إليكم هده المحاولة الهدية ..
أرجو أن تنال إعجاب أهل الاختصاص وألا أتعرض من خلالها للقصاص
الظـلمُ الذي أنـطـقَ السَّمـكةَ
خرج سفيان في نزهة إلى أحد الأنهارالمجاورة لقريته، وأثناء تجواله على ضفة النهر، لفت انتباهه حركة غريبة، ظن في باديء الأمرأنها حركة ثعبان، وعندما اقترب من ذلك الشيء المتحرك، رأى سمكة كبيرة زرقاء اللون ، تتلوى في حركة سريعة، وتتخبط، كأنها تريد الصعود إلى السماء، وما أن اقترب منها حتى خاطبته السمكة بقولها:
ما أظلمكم أيها البشر، تعتدون على من لا يعتدي عليكم.. فتعجب من قولها، وانبهرمن كونها تتكلم..
وبعد هنيهة من التفكيروالحيرة قال لها:
من الذي أخرجك من الماء أيتها السمكة الناطقة؟ ولماذا أراك تتخبطين يمينا ويسارا، كأنك مجنونة؟
السمكة : لست بالمجنونة، أنا كما ترى، لم أعتدِ في حياتي على أحد منكم، فمنذ أن خلقني الله، وأنا أعيش داخل النهر سعيدة سعادة كبيرة ، ولكنكم أنتم من حاول قتلي ظلما وعدوانا.
سفيان: حاولنا قتلك؟.. أبدا.. نحن نحبكم ، أيتها الأسماك.. ولكنك لم تجيبيني عن سبب خروجك من الماء؟
السمكة : إن ماء النهرالذي كنت أعيش فيه، أصبح مليئا بمواد كيماوية قاتلة، روائحها كريهة جدا.. لم أستطع تحملها، فقد قاومت وقاومت، ومع ذلك كدت أختنق، فها أنا قد خرجت منه، لعل أحدا من الطييبين منكم، يستطيع إنقاذي، وذلك بإدخالي في كيس ماء نقي،أو في حوض منزلي، أقضي فيه بقية حياتي.
سفيان: سأحاول أن أنقذك، ولكني أراك تشرفين على الموت، ولا كيس لدي الآن، ولا ماء نقيا.
السمكة: حاول أن تجد حلا.. أسرع.. فإن لم تستطع.. ومت أنا، فأرجوكم أن تحموا من بقي منا حيا داخل النهر، مثل: أمي وأبي، وأخواتي، اللواتي تركتهن يكابدنا الموت المحتم، آه... على نهرنا الجميل، الذي لوثته نفايات ذلك المعمل اللعين..المعمل الذي أقامه صاحبه بجانب نهرنا النقي الصافي..
سفيان: إن إقامة معمل كيماوي بالقرب من هذا النهرالجميل يعد ممنوعا وحراما، كما قال لنا معلمنا.
السمكة : نحن لم نشتكِ منكم أبدا.. حينما تصطادوننا وتأكلوننا.. فلذلك السبب خلقنا الله .. تأكلون منا لحما طريا،أليس كذلك؟
سفيان: بلى، ولكننا نحافظ عليكم، ولا نصطاد منكم إلا عندما نكون في حاجة إلى لحمكم.
السمكة: ذلك ما لاحظناه من كل زملائك.. ولكن أن تتركونا نموت - هكذا- عذابا واختناقا.. فهذا ما لا نسامحكم فيه ، أيها البشرالظالمون.
سفيان: أنا أعرف.. أن كل من يحس بأنه مظلوم ، يلجأ إلى محام ليدافع عنه ، وأنا سأعين لك محاميا للدفاع عنك، وعن زميلاتك ضد صاحب المعمل، فإذا متِ.. فسوف أعمل على بقاء زميلاتك على قيد الحياة - مكرمات - في محيط مائي نقي.. وخال من من كل تلوث.. هذا.. وعد مني.. الوداع، أيتها السمكة الناطقة المسكينة.
يرجع سفيان مسرعا إلى قريته، ويقوم بتقديم شكوى مكتوبة إلى إحدى المحاميات، التي تتولى المرافعة في حق السمكة المسكينة، وأثناء انعقاد جلسة المحاكمة في قرية سفيان، تتولى محامية السمكة الدفاع عنها.. وتتلفظ أمام القاضي بعبارات قانونية محكمة، أخذتها من قانون حماية البيئة، حيرت سفيان كثيرا وتعجب من فصاحة المحامية ومن كلماتها المتناسقة.
تقول المحامية نادية:
السيد الرئيس: إن هذا الشخص الماثل أمامكم، قد أقام معملا له محاذيا للنهر، ولم يراع أثناء إنشائه لا شروط حماية البيئة ولاماء النهرالنقي.. فقد قام بتفريغ نفايات معمله، وصبها مباشرة فيه، وها هي النتيجة - سيدي الرئيس - لقد أحدث فعله غيرالقانوني كارثة بيئية حقيقية، وتسبب في موت مئات.. لا.. آلاف.. لا.. بل مئات الملايين من الأسماك الجميلة في منظرها، الشهية في طعم لحمها، الماهرة في سباحتها.. بالإضافة إلى كائنات حية أخرى، لم تقم المصالح المعنية بعد بإحصائها.. وها هي هذه السمكة المسكينة، قداختنقت.. ومن شدة غضبها وحزنها نطقت.. وها هي تخرج من محيطها الطبيعي مضطرة للدفاع عن بني جنسها..وعن ذلك النهرالجميل.. لقد شهد سفيان وفاتها، وحدثته عن أثرالظلم الذي لحق بهن جميعا.. وعن عدم قدرتهن على مقاومة سموم تلك النفايات.
صاحب المعمل: سيدي الرئيس.. إن ما تدعيه السيدة المحامية لا أساس له من الصحة، إذ كيف يمكن معرفة إن كانت هذه السمكة قد ماتت بالفعل من جراء نفايات معملنا؟ أم لأسباب أخرى؟ فأنا أطالبه بتقديم الدليل.
محامية السمكة: سيدي الرئيس..كل الدلائل تشيرإلى ذلك ، ومن بينها ما هو ضمن ملف الشكوى وها هو الدليل الجديد مكتوبا بين أيديكم.. لقد قمنا بإجراء تحليلات مخبرية لمياه النهر، وثبت علميا أن ما يحتويه الماء من ملوثات ناجم بالفعل عما يستخدمه هذا المعمل من مواد كيماوية ضارة بالبيئة.
صاحب المعمل: إننا سيدي الرئيس.. نقوم دوريا بمراقبة نفاياتنا، ونتأكد من خلوها من كل ضررقد يلحق بالنهرأوبالبيئة.
الرئيس: هل تملكون وثيقة قانونية سمحت لكم بإقامة معملكم بالقرب من النهر؟
صاحب المعمل : لا .. سيدي الرئيس.. لم نتحصل على ذلك بعد.. وإننا ننوي الحصول على تلك الوثيقة في المستقبل،إن شاء الله.
الرئيس: ترفع الجلسة للمداولة وإصدار الحكم.
بعد هنيهة من الزمن ، يعود الرئيس فيجلس.. ويجلس الحاضرون معه.. بعد أن قاموا احتراما للمحكمة.. يخيم على قاعة المحكمة جو من الترقب والصمت والرهبة.
الرئيس: حكمت المحكمة حضوريا وعلنيا على صاحب المعمل بتغريمه 10 آلاف دينار وبوجوب تحويل معمله ، ونقله وإبعاده عن النهر.. بمسافة تتجاوز ثلاث كيلومترات، ووجوب معالجة نفاياته محليا وعلميا، وذلك طبقا لنصوص قوانين حماية البيئة والمحيط الصادرة وزارة تهيئة الإقليم والبيئة، رفعت الجلسة.
خرج سفيان ومحامي السمكة متعانقين والفرح يغمرهما بنجاح قضية السمكة، وبالحكم القاضي بتحويل المعمل وإبعاده عن النهر الجميل بمسافة كبيرة.
عبدالقادربوميدونة
الجزائر