صبّاغ الثياب

كان في سالف الزمان رجل نشيط اسمه المعلم حسن، يعيش في مدينة من مدن الهند. وكان للمعلم حسن اخلاق طيبة وسمعة نظيفة وعلاقة رضية مع الناس. وكان عمله صبغ الثياب او غسلها او تنظيفها. وكانت كل الثياب التي تخرج من بين يديه ثيابا وكأنها رجعت جديدة لشدة نظافته وحبه لعمله.
للمعلم حسن عائلة من زوجة طيبة وصغار سبعة، اربعة اولاد وثلاث بنات. وكان المعلم حسن ينفق كل ما يربحه من عمله على عائلته لأنه يحبها حبّاً جمّا، ولا يهمل لها اي طلب، فهي كل حياته.
يتركها عند الصباح، وعندما يعود مساء يعود مشتاقا لرؤيتها كما يفعل كل اب يحب عائلته اشتهر المعلم حسن ووسع عمله وازداد ربحه، وانتقل من فقر الى غنى، وانتقلت معه حال عائلته، فازداد اهتمامه بها وسهره عليها.
وكان للمعلم حسن جار خزاف اسمه حامد، وهو عامل كسول. يجلس طيلة النهار عند باب محله يراقب المارة ويتحدث مع من يراه كسولا مثله. ويعود آخر النهار الى البيت فارغ اليدين الا من القليل من عمله. وغالباً ما كان المعلم حسن يحثه على العمل، ولكن عبثا.
اما حامد، فكان يغار من المعلم حسن ويحسده ويحلم ان يكون له محلاً كمحله. ولكن، كيف الوصول الى ذلك وهو متخاذل، كسول، ضعيف الارادة، يفضل ان ينام طيلة النهار ويحسد غيره طيلة الوقت على ان يصنع ولو ابريقا صغيرا.
مرّ الزمان والمعلم حسن يزداد شهرة وغنى، وحامد يزداد حسداً وغيرة. وراح حامد يفكر بحيلة يوقع فيها المعلم حسن فيخسر كل شيء.
كان حامد يفكر في الحيلة الشريرة في الليل والنهار، وهو يأكل ويشرب ويحدث الناس، حتى تفتقت له فكرة فرح لها، وانتظر شروق شمس اليوم التالي لينفذها.
في صباح اليوم التالي، نهض حامد وقصد قصر حاكم المدينة، وحاول ان يدخله، فطلب اذناً من الحاجب وانتظر. غير ان حاكم المدينة كان كثير العمل، فلم يستطع حامد ان يقابله. وبعد يومين، مرّ الحاكم في شوارع المدينة على ظهر فيل مزيّن بالوان جميلة.
رآه حامد، واشتد تصميمه بأنه يجب ان يراه بأي ثمن. فنهض مسرعاً ثم وقف امام الحاكم، وقال بصوت مرتفع:
يا سيدي الحاكم!
فانتبه الحاكم لصوت حامد الذي قال: اريد ان اراك لأمر لا بد انه سيسرك، ولكن حاجبك يرفض ان يدخلني عليك.
فقال الحاكم لمرافقه: «قل لهذا الرجل اني انتظره غدا».
وفي الغد، ذهب حامد الى القصر. وعندما حضر بين يدي الحاكم قال له: «صباح الخير يا سيدي الحاكم».
فقال الحاكم: اوقفتني البارحة وقلت ان لديك فكرة ستعجبني، فما هي؟
ان لك يا سيدي الحاكم فيلاً جميلاً، الا انه يشبه كل الفيلة، فلو صبغته بلون ابيض، لكان اجمل فيل بين كل الفيلة وكل المدن.
سر الحاكم بفكرة حامد وقال له: «انها فكرة جميلة، ولكن كيف السبيل الى تنفيذها»؟
فقال حامد: «ان جاري يا سيدي الحاكم صبّاغ ماهر مشهور، وهو وحده الذي يستطيع ان يصبغ الفيل ويحوله من لونه الاصلي الى اللون الابيض، من غير ان يتبدّل لونه او يبوخ بعد ذلك امر حاكم المدينة باحضار المعلم حسن الى القصر. وعندما حضر المعلم حسن بين يدي حاكم المدينة، قال له الحاكم: علمت انك صبّاغ ماهر، فقد اخبرني بذلك جارك حامد الخزاف، وان لي طلبا اليك».
فانحنى المعلم حسن احتراماً وقال: «ارجو ان البي طلبك يا سيدي الحاكم».
قال الحاكم: «احب ان اغير لون الفيل الذي لدي. اريد لونه ابيض».
احنى المعلم حسن رأسه، وعرف ان هذه الفكرة هي فكرة جاره حامد الخزاف، فهو يريد ان ينتقم منه. وطالت انحناءة المعلم حسن. فقال له حاكم المدينة: «اراك يا معلم حسن تطيل التفكير».
فقال المعلم حسن: «اني افكر بأمر مهم، وهو انني اذا اردت ان اصبغ لك الفيل، علي ان اغسله في وعاء مصنوع من الفخار يكون حجمه اكبر من حجم الفيل، يتسع له عندما ندخله فيه. ولا يستطيع احد ان يصنع هذا الوعاء الا حامد الخزاف».
ارسل الحاكم وراء حامد، وطلب اليه ان يصنع وعاء كبيراً يسع الفيل عندما سيغسله المعلم حسن ازداد غضب حامد وعرف الحيلة التي اوقعه فيها المعلم حسن جزاء له. غير انه لا يستطيع الا ان يلبي ما طلبه الحاكم منه، فذهب الى محله وراح يعمل ليل نهار هو وبعض العمال حتى فرغ من صنع الوعاء، فعاد الى الحاكم واخبره ان الوعاء جاهز. وكان قد مضى على عمل حامد في الوعاء ثلاثة اشهر.
جاء المعلم حسن بالفيل وادخله في الوعاء وحامد ينظر اليه مغتاظ القلب. لكن ما ان دخل الفيل في الوعاء حتى تكسر قطعا قطعا. فأعلم المعلم حسن الحاكم بذلك. فأمر الحاكم حامد ان يصنع وعاء آخر.
فراح حامد يعمل ستة اشهر هذه المرة، ويقوّي من الخزف خوفا من ان ينكسر عندما يدخل فيه الفيل. ولما انتهى وجاء المعلم حسن بالفيل وادخله الوعاء عاد الوعاء، وانكسر مجدداً.
غضب الحاكم غضباً شديداً وامر حامد الخزاف ان يصنع وعاء لا ينكسر والا فسيحكم عليه بالسجن.
عاد حامد الى العمل وهو ممتلئ بالحقد والغيظ على المعلم حسن الذي يمضي النهار في العمل الذي كان يعمله من قبل وهو مسرور.
مرت سنة كاملة، انهى حامد العمل في الوعاء واخبر الحاكم بذلك. وجاء المعلم حسن بالفيل وادخله في الوعاء الا ان الوعاء عاد وانكسر، واشتدّ غضب الحاكم وامر ان يسجن حامد، فسجن.
اما المعلم حسن فأخبر الحاكم ان الفيل لا يصبغ كما قال حامد. غير ان حامداً لحسده وغيرته، اراد ان يوقعه في مشكلة يقنع حاكم المدينة بها.
ادرك الحاكم حيلة حامد، وامر ان يسجن سنة كاملة. وطلب الى المعلم حسن ان يلازم قصره وهكذا كان زجّ حامد الخزاف في السجن، واما المعلم حسن فقد اصبح اعزّ صديق لحاكم المدينة.