أهمية اللغة في قاموس العمل الابداعي
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ميلان كونديرا

يذهب الأدباء في استخداماتهم للغة في اعمالهم مذاهب شتى... تطلعاً منهم لبلوغ مراتب متميزة من الابداع...وفي كتابة«الأدب الملتزم» يشير «جان بول سارتر»... إلى ان النثر يستخدم اللغة ليوصل رسالة، فغائية اللغة هنا هي هذا التوصيل، أما في الشعر... فإن الكلمات تُستخدم لذاتها وشكلها ولجدلية علاقاتها المتبادلة، فالشعر هنا ليس مطالباً بتوصيل معنى وكذلك هو شأن الرسم والموسيقا المجردة والصافية، ولكن «الشكلانيين» يؤكدون على عدم غائية اللغة ويرون ان القصيدة أحياناً تتوسل بالمعنى لتحقق شعريتها... دون ان تسعى مسعى حقيقياً لتأكيد أو توصيل معنى ما من المعاني وهذا ينطبق على النثر والشعر معاً- وهذه هي وظيفة الأدب الحقيقية وأصحاب مدرسة«اللامعقول» فهم يمثلون الاتجاه العام لما بعد الحداثة، إذ يرون ان اللغة لا تستطيع التوصيل لأن الكلمات تحمل دائماً معنى ولكنه معنى ملتبس، وهناك من يرى ان المعنى متعدد المستويات، اذ نجد طبقات من المعني داخل النص، ولهذا تتعدد القراءات للنص الواحد بتعدد القراءات من القراء المتعددين، وهذا ما يراه أصحاب «علم اجتماع القراءة» وبين كل هذه الاتجاهات يبرز اتجاه يحاول ان يفرغ الكلمة من معناها، كما هو في القاموس العام، وان يشحنها بدلالات جديدة، فالسريالية تريد ان تحيل الاشياء لمجازات، وان تحيل المجازات الى أشياء، وهذا ما فسره«كونديرا»، اذ يرى ان الانسان يحوّل الواقع ...الى رمز..وهذا بالضبط ما فعله الروائي «فرانزكافكا» في روايته «المسخ»، حينما قام بانقلابه التعبيري الذي جعل الواقع رمزاً والرمز واقعاً..وهذا ما استفاد منه الشاعر ادونيس في قولهنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيأريد ان أجعل للحجر شفاه الأطفال) أما الشاعر محمد عبد الحي... فيجعل من اللغة حصاناً وحشياً قابلاً للاخضاع التعبيري، وإن الشاعر الحقيقي هو ذلك الذي يروّض اللغة ويجعلها طيعةً في التوصل، وعبدالحي ينظر في اللغة إلى مستواها الأسطوري وإلى مستواها التاريخي والموسيقي، ويتابع نموها في ميلادها الأول..وفي زمانها البدائي وكيف أنها تتشرنق ما بين الدودة والفراشة...وأنها غزالة وفهد وسمندل، وهي كائنات تتشكل وفق طقسها وفصولها...في عصورها الجليدية والممطرة والجافة واللغة عند عبد الحي هي أداة تطوع لتوصيل المعنى فالقصيدة هي كائن عضوي ينمو داخل اطار مفهومي تاريخي واجتماعي ورسالي، وعبدالحي، يتفق مع الشاعر الناقد (أرشبيلا ماكليش) حول القصيدة التي تصنع برنامجاً.



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
فرانزكافكنا


ان أجمل قصيدة نثر هي تلك التي تبحث عن الكلمة المعنى-حينما تصبح القصيدة جهداً، ينظم المعاني، ويصل الى العمق الانساني حينما ينفذ عميقاًمخترقاً قشرة الكلمة ليصل الى اللب...الى ذلك المعنى، الذي لا ينضب من الرؤية الجديدة المدهشة التي نكون قد رأيناها الآن للمرة الأولى..كما لو كان هذا العالم يتكوّن أمام ناظرينا قطعةً فقطعةً... وهذه هي سمة الكتابة الرائعة... الكتابة التي تمزج الذاتي بالموضوع.


محمد كشك