ذلك السرطان الاخطبوطيّ ذو الاذرع المتعددة ما ظهر منها وما خفي، والذي تغلغل في جسم المجتمع وتعدى كونه استثناءات وحالات فردية تبرز على استحياء بين فينة واخرى ليصبح ظاهرة مستشرية وواقعا مفروضا على المواطن شاء ام أبى...

حالة من الاستفزاز والاحباط والسخط الممزوج بالذل يفرضها منطق الواسطة فالحاجة للدفاع لنيل ما هو حق صريح وبذل الجهود الكبيرة للوصول لمكتسبات مستحقة امر شاق وثقيل على النفس، خاصة حين تفكر فيما تخفيه ''الواسطة'' فضفاضة الضمير وواسعة الذمة في تلافيفها ودهاليزها من تلاعب وتجاوز واعتداء على حقوق الآخرين يفوق كثيرا ما يكتب له ان يظهر ،لكن القليل الظاهر كاف لخلق تلك الحالة من القهر والألم العاجز والتي يصعب على الكثيرين -وأنا منهم- التعامل والتأقلم معها وتجاوزها رغم تعدد التجارب وتجددها وبروزها على صفحة المجتمع وتغلغل ''ثقافة الواسطة'' في منظومة القيم الاجتماعية والتربوية بصورة مؤسفة حقا! بحيث غدت اسلوب تعامل ومنهج سلوك وبات من لايمتلك مظلة واسعة من العلاقات الاجتماعية الانتهازية المفرغة من الصدق والديمومة والمتوزعة في مراكز ومواقع مختلفة بات معرضا للتاخير والعرقلة و''سمّة البدن''في انجاز معاملاته واحقاق حقه ومكتسباته الوظيفية وتحسين حياته...! قد تكلفك الواسطة اذن مجرد دقائق انتظار اضافية وانت تقف في طابور حين تتفاجأ باحدهم ينسل بخفة واثقة متجاوزا المصطفين ليحظى بأفضلية الوصول لمبتغاه قبل الآخرين حتى ولو كان قد وصل للتو!!هذا في ابسط الحالات وأقلها تعقيدا وقد تكلفك ساعات وسنوات وخسارة تطور نوعي في الوظيفة وتغيير ايجابي في مجرى الحياة!! فرص ومستحقات عديدة تجدها تسلب منك بعلمك او بعدمه لا فرق!اذ تجد نفسك في الحالتين عاجزا عن اثبات فرصتك وحقك، فثمة ذرائع جاهزة ومخرجات معدة سلفا تصدك وتردعك وهي عارية من الحق ومكفّنة بثوب الادّعاء المزركش لكنّها قادرة على أن تلون الألوان بغير لونها وتلبس الكذب ثوب الحقيقة وتموّه المعطيات وتتلاعب بالكلمات ... انّها الواسطة التي باتت اساسا في التعامل وضرورة لانجاز ابسط المعاملات واقلها تعقيدا...

واتساءل:كيف تقف القوانين صخرة صلدة لا حياة فيها ولا احساس وتستحيل عجينة تتشكّل حسب الطلب اذا مستها الأنامل السحرية للواسطة؟! وهل صفة المواطنة بما تتضمنه من حقوق وواجبات ينص عليها ويكفلها القانون ..هل غدت غير كافية وحدها لينال المواطن ما يستحقه من الاحترام وصون الاحقية ليحس بانسانيته وكرامته على تراب وطنه؟!

ابو حاتم الحربي -الحصن النفسي