مقدمة كتاب ... إفطار بالأفكار


--------------------------------------------------------------------------------



عندما ينحصر التدين في إقامة شعائر تراتبية موروثة عن الآباء وتفصل النصوص الدينية المقدسة عن غاياتها ويحمل المتدينون توراتهم وانجيلهم وقرآنهم.... ثم لم يحملوها , فإن ذلك مؤشر خطير يلفت انتباهنا إليه ربُّ العزة من فوق سبع سماوات
إن ياأيها الإنسان الذي خلقته في أحسن تقويم .
مابالك تستغرق في البهيمية وكأنك الحمار الذي يحمل أسفارا" وتقاوم الكلل والملل والأثقال وتسير في دروبك لاتفطن الى قيمة ماحمّـلك الإله العظيم من متون مقدسة تشرح لك الصدور وتجعل مسكنك في هذا الكون معموراً وغدك للخير والمنافع مأمولاً ...
مابالك تصد عن تنزيل النص على الواقع ... صدودا
ثم ما تفتأ تبكي عجزك عن إصلاح الحال وأنت أنت من هجر وتغافل عما اختاره الله لك منهاجا" مهيمنا , ألم يكفك في سالف الزمان قتل الأخ لأخيه وهما يتصارعان يبغيان قبول الأعمال عند ربهما , فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر
قال ..... لأقتلنك
ألم يكفك اعتبارا" بولدي آدم ..... بأن الله يتقبل منا الأعمال إذا ماهي قدمت للناس المنفعة , وأشاعت بين الأنام الخيرية وسلكت في سبيل ذلك الوسطية .
مابالك أيها ..... الإنسان ...... المسلم
وقد هدانا الله إلى لقاحات مدهشة تقينا شرور أنفسنا , فجعل لنا أيام الجمع نتواءم فيها ونتقاطر , لاوحدانا بل زرافات وجماعات نسأل الله تمام التوحد على أتقى قلب رجل من بيننا فنصدح بعد تلاوتنا لفاتحة الكتاب ... آمين .... أن يارب استجب .
وجعل لنا أيام رمضان نتكافأ فيما بيننا بالتقوى , تقوى الله طمعا" في جنته , نتقي غضبه وهو الجبار, ونيرانه يوم القرار , لكننا غافلون , إذ توحدنا موائد الإفطار وتفرقنا أرصفة الاشرار , وقسوتهم وديدنهم قد استبدل التغافر بالتغالب , حتى صارت مقتلة قابيل تتكرر في مدننا آناء الليل وأطراف النهار .
والكل يظن أنه مخلص وأنه بعمله هذا إنما يتقرب إلى مرضاة الله ورضوانه ..وهيهات

إن مادعاني لكتابة هذه المقالات الرمضانية اليومية هو توهم البعض من إخواننا الصائمين من الذين تصوم جوارحهم ولا تفعل ذلك قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة , ولا أخفيكم أنني سرت في الأرض الإسلامية الحزينة وشاهدت آيات الله في كونه المنظور فآلمني بعض الخصام بينها وبين آيات الله في كتابه المسطور فإذا لم يكن خصاما فإني رأيته بوضوح وهو يفصم عرى التفكر والتدبر في حال المسلمين وهم اليوم غلبوا على أمرهم في أدنى الأرض وأقصاها , فتحيرت كيف أبكيها تلك المواجع ؟ وهل ستكفيني دموعي وحزني الطويل يؤرقني دونما حل ولا هم يرتحل ؟ ثم مالبثت أن هداني الله إلى أن أنصت إلى كلامه المجيد وهو يؤكد ويمجد السائر في الأرض لينظر كيف هي عاقبة الذين كفروا وكيف هي الطبيعة الإنسانية التي تجعل منا محسنين لانكاد نتملص من مراقبة الله في عليائه لأعمالنا وأفكارنا بل وحتى ماتتحرك به خواطرنا وهواجس قلوبنا ومبدأ المراقبة هذا يراد تطبيقه خارج المساجد والصوامع والبيع ... أن نذكر الله ونتذكره في أسواقنا ومدارسنا ومحاكمنا ووزاراتنا ...
وأنا أعلم أن بيوتنا في العراق اليوم تزداد فيها سخونة الدموع لملايين الحيارى والثكالى والمحزونين وهم ضحايا أضخم طاغوتية عالمية وقد غرزت أنيابها في قلوب الأبرياء , فإذا كان فرعون بني اسرائيل الذي حدثنا القرآن عن قصة تجبره وظلمه لمن استضعفهم فإن فرعون زماننا لسان حاله يقول عن الأرض وقد قسمها إلى محورين : محورٍ للخير هو مدعيه ومحورٍ آخر للشر كانت بلداننا تتمثله بزعمه فحرك إلينا جنوده فعبرت المحيطات لتحريرنا من الشر فإذا بهم والواقع يقر أنهم أشد الناس علينا ظلما" وقسوة حتى صارت أوطاننا زنزانة صغيرة بحجم ( أبو غريب ) !!!.
إن الإنسان العراقي هو الخاسر الوحيد وقد تكالبت عليه أيادي المنتفعين وهم يستنزفون فيه موارده البشرية ( وهي عزيزة ) ويسرق منه غده ويضيع الأمل مابين فكر عدواني مشوش وإنسان مهمش لايقدر على شىء ...
وفي هكذا لحظات تاريخية عصيبة أجدني مكلفا تكليفا" قرآنيا" لأضع رؤيتي في مجريات مايحصل , إذ التدين لايقصر على اجتهادنا لإقامة شعائر فرضها منهجنا القويم مالم تفعّل تلك الشعائر وتتفاعل مع غاية الدين في إصلاح الأرض وإعمارها , ولا أمثل لتلك المهمة من المسلم اليقظ وهو يتعامل مع البصمة التجديدية لحياتنا وكما يريدها لنا ربنا جل في علاه .
ومن نفس هذه الزاوية , فإني لأربأ بأحبتي القراء أن يبادروا للتنبه لتلك المهمة الشرعية الجليلة , فالإقرار بالموقف وشحذ الهمة هو سبيلنا الأمثل لإظهار الحق القرآني وهل من حق وجد على الأرض مالم تكن له رجال وقد نذروا انفسهم وساعات سعادتهم لإقامته على الأرض التي نحلم جميعا بجعلها الأبهى والأحلى لحياتنا الدنيوية .
فيكون أحدنا إذن جنديا" لعدل الله تعالى على أرضه ( ومايعلم جنود ربك إلاّ هو ) في إتمام الرحلة التي نكدح فيها إلى ربنا كدحا"
فسلام على الأرض يوم جعلها الله لنا مهادا , وسلام على تراب العراق يوم ابتدأ منه السلام , لحظة تكـّـون العراق ولحظة أثمر للدنيا سلما" وعلما" ... وسلام عليه وهو اليوم يمتحن .
وها أنذا أدعوكم معي إلى هذه الرحلة التي نطوف من خلالها إلى زوايا الحدث الرمضاني ندخل فيها إلى بيوت الناس ونطلع على أنينهم ونقدم لهم ترياقا" قرآنيا" ومن منهج الرسول الرحيم محمد عليه الصلاة والسلام فنطرد عن وعي المسلم بعضا" من جهالاته ونغسل أدران التكبر والتجبر بماء التسامح والتواد
لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا"
قال تعالى ( فأنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) الأعراف 165

\

يتبع

ثلاثون مقالة رمضانية ... يومية