هى فكرة رادودتنى فى أن أطرح بالتنويه حينا وبالتحقيق أحيانا بعض الكتب التى أثرت فى فكرى وعقلى عندما قرأتها ... وكان لها أبلغ الأثر على من قرأها وفقا لما أرساه كبار المفكرين لمفهوم الثقافة
وفكرت فى أن أجعلها سلسلة متوالية من الكتابات والتحقيقات تستمر الى ما شاء الله وكنت فى حيرة بأمر اختيار العنوان
حتى تحدثت معى الصديقة حورية البحر حول تلك الفكرة ودعتنى مشكورة الى تنفيذها واختارت لها هذا العنوان المعبأ بالايحاء "قرأت لك "

اللقاء الأول " رجال حول الرسول " للمفكر الاسلامى خالد محمد خالد

كل من يقرأ التاريخ الاسلامى متعدد المصادر والمنابع .. لا يتجاوز أن يكون أحد شخصين ..
اما قارئ مثقف واع .. أعطاه الله الحكمة ممزوجة بالصبر على التقصي والتحقيق ليطرق التاريخ الاسلامى عبر بواباته العملاقة من المراجع الأساسية التى كتبها كبار علماء السنة ..
واما قارئ عطش يبتغى المعرفة ولا يستطيع استيعاب القدرة التفصيلية الفذة لتلك المراجع بلغتها الصعبة وبنيانها الأصعب
فلا يجد أمامه الا اللجوء الى المؤرخين المعاصرين ممن كتبوا عن التاريخ الاسلامى وصنفوا وقائعه وحللوها لتصبح سهلة الهضم الفكرى بالنسبة للقارئ العادى
ومن المثال الأول تبرز المراجع الكبري التى عالجت التاريخ الاسلامى مثل
البداية والنهاية للامام بن كثير
الطبقات الكبري لمحمد بن سعد الواقدى
تاريخ الأمم والملوك للامام محمد بن جرير الطبري
الكامل فى التاريخ لبن الأثير
المسالك والممالك للأصطخرى
أسد الغابة فى معرفة الصحابة لبن الأثير
الاستيعاب فى معرفة الأصحاب لبن عبد البر
الاصابة فى تمييز الصحابة لبن حجر العسقلانى
حلية الأولياء للأصبهانى
تاريخ الاسلام للامام شمس الدين الذهبي
مقدمة بن خلدون لعبد الرحمن بن خلدون

وغيرها .. وان كانت القائمة السابقة هى أشد المراجع شهرة وأمانه
ومن المثال الثانى تبرز العديد والعديد من الكتابات المعاصرة لعباس العقاد والشيخ رشيد رضا وخالد محمد خالد وابراهيم عيسي وغيرهم
ومن بين المعاصرين يبرز المفكر الاسلامى خالد محمد خالد كأحد الذين كتبوا عن التاريخ الاسلامى ولم يكتبوه .. والفارق كبير
فكتابة التاريخ تعنى الالمام وذكر التفاصيل والوقائع ومعالجتها تاريخيا وتغليب الرواية على الأخرى
أما الكتابة عن التاريخ .. فهى فن أصعب بكثير
اذ يتناول فيه المفكر أمر التاريخ على احدى وجهتين ..
اما وجهة تحليلية كما فعل العقاد
واما وجهة فلسلفية كما فعل خالد محمد خالد وابراهيم عيسي

وفلسفة خالد محمد خالد ليست جامدة .. بل هي على العكس عاطفية شديدة العاطفية وقلمه قلم عاشق يتأمل ويستوعب ويشرح
فهو فى كتاباته المختلفة .. دائم التذكير لنا بعظمة ذلك العصر .. ودائم التذكير لنا بأثر وقائعه الجسام
ومن بين كل كتاباته تبرز سلسلته عن الصحابة رضوان الله عليهم وهى التى بين يدينا اليوم
رجال حول الرسول .. صلى الله عليه وسلم ..
العنوان وحده قصة وأقصوصة
قصة فى بلاغته وايحائه .
وأقصوصة فى عاطفيته وروعته
من العنوان وحده يبرز للقارئ عبق ذلك العصر الآسر ويدفعه للمعيشة الوجدانية مع أصحابه قبل حتى أن يفتح أولى صفحات الكتاب
ومع أول الصفحات ..
يبرز الفصل الأول للكتاب الرائع .. بعنوان أشد ايحاء من عنوان الكتاب ذاته
وهو فصل تحت عنوان " النور الذى اتبعوه "
يمهد للقارئ المتشوق طبيعة ذلك النور الهادى المتمثل فى شخصية الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم .. ليجيب المفكر العبقري عن السؤال الذى سيراود حتما متصفح الكتاب بعد انتهائه من قراءته
وهو السؤال الواجب ..
هل هؤلاء الزمرة الصالحة كانت على الأرض حقا ؟!!
هل مثل هذه الشخصيات تواجدت على الأرض يوما ما ؟!!
وهل عرف العالم مثل تلك الأخلاقيات الفريدة .. والسمات الحميدة .. والتى ارتفعت بهم الى مصاف الأتقياء الأنقياء ؟!!
وفى الفصل الأول الذى نحن بصدده تكمن الاجابة ..
نعم ..
لقد تواجدت تلك الزمرة الكريمة بالفعل ..
ولا عجب فى ذلك ولا دهشة .. لأن الدهشة ان أخذت منا بتلابيب الفكر والخاطر .. فالنور الذى اتبعه هؤلاء الزمرة أحق بالدهشة والاكبار ..
لأنه صلى الله عليه وسلم ...
كان قائد تلك الكوكبة النورانية المدهشة ..
وما من صفة تثير الاعجاب فى واحد من الصحابة .. الا وتواجدت ابتداء فى معلمه وقائده صلى الله عليه وسلم
فهو مجمع الفضيلة وجامعه القيم التى أخرجت هؤلاء الأبطال

ثم يبدأ الكتاب فى محتواه الرئيسي عارضا بالشرح المنمق لحياة وقيم وفضائل ستين صحابيا ... اختارهم خالد محمد خالد رحمه الله بين عشرات الألاف من الصحابة الكرام رضي الله عنه
ومن الملاحظ والجدير بالذكر أنه أفرد للأربعة الكبار الراشدين ومعهم خامسهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتبا مستقله
ولم يوردهم فى كتابه رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم لأثرهم البالغ فى التاريخ الاسلامى
فكتب عن أبي بكر " وجاء أبو بكر "
وعن عمر " بين يدى عمر "
وعن عثمان " وداعا عثمان "
وعن على " فى رحاب على "
وعن عمر بن عبد العزيز " معجزة الاسلام "
رضي الله عنهم جميعا وصلى وسلم على معلمهم ومعلمنا أفضل صلاة وتسليم

وعودة الى كتابه " رجال حول الرسول " صلى الله عليه وسلم ..
حيث قسم المفكر الراحل الكتاب الى ستين فصلا .. كل فصل منها يحتوى على خواطره التى تتناول سيرة ووحياة أحد الصحابة .. ولا تهمه الوقائع التفصيلية كعادته فى كتاباته .. بل يقف عند الوقائع الرئيسية ويوليها اهتمامه ويبرز فضائل البطل الذى يتناول حياته وأثره
وكانت بدايته فى الكتاب مع الصحابي الفذ " مصعب بن عمير " رضي الله عنه
واختتم كتابه بالصحابي الجليل " سالم مولى أبي حذيفة " رضي الله عنه

وكانت نهاية الكتاب .. وخاتمه مع الفصل الثانى والستين بعنوان " كلمة وداع "

ومن أشد الفصول روعه وتأثيرا وجذبا للدموع من المآقي ..
تلك الفصول التى تناول فيها حياة الأبطال " مصعب بن عمير ـ وخالد بن الوليد ـ والزبير بن العوام ـ وطلحة بن عبيدالله ـ وعبد الله بن الزبير ـ وسعد بن أبي وقاص ـ والبراء بن مالك ـ وزيد بن الخطاب ـ وخبيب بن عدى ـ وسعد بن عبادة ـ وسعد بن معاذ ـ وقيس بن سعد بن عبادة ـ وأبي الدرداء ـ وحمزة بن عبد المطلب ـ وجعفر بن أبي طالب ـ وعبد الله بن عباس ـ وعبد الله بن عمرو بن العاص ـ وعمرو بن العاص " رضي الله عنهم وعن سائر الصحابة وتابعيهم جميعا

وهذا لا ينفي روعه بقة السير بالطبع ..

انه كتاب آسر مؤثر ..
يستحق أن تقتنيه بمكتبتك ..
وهو كالكحل بالعين ..
يزين العين القبيحة بالجمال ,..