الألغام




تعتبر الألغام المضادة للأفراد من أكثر الأسلحة جبنا و خسة حيث أن أعداد ضحاياها من المدنيين تفوق العسكريين أضعاف مضاعفة و هي في تزايد مستمر ، و عادة ما تستهدف الفلاحين و الرعاة من سكان الصحارى و الأحراش و المناطق الريفية و لا تفرق بين الأطفال و الكبار ذكورا كانوا أم إناثا .
و يقدر عددها بحوالي مائة مليون لغما قابعا في انتظار ضحاياه و قد ابتليت منطقة الشرق الأوسط بحوالي نصف هذا العدد ، و خاصة في الكويت و المغرب و ليبيا و إيران و فلسطين و لبنان و سوريا و الجزائر و تونس و الأردن و اليمن و العراق ( ملحوظة : الألغام بمصر لم تدخل في هذا الإحصاء ) حيث يعانون كلهم من هذه المشكلة الخطيرة و بالأخص العراق التي يقدر عدد الألغام بها بعشرة ملايين لغم ، و على الرغم تكثيف مجهودات تطهير هذه الألغام بدرجة فاقت كل المجهودات المماثلة في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلا أنه لا تزال أخطار هذه الألغام تهدد شعوب هذه الدول و توقع بها أعداد متزايدة من الضحايا و على الرغم من أن معاهدة أوتاوا التي أبرمت عام 1997 ، حرمت إنتاج و تطوير و تخزين و نقل و استعمال الألغام المضادة للأفراد ، و على الرغم من أن عدد الدول الموقعة على هذه الاتفاقية بلغ مائة و ثلاثون دولة إلا أن هذه الألغام ما زالت تزرع في مناطق النزاعات الحالية بما فيها هذه التي تستعر في الشرق الأوسط و المثير للدهشة أن بعض هذه الدول الأكثر تأثرا بهذه المشكلة تعد من أكثرها تراخيا للانضمام لهذه المعاهدة حتى الآن حيث أن أربعة دول فقط من ثمانية عشر في الشرق الأوسط هي التي وقعت عليها حتى عام 1998 ، و الكثير من الدول الموقعة على المعاهدة مازالت تنتج هذه الألغام بالمخالفة لبنود هذه المعاهدة و آخرين مازالوا يصدرونها و الأكثر من ذلك مازالت هذه الألغام تنصب في أماكن متفرقة من العالم لتفتك بالمزيد من الضحايا دون تمييز ، و حيث أن الدول النامية هي صاحبة النصيب الأكبر من هذه الألغام فهي تعد أكثر الدول معاناة من المشكلة حيث تحد من خطط التنمية و الامتداد العمراني و الزراعي بها حيث يتم نصب هذه الألغام في أكثر المناطق حاجة للتنمية فيما حول المدن و في الريف و في المناطق النائية حيث تزداد معدلات الفقر و البعد عن المراكز الطبية القادرة على مواجهة هذه النوعية من الإصابات و الكفاءات الطبية و الجراحية المتخصصة مما يقلل من فرص إنقاذ المصابين و علاجهم و تأهيلهم مما يزيد من معاناة المجتمع المدني الفقير أساسا بهذه المناطق .
و قد قام المجلس الدولي للصليب الأحمر بناءا عن خبرات العاملين بمستشفياته الميدانية على امتداد العالم بوضع عدة مناهج للمساعدة في علاج ضحايا هذه الألغام في مثل هذه الظروف .
و تندرج الألغام المضادة للأفراد تحت نوعين رئيسيين أولهما المتفجرات المدفونة و هي الأكثر استخداما و هي تحوي داخلها في العادة على من 50 إلى 200 جرام من المواد شديدة الانفجار و تدفن على عمق يتراوح بين 4 إلى 6 سنتيمترات تحت التربة و من أمثلة هذه الألغام اللغم السوفيتي PMN-1 ، و النوع الثاني هو اللغم المعلق المتفتت مثل اللغم السوفيتي POMZ وهو غالبا ما يعلق في أسلاك أو على الشجيرات على ارتفاع بسيط من سطح الأرض و ينفجر فور تعثر الضحية فيه أو في الأسلاك المتصلة به ، و من هذا النوع توجد ألغام تفجر بنفس الميكانيكية إلا أنه يزاد في عملية إخفائه بدفنه تحت سطح الأرض مثل اللغم السوفيتي OZM-1 حيث تتواجد به عبوتي تفجير و عند التفجير تدفع العبوة الأولى التي بقاعدة اللغم به إلى ارتفاع حوالي متر من سطح الأرض حينئذ تنفجر العبوة الأساسية التي تفتت اللغم إلى شظايا تنتشر حول منطقة واسعة حول مركز التفجير .
و الإصابات من جراء الألغام المضادة للأفراد لها أنماط ثلاثة وفقا لتوصيف المجلس الأعلى للصليب الأحمر ، النمط الأول يحدث جراء أن تدوس الضحية بإحدى القدمين على اللغم المدفون و حينئذ يؤدي انفجار اللغم إلى بتر الساق الداسة على اللغم من فوق أو تحت الركبة مع إصابات مختلفة في الساق الأخرى و منطقة العجان و أحيانا بالوجه و اليدين ، و تكون هذه الإصابات المنتشرة أكثر خطورة و تلوثا أكثر مما تبدو و النمط الثاني هو الناتج عن تفجر اللغم المتفتت المعلق و هو يحدث للشخص المتعثر في سلك التفجير و الأفراد المتواجدين في دائرة انتشار شظايا اللغم و يصابون جميعا بالشظايا الناتجة عند تفجر اللغم و خاصة بالأطراف السفلية و النمط الثالث يحدث للقائمين بعمليات التطهير لهذه الألغام و اللذين يعملون رقودا على وجوههم أو من وضع القرفصاء أو وقوفا و هم يقومون بعمليات الجس لما تحت التربة للألغام المدفونة أو عندما يحاولون تأمين اللغم بعد استخراجه و تتنوع إصاباتهم حسب و ضعهم ما بين بتر أحد أو كلا الذراعين مع إصابات شديدة متعددة بالجسم و الوجه و الرقبة و العينين ، و يشكل علاج ضحايا الألغام تحديا كبيرا للجراحين و الأجهزة الطبية و خاصة في الدول النامية حيث تقل الإمكانيات بدرجة كبيرة ، و للأسف الشديد فإنه على الرغم من القوانين الدولية المحرمة لاستخدام الألغام المضادة للأفراد إلا أنه ما زال على الجهات الطبية و الحكومات في أفريقيا و آسيا عليهم التعامل مع هذه الإصابات البالغة لعدة أجيال قادمة .*
* ( من مقدمة لمقالة S.J. Mannion – Postgraduate Doctor Middle East Volume 23 Number 6 ) مع التصرف و الترجمة