رمضان بريء من ذنب التمر العربي
إعداد - حازم يونس - دعاء أيمن
الإستهلاك المصري ليس مبررا
لقلة صادرات البلح
يشكل الإنتاج العربي من التمور نحو 70% من الإنتاج العالمي، ورغم ذلك فإن 49% من حجم إنتاجيته هي التي يتم تصديرها، والباقي لا يجد طريقا للتصدير.. المسئولون دائما يتذرعون بأن الطلب المحلي عليه خاصة خلال شهر رمضان يحد من ذلك.. ومع كامل الاحترام لهذا السبب الذي يأخذ من عبارة "ما يحتاجه الوطن يحرم على التصدير" شعارا له، فإن الواقع يكشف عن وجود أسباب أخرى أدت لذلك.. بعضها يعود لأخطاء فنية، وهذا هو الغالب، والبعض الآخر له علاقة بالطبيعة.
مصر.. افتقاد الجهاز التسويقي
ففي مصر تبلغ إنتاجية محصول البلح أكثر من‏1.1‏ مليون طن سنويا طبقا لإحصائيات منظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، ورغم ذلك ينخفض متوسط صادراته إلى 10 آلاف طن في العام بما يشكل نسبة أقل من ‏1%‏ من الحجم الإجمالي للمحصول.
وينفي الخبراء أن يكون للاستهلاك المحلي دور في ذلك، لأنه على حسب قولهم: "المصريون شعب غير مقبل على تناول البلح، اللهم إلا في شهر رمضان، بحكم العادة واتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم".
ويعزو د. عبد المحسن نظام الدين (استشاري تصنيع التمور بمعهد تكنولوجيا الأغذية بوزارة الزراعة‏) السبب الرئيسي إلى عدم وجود جهاز تسويقي على مستوى قومي لوضع سياسة إستراتيجية محددة المعالم لصادرات البلح سنويا‏.
وأكد د. نظام الدين في تصريح لجريدة الأهرام المصرية أهمية وجود هذا الجهاز لإعداد دراسات وافية للاحتياجات الفعلية للأسواق وفقا لأذواق مستهلكي كل دولة على حدة، ودراسة الظروف الحقيقية لأصناف المحصول كل عام، وأن يتم من خلاله أيضا السيطرة على جودة الكميات التي يمكن تصديرها، وإقامة معامل متخصصة في تحديد الجودة المثلى للتمور المصدرة طبقا للمواصفات القياسية العالمية‏.‏
وأشارت د. عزة كمال الدين (الباحثة بمعهد تكنولوجيا الأغذية) إلى مشكلة أخرى، وهي عدم وجود عناية بفرز البلح المعد للتصدير أو الاهتمام بتصنيفه لدرجات من حيث الجودة وتحديد السعر، وقالت في تصريح للصحيفة نفسها: "يوجد لدينا فائض ضخم، إلا أنه لا يستغل اقتصاديا‏".
السعودية.. نقص دراسات السوق
أحد أسواق البلح السعودي
وإذا كانت حجة الاستهلاك المحلي لا تجد رواجا في مصر، فإن المسئولين السعوديين يراهنون عليها على اعتبار أن الشعب السعودي من الشعوب المستهلكة للتمر، خاصة في شهر رمضان.
ولكن الخبراء يرفضون هذا التبرير ويرونه غير كاف لجعل حجم الصادرات السعودية 5% فقط، في وقت ارتفع فيه الإنتاج من 601 ألف طن عام 1996 إلى 940 ألف طن عام 2006، هذا فضلا عن جودة المنتج، وتعدد أصنافه التي تصل إلى 322 صنفا.وتقترب المشاكل المتسببة في هذا الوضع بالسعودية من الحالة المصرية، كما أكد لجريدة "الرياض" د. عبد الرحمن الزامل (رئيس مركز تنمية الصادرات السعودية)، حيث كشف عن وجود نقص في دراسات التسويق حول الأسواق المستهدفة لمعرفة اشتراطات الدولة المستوردة وذوق المستهلك بها، كما أوضح أن هناك تجاهلا لأهمية المشاركة في المعارض التجارية للتعريف بمنتج التمور.
ودعا الزامل الحكومة إلى اعتماد مبلغ 50 مليون ريال لعمليات التسويق سنويا ولمدة 5 سنوات، واعتبر أن ذلك كفيل بتحقيق قفزة في الصادرات تصل إلى25%، بما يحقق دخلا لا يقل -حسب تأكيده- عن 300 مليون ريال.
وأشار د. خالد الرويس (أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الملك سعود) في تصريح للصحيفة نفسها إلى اتجاه بعض المنتجين إلى تصدير التمور مباشرة من المزارع دون أي عمليات معالجة، ونتج عن ذلك وجود حالات عديدة لتمور سعودية غير صالحة للاستخدام الآدمي ومحجوزة في الجمارك ببعض الدول؛ مما أساء لسمعة التمر السعودي.
الإمارات.. الاعتراف بداية العلاج
وبأسلوب مختلف عن السعودية ومصر تعاملت الإمارات مع قضية تصدير التمور، وانطلق هذا الأسلوب من الاعتراف بأن صناعة التمور ومشتقاتها من الصناعات الغذائية الحديثة نسبيا، حيث لم تكن تنتج بكميات تجارية كبيرة كافية للتصدير.
البلح الإمارتي ينهض من عثرته
ولذلك بذلت الحكومة جهودا مكثفة لتشجير مساحات واسعة من الأراضي وزراعتها بفسائل النخيل التي تتلاءم مع الظروف المناخية القاسية للإمارات، وأسفرت هذه الجهود عن تحقيقها قفزة نوعية في زراعة النخيل وإنتاج التمر، حيث وصل إنتاجها عام 2007 إلى 700 ألف طن تم الحصول عليها من 28 مليون نخلة منتشرة في أرجاء الدولة، ونجحت الإمارات في احتلال مكان متقدم بين الدول المصدرة للتمور.
إلا أن هذا القطاع برغم ما حققه من نجاح لا يزال يعاني من بعض المشاكل التي سيؤدي حلها إلى تحسين الصورة إلى الأفضل، وأوضح حسام الأسمر (المدير التنفيذي لمصنع دبي للتمور) في تصريح لموقع الـ"bbc" أن عملية تطوير قطاع النخيل وإنتاج التمور تتضمن العديد من الصعوبات، منها الاعتماد على المياه الجوفية التي بها نسبة مرتفعة جدا من الأملاح وتحتاج إلى معالجة أولا قبل استخدامها في الري، وهي عملية مكلفة، بالإضافة إلى أن ضخ المياه إلى مسافات بعيدة أمر يتطلب طاقة وجهدا، وهذا أيضا من الأمور المكلفة.
كما أن تخزين التمور بعد جنيها أحد أهم مشاكل هذا القطاع لأنه بعد مرور فترة قصيرة على تخزينها تتعرض للإصابة بالحشرات، وبالتالي تصبح غير صالحة للاستهلاك البشري، هذا إلى جانب أن عدد أصناف التمور الجيدة قليل جدا، وأن أصنافا كثيرة يوجد عليها طلب داخلي، ولكن الطلب الخارجي بسيط جدا مقارنة بالكميات المنتجة.
ولكن الأسمر أبدى تفاؤله بأن هذه المشاكل ستلقى الرعاية الحكومية الكافية، بعد أن استشعرت الحكومة أهمية هذا المجال.
البحرين.. الاستثمار العقاري أفضل
وبنفس أسلوب الصراحة الإماراتية نظرت البحرين لقضية التمور، ولكن لم تكن هذه الصراحة في صالح القضية، فقد فضلت البحرين تطويع أرضها لخدمة الاستثمار العقاري الذي جاء على حساب الزراعات عامة والنخيل خاصة، فصارت قضيتها ليست قضية تصدير، كما في السعودية ومصر والإمارات، ولكن قضية استهلاك محلي.
وكشفت إحصائية للمركز الدولي للزراعة في المناطق الجافة - نشرتها جريدة الحياة اللندنية في 29 من يوليو عام 2007 - عن تراجع عدد أشجار النخيل بالبحرين إلى 794 ألفا، منها 565 ألف شجرة مثمرة فقط، وهو ما أدى إلى تضاعف أثمان الرُّطَب (التمر الطازج) إلى 3 دولارات للكيلو، بعدما كان أقل من دولار قبل عقد أو اثنين، ومن المتوقع أن يزيد السعر أكثر خلال شهر رمضان.
مرفق
صور عن سوق
مصر للتمور-قلة صادرات
البلح السعودي
البلح الاماراتي ونهوضه تجاريا