الفصام Schizophrenia
• لمحة تاريخية :

هذا المرض موجود منذ زمن بعيد وأول وصف لهذا المرض يرجع إلى عام 1400 قبل الميلاد وفي مخطوطات طبية هندية 0 ويعرف بالصورة التي تقترب من الصورة التي نعرفه بها الآن إلا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي بصورة غير واضحة وغير دقيقة حتى جاء بروفسور ألماني في الطب النفسي من جامعة ميونيخ اسمه إميل كربلين عام 1896 والذي يعتبر أول من وصفه بصورته الحديثة وبشكل واضح وأطلق عليه مرض ( الخرف المبكر )

وظل يحمل هذا الاسم حتى جاء طبيب نفسي سويسري هو يوجن بلوير عام 1911 وأطلق عليه مرض الفصام والذي مازال يستخدم حتى الآن 0 ويقول ( عبد الله ، 2001 ) : " أول من وصف الصورة السريرية لما يعرف حاليا بالفصام هو الطبيب النفسي مورل Morel حين وصف حالة صبي في الرابعة عشر من عمره يعاني من تدهور عقلي متطور ، وذلك عام 1860 ، حيث استخدم مصطلح الخبل المبكر Dementia Praecox لوصف هذه الحالة 0 وقد اعتمد الطبيب النفسي الألماني ( كريبلين ) المصطلح نفسه أيضا حين عمل أستاذا للطب النفسي في ميونخ عام 1887 ، وقد اعتبره مرادفا للفصام الطفلي والشبابي تمييزا عن الفصام التخشبي 0 وقد عرف الخبل المبكر بأنه زملة من الهلوسات والتوهمات ، أو الهذيان واضطرابات انفعالية يرافقها السلبية وضعف الانتباه 0 وفي عام 1911 نشر يوجين بلويلر دراساته عن الخبل المبكر وأسماه الفصام Schizophrenia وبلويلر ( 1857ــ 1939) طبيب نفسي سويسري عمل أستاذا للطب النفسي في زوريخ ، ومن تلامذته كارل يونغ ، وكارل إبراهام ، حيث اتصلوا جميعا بفرويد وأصبحوا أعضاء في الجمعية الدولية للتحليل النفسي 0

لقد صاغ بلوير مصطلح العقلية وتفككها وقد ألح بلوير على تفكك الارتباطات في الأفكار والإدراك إضافة للانفصال عن الواقع 0 فالميكانزم أو الآلية الرئيسية وراء الأعراض الفصامية ، هي تفكك الارتباطات 0

ومن الخصائص الأخرى أيضا التناقض الوجداني Ambivalence والانطوائية الزائدة أو الانغلاق على الذات Autism 0 وقد استخدم مانفريد بلويلر Mandred Bleuler مصطلحات والده واستمر في متابعة أعماله حين نشر في عام 1970 دراسته التتبعية لعدد كبير من الفصاميين ، مبينا أن الغالبية العظمى منهم يتحسنون بعد المعالجة المنظمة 0 ومن الشخصيات البارزة في بحوث الفصام ( أدولف ماير ) الذي عمل في مشفى ( جون هوبكنز ) في الولايات المتحدة الأمريكية ، وترأس المدرسة النفسية الحيوية أو البيولوجية Psychobiological School القريبة جدا من المدرسة الظاهراتية في علم النفس والتي أقامها ( كارل ياسبرز ) 0 لقد اهتم ماير بدراسة المريض وفهمه باعتباره إنسانا فريدا ، وأن فصامي ظروفه 0 من هنا فقد توسعت نظريته لتشمل كل العوامل الحيوية والعضوية والنفسية والاجتماعية منطلقا من وحدة الجسم والعقل 0 وبالرغم من أنه استخدم مصطلحا آخرا للفصام وهو Paregasia ( ولم يلاقي قبولا ) إلا أنه اعتبر الفصام استجابة لظروف الحياة الضاغطة ، وهو انسحاب إلى حالة مرضية بسبب عدم قدرة الشخص على مواجهة هذه الضغوطات " 0 ( عبد الله ، 2001 ) 0


• معنى الفصام Schizophrenia :

إن مصطلح Schizophrenia مشتق من أصل لا تيني ، ويعني انقسام Schizin العقل Phren 0 والفصام مرض عقلي يمزق العقل ، ويصيب الشخصية بالتصدع فتفقد بذلك تكاملها وتناسقها الذي يوائم بين جوانبها العقلية والجسمية والانفعالية والسلوكية الحركية 0 فكل جانب منها أصبح في واد منفصل عن الجوانب الأخرى 0 والعرض البارز فيها هو البلادة العاطفية ، وعدم الاكتراث للحوادث المحيطة ، فلا يهتم المصاب بمظهره ولباسه ، ولا يخجل ، فيضحك بلا سبب ، وتسيطر عليه هلوسات وهذيانات متنوعة ، حيث يصبح منسجما مع الواقع ويعيش في عالمه الخاص 0ويعتبر مرض الفصام الذهاني (schizophrenia) أهم الأمراض العقلية ــ ومن الأخطاء الشائعة ما يسميه البعض بانفصام الشخصية ــ ويشكل المصابون بهذا المرض أكثر نزلاء مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية نظراً لصعوبة هذا المرض وتأثيره على المريض وعائلته وكذلك على المجتمع 0


• تعريف الفصام :

1ـ هو مرض الفصام هو مرض عقلي يتميز بمجموعة من الأعراض النفسية والعقلية مثل الهلاوس السمعية ونادراً الهلاوس البصرية، وكذلك اضطرابات التفكير مثل الضلالات. وتؤدي هذه الأعراض إن لم تعالج في بدء الأمر إلى اضطراب وتدهور في الشخصية و السلوك 0


2ـ ويُعرف أيضا بأنه : مجموعة أمراض عقلية تشترك بأغراض أساسية متشابهة كالتفكير المفكك غير الواقعي ، والانفصام العاطفي ، والابتعاد عن الحقيقة والواقع ، والتدهور في الشخصية والسلوك 0

3ـ ويعرفه البعض بأنه : مجموعة من التفاعلات الذهانية التي تتميز بالانسحاب من الواقع والتدهور في الشخصية مع اختلال شديد في التفكير والوجدان والإدراك والإرادة والسلوك

4ـ ويعرفه البعض بأنه : مرض ذهاني يؤدي إلى عدم انتظام الشخصية ، فالمريض يعيش في عالم خاص بعيدا عن الواقع 0

5ـ ويعرفه البعض بأنه : مجموعة من ردود الفعل الذهانية التي تتميز باضطراب أساسي في العلاقات مع الواقع وتكوّن المفاهيم ، واضطرابات انفعالية وسلوكية وعقلية من درجات واختلاطات متنوعة 0

6ـ ويعرفه البعض بأنه : اضطراب عقلي لا يوجد له أساس معروف ، ويتضمن تفككا في وظائف الشخصية الإدراكية ، والمعرفية ، والانفعالية 0

7ـ ويعرفه البعض بأنه : مرض ذهاني يؤدي إلى عدم انتظام الشخصية وإلى تدهورها التدريجي ، والانفصام عن العالم الواقعي الخارجي ، وانفصام الوصلات النفسية العادية في السلوك ، والمريض يعيش في عالم خاص بعيدا عن الواقع ، وكأنه في حلم مستمر 0


مدى حدوث الفصام وانتشاره :

يظهر الفصام كاضطراب عقلي لدى الصغار تدريجيا حتى يتضح في المراهقة والرشد ، ويظهر في 50% من الحالات بين سن 15 ــ 30 ، وفي 75% من الحالات قبل سن الثلاثين ، وهو يصيب الرجال والنساء بالتساوي 0
وبعض الدراسات الاحصائية تشير إلى أنه يظهر بشكل أكثر تبكيرا لدى الذكور في عمر الرابعة والعشرين ، أمّا لدى الإناث حوالي الثامنة والعشرين 0 هذا بشكل عام بغض النظر عن أشكاله الفرعية 0 فقد تبين أن أحد أشكاله وهو الفصام الزوري ( الهذائي ) أكثر حدوثا لدى الذكور 0

والفصام من أكثر الاضطرابات الذهانية انتشارا يحدث لدى ما يقرب من 1% من مجموع السكان 0 ويبلغون نسبة 33% من الذين يدخلون المستشفيات العقلية لأول مرة ونسبة 50% منهم يعانون حالات فصام مزمن Chronic 0


وتشير بعض الإحصاءات في روسيا إلى أن الفصاميين يمثلون 20% من المرضى الذين يتلقون علاجا خارجيا مديدا ، وثلث الذين يدخلون المستشفى بسبب اضطرابات نفسية حادة ، وثلثي النزلاء من الحالات المزمنة ، أما بعض الإحصاءات الفرنسية عام 1980 فتشير إلى أن 26 ألف مريض فصامي يقيمون في المستشفيات ويمثلون 25% من المرضى الفصاميين الذين يتلقون المعالجة 0 هذه الإحصائيات كلها تعبر عن انتشار الاضطراب العقلي الفصامي 0

كما أن هذا المرض عبء باهظ على الفرد والمجتمع ، والأرقام على فداحتها لا تمثل تماما ما تتعرض له الإنسانية من خسارة 0 إضافة إلى ذلك أننا على الرغم من جسامة مشكلة الفصام لم نحرز إلا تقدما قليلا تجاه الفهم النهائي لمصادر المرض وعلاجه 0 ويحدث الفصام بين الأفراد من مستويات الذكاء والميادين كافة ، ولكنه يكثر في الطبقات الاجتماعية الدنيا ، وربما يعود ذلك إلى كثرة الضغوط ومتاعب الحياة لدى أبناء هذه الفئات ، ويكثر حدوثه في المدن الكبيرة والأحياء المزدحمة التي تكثر فيها حالات الانحراف والشذوذ 0


ويذكر (Howells,J ,1989) : " أن بعض الدراسات بينت في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية أن المولودين الأوائل أكثر عرضة للفصام من المولودين أخيرا ، ويسود اعتقاد عند البعض على أنه ينتشر في مواسم معينة ، فهو يزدهر في الربيع وأوائل الصيف ، ولا يوجد تفسير علمي لذلك " 0


• كيف يبدأ الفصام ؟ :

1ـ حالة هياج تأخذ شكل النمط الهوسي ، وقد يكون الهياج عفويا ، أو متميزا بالألم 0

2ـ حالات هذيانية توهمية حادة 0

3ـ الهمود الحاد ، حيث يقسم البدء الهمودي للفصام بأحاسيس بالغرابة والسخافة وأفكار التعقب متمركزة حول موضوع محدد 0

4ـ حالات تخليط ذهني ، حيث يشاهد في العديد من حالات الفصام على شكل اضطراب بالوعي ، وفي النشاط النفسي ، واضطراب في التوجه الزماني والمكاني ، وتدني اليقظة ، يرافقه تبلد فكري وذهول 0

5ـ قد تكون البداية ليست حادة وإنما بطيئة وخفيفة ، كأن تبدأ بشكل عصابي كاذب : قلق دائم يسقط على موضوع محدد وخوف من مواقف معينة ، وسلوك إنسحابي ، وسلوكيات نمطية وسواسية وأفكار روحانية وبرود مع صمت 0

6ـ تراجع في المردود الذهني والعملي والانتاجي مثل : الفشل في الدراسة أو العمل بعد نجاح دائم 0 وإهمال في الأنشطة التي اعتاد عليها الشخص ، مثل : الرياضة أو القراءة أو الموسيقى 0 وتبدل في المزاج مثل : لا مبالاة ، وإهمال الذات ، والعبوس والانطواء 0 واضطرابات سلوكية واجتماعية ، مثل :

الانضمام للمجموعات الهامشية والمنعزلة 0 أما الاجتماعية فينضم للمتشردين والمنحرفين والمدمنين ، واهتمام بالسحر ، والدين والفلسفات الدينية والروحية 0

ـ الشخصية الفصامية قبل المرض Schizoid Personality :
تعتبر الشخصية الفصامية بمثابة التربة التي ينمو فيها الفصام ، وتتسم الشخصية الفصامية بما يلي :

أ ـ العزلة والوحدة والكتمان والتحفظ والانغلاق على الذات 0

ب ـ ضعف العلاقات الاجتماعية ، وتفضيل الأنشطة الفردية 0

ج ـ صعوبة التعبير عن المشاعر والحساسية الزائدة 0

د ـ العناد والخجل ومواجهة الواقع بأساليب إنسحابية هروبية ، كالاستغراق في الخيال ، وأحلام اليقظة 0


• الأعراض المميزة للشخص الفصامي :

1ـ اضطراب التفكير : وخاصة في المحتوى والسياق ، وهو الاضطراب الرئيسي في الفصام 0

2ـ اضطراب الإدراك : وأهمها الهلوسات ، وهي :

أ ـ الهلوسات السمعية : حيث يسمع المريض أصواتا قادمة إليه من الخارج ، وقد تكون هذه الأصوات مألوفة ، وقد تكون صوتا واحدا خاصا ، أو أصوات متنوعة يشعر بأنها متوجهة إليه وتسير سلوكه ، وقد يستجيب لبعض الأصوات والأقوال مما يضعه في موقف خطر 0

ب ـ الهلوسات اللمسية : وتضم إحساسات كهربائية وشعور بالوخز أو الاحتراق 0

د ـ الهلوسات الجسمية : كالإحساس بوجود أفعى يزحف على بطنه أو في داخل جسمه 0

هـ ـ الهلوسات البصرية والذوقية : هي الأقل شيوعا من بين الهلوسات الأخرى 0

3ـ الانفعال : حيث تحدث اضطرابات انفعالية وجدانية متنوعة ، مثل : التبلد الحسي والسطحية وعدم تناسب الانفعالات مع مثيراتها 0 ففي حالة التبلد الانفعالي يحدث ضعف حاد في التعبيرات الانفعالية عند المريض 0

وفي حالة السطحية لا نجد أية دلائل عن التعبيرات الانفعالية بحيث يبدو الوجه وكأنه لا حياة فيه ، أي جامد وبارد 0 أما في حالة عدم تناسب الانفعال فإننا نجد انفعالات المريض متعارضة مع كلامه ، كأن يبتسم وهو يتحدث عن عذابه وعن الصدمات الكهربائية التي تلقاها 0

4ـ الإحساس بالذات : إن الشعور بالذات الذي يقدم للشخص السوي شعورا بالفردية أو التميز والتوجه الذاتي يكون مضطربا عند الفصامي ، ويعزي ذلك إلى تفكك الأنا ، ويبدو على شكل ارتباك وحيرة حول الهوية الذاتية والتجربة الخاصة 0 وقد يبدو ضعف الشعور بالذات من خلال تلك التوهمات واضطرابات التفكير السابقة وخاصة تلك المتعلقة بعدم قدرة الفصامي على السيطرة على أفكاره ، وسيطرة أفكار غريبة وخارجية عليه 0

5ـ الإرادة : يوجد عند الفصاميين اضطرابات في المبادأة الذاتية والأنشطة الهادفة بحيث يحدث ذلك خللا في العمل والوظيفة والسلوك الإنتاجي 0 وقد يبدو على شكل ضعف الاهتمام وعدم الاكتراث وعدم إتباع الأعمال وإنجازها حتى غاياتها المنطقية والواقعية ، ويتأثر ذلك كله بما يعانيه من تناقض انفعالي 0

6ـ العلاقة مع العالم الخارجي : يتميز المريض الفصامي بالإنسحاب من الواقع أو الانخراط في العالم الخارجي ، ويرافق ذلك تمركزا حول الذات Egocentrism والانشغال بأفكار غير منطقية وأحلام وتخيلات بموضوعات غامضة 0 وعندما تكون هذه الحالة متطرفة وحادة فإنها تعود أصلا إلى الإنطوائية الذاتية والانغلاق على الذات ، ويمكن للآخرين أن يشاهدوا انشغال الشخص بعالمه الذاتي والداخلي وانفصاله عن العالم المحيط به 0

7ـ السلوك النفسي / الحركي : يشاهد العديد من أشكال السلوك النفسحركي المضطرب عند الفصاميين وذلك في الحالات الحادة والمزمنة 0 ويظهر الضعف الواضح في ردود الأفعال والاستجابة للبيئة مع قلة الحركات والأنشطة العادية 0 وفي الحالات المتطرفة يصبح المريض غير واع بطبيعته البيئية من حوله كما هو في حالة الفصام التخشبي حيث يبقى المريض في وضعية نمطية واحدة ، ويقاوم أي محاولة تمنعه من الاستمرار عليها ، وتظهر أفعالا وحركات نمطية لا معنى لها ، وليس لها أية علاقة بالمؤثرات البيئية ، وقد تأخذ الوضعيات والحركات أشكالا غريبة وسخيفة غير مناسبة 0
8ـ أنواع أخرى ذات صلة : يبدو المريض مرتبكا ومشوشا وغير مرتب 0 وتكون ضروب من الشذوذ في النشاط النفسي / الحركي في السير والانطلاق والتأرجح والاهتزاز والجمود في الحركة شائعة ، كما أن هناك فقد واضح الكلام ، والكلام يقوله له يتميز بأنه غير مناسب أي إجابة غير مناسبة للسؤال ، وغير دقيق ، ويرافقه سلوك نمطي متكلف يرتبط بالتفكير السحري ، وضيق حاد عارم ، وربما تأخذ شكل الاكتئاب أو القلق أو الغضب أو مجموع هذه الحالات معا وهناك كذلك تبدد الشخصية واضطراب الحقيقة الخارجية وأفكار التعقب ( المرجعية ) والخداع الحسي مع الانشغال بالبدن 0 ولا وجود لأي خلل في المراكز العصبية بالاحساسات 0 ومع الزمن يصبح الفرد أكثر تشويشا وارتباكا من صعوبة التوجه والسيطرة ، إضافة إلى خلل الذاكرة وفقدانها ( كليا أو جزئيا )
0
• أنواع مرض الفصام :

تم تقسيم مرض الفصام إلى هذه الأنواع نظراً لأن بعض الأنواع تختلف طريقة علاجها وأيضاً يختلف حال المرض مثلاً 0 وينقسم مرض الفصام إلى عدة أنواع ، ربما تصل إلى تسعة أنواع هي :
1ـ الفصام البسيط Simple Schizophrenia : يبدأ في سن مبكر حوالي الخامسة عشرة أو بعدها ببضع سنوات ويبدأ تدريجياً حتى ينتهي بتدهور شخصية المريض، ويعتبر هذا النوع من أصعب أنواع الفصام نظراً لصعوبة تشخيصه، وكثيراً ما يتمكن المصاب بهذا المرض من العيش دون أن يكتشف أحد إصابته بهذا المرض وربما لا يكتشف إلا في مراحل متأخرة يكون فيها المرض أصبح مزمناً ويصعب علاجه 0

وعندما يظهر المرض في سن الدراسة فينعكس المرض على أداء الطالب المدرسي ، فيبدو غير مهتم بالتزاماته المدرسية أو في العمل مما يؤدي به إلى الرسوب المتكرر الذي لا يكترث إليه المصاب ، ويصبح المريض متبلد الإحساس غير ميال لشيء ويفقد الاهتمام بالأشياء التي كان يهتم بها من قبل ، كما أنه يصبح أكثر إنطواء وانعزالا ، ويرفض المشاركة ويفضل البقاء في غرفته ، ولا يكترث بالمطالبة ، ويرفض الاستحمام أو أن يمشط شعره وقد يهمل هندامه ويشكو من أنه لا يوجد طعما للحياة ، ولا يستمتع بها ، وأنه فقد البهجة والمرح وأصبح لا يهتم بشيء ولا ينفعل لشيء حتى يظنه الناس أنه متخلف عقليا 0

والملاحظ أن هذا النوع من الفصان لا تظهر فيه الهذاءات أو الهلاوس ، وإن كانت العمليات العقلية فيه تسير نحو الانحلال والتدهور مما يصل بالمريض إلى درجة العته Dementia ومن هؤلاء المرضى من يترك أسرته ويعيش على التسول أو التشرد أو البغاء 0 ( الحاج ، 1987) 0

2ـ الفصام المبكر أوالهيبفريني Hebephrenic Schizophrenia :

يتميز بأنه يحوي جميع أنواع الفصام الأخرى وكذلك وجود هلاوس سمعية وسلوك اندفاعي عدواني وتجمد في العواطف وتتدهور شخصية المريض بشكل سريع ومآل المريض سيئ خاصة إذا لم يعالج في وقت مبكر 0ويسمى أيضا فصام المراهقة أو فصام الشباب ، حيث يظهر في سن الشباب من 15 سنة فما فوق ويتميز هذا النوع بوجود جميع الاضطرابات الفصامية مثل : التفكير غير المنطقي ، وبلادة العاطفة والاحساس ، والكلام المضطرب ، وعدم التعاون ، ورفض الطعام ، والعناد والأوهام ، والهلاوس ، وهذا النوع من الفصان من أسوأ الأنواع من ناحية الاستجابة للعلاج ومستقبل الشفاء 0

وأهم ما يميز هذا النوع من الفصان هو السلوك السخيف لدى المصاب ، إذ تبدو على المريض نوبات من القهقهة والحركات ، والتعبيرات المضحكة ، وكأنه مهرّج يقلد رجلا مجنونا ، كما أن أنماط الكلام لديه تعكس شدة اضطراب الشخصية ، فالجمل تتكون من سلسلة غير مترابطة ( سلطة كلامية Word Salad ) كما أن الافحاش في القول ، والتلطيخ بالبراز وقلة ضبط النفس والسلوك ، وكأننا أمام طفل صغير لسخافته الطفولية 0


3ـ الفصام التخشبي أو الجمودي ( الكتاتوني) Katatonic Schizophrenia :

والذي يعتبر نادر الحدوث خاصة في الدول المتقدمة في المجال الصحي بسبب أن المرض لا يترك دون علاج 0 ويبدأ هذا النوع من الفصام متأخراً نسبياً بعد سن العشرين ويعالج هذا النوع من الفصام بالجلسات الكهربائية ويستجيب هذا النوع من الفصام للعلاج بصورة جيدة ولعله من أكثر الصور الفصامية المحزنة ، والاضطراب يظهر في أعراض حركية ويتميز ، ويتميز بالأوضاع الجمودية المختلفة ، والسلبية والمقاومة ، لذلك يصعب التحدث معه أو إشراكه في أي من الأنشطة ، ويمر المريض بنوبة من الذهول أو الهياج 0

أما الذهول Stupor فيبدو المريض في حالة من الجمود والتخشب أو التوقف الجسمي : انعدام الحركة ، لا يقوم بالابتلاع فيسيل اللعاب من فمه ، ويعزف عن الطعام ، ولا يكترث بتنظيف نفسه وجمود الحركة قد يتخذ صورة الاحتفاظ بوضع ثابت عدة ساعات ولو بوضع غير مريح ، ويتميز الشخص المصاب بهذا النوع من الفصان بقابليته للايحاء ، كما تظهر عليه الأيكولوليا Echolalia وهي ترديد كل ما يسمعه ، وقد يتعرض للأذى ، فتتصلب أطرافه وتتورم من طول جمودها ، وقلة جريان الدم فيها ، وقد تظهر عليه المرونة الشمعية 0 أما الهياج والاستثارة Excitement فالمصاب ينفجر في نوبات اندفاعية ، وهياج شديد يتميز بالعدوان العنيف ، وقد يتعرض للأذى أثناء نوبة الهياج 0 وبالرغم من الفصان الجمودي يتميز بالشدة والأعراض السيئة ، إلا أن الأمل في شفائه أكبر بكثير من أي مريض فصامي آخر 0


4ـ الفصام شبه الزوري ( البارانويدي) Paranoid Schizophrenia : الفصام الزوراني ( البارانوي) فيبدأ بعد سن الثلاثين وأيضاً فإن العلاج يكون صعباً إذا تأخر وأحياناً تكون الاستجابة للعلاج بطيئة وبسيطة 0ويتميز بالمعتقدات الخاطئة والأفكار الهذائية والهلاوس والهذاءات في أكثر الأحيان من النوع القائم على الشعور بالاضطهاد أو العظمة0 أما باقي الاضطرابات الفصامية فهي غير ملحوظة أو موجودة بشكل بسيط ، ويشعر المريض بأن هناك من يترصده أو يتتبع خطاه أو يتحدث عنه ، أو يسيطر عليه بأجهزة علمية سرية متطورة ، أو هناك من يضع له السم في الطعام ، أو أن رجال المخابرات أو العصابات تلاحقه وما إلى ذلك 0

أمّا الهذاءات القائمة على العظمة فالمريض يدعي أنه رسول أو أنه شخصية عظيمة ، أو أنه ملك ، وكان هو المؤهل للحكم ولكن المؤمرات حيكت ضده وأطيح به 0 سوف نجد هنا تشابه بين الهذاء الزوري ( البارانويا ) وبين الفصام شبه الزوري ( البارانويدي ) ففي الفصام شبه الدوري تكون الشخصية مفككة ومنحلة بشكل أكبر 0 وفي الهذاء الزوري ( البارانويا ) قد يفلح المريض في مسايرة الحياة اليومية بسبب أن شخصيته لا تتداعى ، فهو يمارس حياته في البيت والعمل والوظيفة ، ومناصب المسؤولية ، وهو محتفظ باتجاهاته الزمانية والمكانية ، كما أنه محتفظ بذكائه ، والهلاوس قليلة 0

أما مريض الفصام البارانويدي فيظهر عليه الاضطراب الكبير في أدائه لوظائفه ، ويعجز أن يمضي وقتا طويلا من غير أن يقدم له العلاج ، كما أن الهلاوس كثيرة في حالة الفصام ، فالأصوات تتحدث إليه وتأمره وتنهيه ، فهو يستجيب لجميع هذه الهذاءات 0 وتعد النفاسات أو الهذاءات الفصامية من أكثر الهذيانات المزمنة انتشارا وهي أهم وأخطر هذه الحالات بالنسبة لعدد الذين يدخلون مستشفيات الصحة النفسية في العالم 0

5ـ فصام الطفولة Childhood Schizophrenia :

أعراض هذا المرض تظهر قبل البلوغ ، ويبدو فيه اضطراب الشخصية بالنكوص الطفولي الشديد ، ويتسم بعدم انتظام درجة الحرارة والنوم والأكل والإفراز العرقي ، والإخراج ، والنمو ، والتحصيل ، والحركة والنضج في استعمال اللغة ، والتبلد ، والانسحاب ، والإصرار على تجاوز الآخرين ، والعناد 0


6ـ الفصام الحاد غير المتمايز Acute Schizophrenia :

وتكون أعراضه حادة وفجائية ، ويتميز بالتفكير المشوش المختلط ، والانحلال ، والاضطراب الانفعالي المتأرجح بين التهيج والاكتئاب 0 وقد يشفى المريض منه تماما في بضعة أسابيع ، أو قد ينتكس تكرارا 0


7ـ الفصام المتبقي أو المتخلف Risidual Schizophrenia :

وهنا المريض الذي أصيب بانفصام ثم شفي منه وعاد إلى مجتمعه ، ولكنه لا يزال يحتفظ ببعض السلوك الفصامي ، وببعض الأفكار ، والانفعالات الفصامية ، أو بقايا الهلوسات ، والهذاءات البسيطة التي لا تؤثر على توافقه وتكيفه 0


8ـ الفصام المزمن Chronic Schizophrenia :

وهو حالة فصامية أولية ، أو كاملة ، أو كانت شبه فصامية ( سطحية ) مر عليها المريض ، ولم يلتفت إليها بالعلاج حتى يزمن المريض 0
9ـ الفصام الاستجابي والارتكاسي Reactive Schizophrenia : وفيه يرتبط المرض بعوامل نفسية حديثة ، أو ضغوط اجتماعية واضحة ، ويكون الشخص متوافقا اجتماعيا قبل المرض 0 ( الحاج ، 1987 ) 0

• أسباب الفصام :

حتى الآن لا توجد أسباب معروفة بصورة دقيقة لمرض الفصام ولكن هناك عوامل كثيرة قد تكون ذا أثر في نشوء المرض منها عوامل وراثية والتي تعلب دوراً مهماً في نقل المرض، علماً بأن المرض لا يورث وإنما الاستعداد للإصابة بالمرض هي التي تورث. وتبلغ نسبة الإصابة بالمرض في التوائم المتشابهة حوالي 46% أي أن هناك ما يقارب 60% هي دور المجتمع والعوامل الحياتية الأخرى 0 وهناك أيضاً عوامل عضوية مثل بعض التغييرات في تركيب الدماغ أو اختلال وظائف بعض الأجزاء في الدماغ 0 وهناك عوامل اجتماعية ونفسية ويتساءل بعض الناس هل يمكن لمرض الفصام أن يصيب شخصاً من عائلة ليس بها مريض بالفصام ؟ والإجابة نعم 0

فقد يصيب مرض الفصام شخصاً ولا يوجد أحد من عائلته مصاب بهذا المرض 0 وهناك سؤال يتبادر إلى أذهان الناس هل استخدام المخدرات يسبب مرض الفصام؟ والإجابة على هذا السؤال تحتوي على جزء من الحقيقة وهي أن بعض أنوع المخدرات ترسب مرض الفصام لمن لديهم قابلية وراثية للإصابة بهذا المرض 0

وأكثر المخدرات التي تساهم في ترسيب مرض الفصام هي الحبوب المنشطة والتي تعرف علمياً بـ " امفيتامين" وتتدوال في المملكة العربية السعودية بين المتعاطين باسم ( الكونغو أو الكبتاغون ) أو ( الأبيض ) أو ( أبو ملف ) أو ( ملف شفرة ) 0 ويمكن لهذه الحبوب حتى وإن لم تسبب أو ترسب مرض الفصام فإنها تؤدي إلى تأثير على خلايا الدماغ وتسبب أمراضاً عقلية شبيهة بالفصام إن لم تكن أسوأ 0


أولا ـ العوامل الوراثية Genetic Correlates : للوراثة دور هام في هذا المرض ، وتؤكد التقارير التي تبين أن الاضطراب يجري في أسر معينة ، ففي 50 ــ 60% من الحالات نجد إصابة بالمرض العقلي في الأسرة ويبدو أن هناك استعدادا خاصا للإصابة بهذا المرض أو أن عاملا وراثيا متنحيا يرثه الفرد يهيئه لمرض الفصام ، أي أن مرض الفصام نفسه لا يورث ولكن الذي يورث هو استعداد الفرد للإصابة 0 فإذا الشخص الذي يكون عنده هذا الاستعداد لظروف نفسية أو بيئية أو حيوية معيشية غير ملائمة ، أو واجه صعابا شديدة تجعله نهبا للصراعات النفسية العنيفة فإنه يقع فريسة لهذا المرض 0


والملاحظة الإكلينيكية تشير إلى أنه كلما ازدادت صلة المرء عن طريق قرابة الدم بشخص فصامي ازداد احتمال الإصابة بهذا المرض لديه ، فهناك حوالي 15% من أخوة الفصامي فصاميون كذلك 0 و5% من أبناء وبنات أخوة الفصامي فصاميون كذلك 0 و16,4% من الأبناء أحد والديهم فصاميا ( فصاميون ) 0 و68,1% من الأبناء أبواهم فصاميا ( فصاميون ) 0 و0,9% من الأبناء أبواهم سليمين ( فصاميون ) 0


إن مرض الفصام ينتشر بين أسرة المريض الفصامي بمعدل أعلى من نظيره في المجموع العام للسكان ، كما لوحظ أن انتشار المرض بين التوائم المتشابهة 60% أعلى منه بين التوائم المختلفة 11% ، وهذا دليل على أهمية عامل الوراثة ولم يتفق الباحثون على طبيعة هذا العامل الوراثي ، هل مورث Gene أحادي أم متعدد ؟ وتجدر الإشارة إلى أن الفصام بوصفه مرضا ذهانيا لا يورث ، بل إن ما يورث هو الاستعداد والتهيؤ والقابلية ، والدليل على ذلك أن التوائم المتماثلة التي توافقت فيها الإصابة بالفصام 60% ، ولو كانت الوراثة العامل الأساس والوحيد لبلغت النسبة 100% 0
ويمكننا القول أن خلاصة الأبحاث التي تربط الفصام بالعوامل الوراثية هي :

1ـ الأبناء من أبوين فصاميين أكثر عرضة للإصابة بالفصام ، من غيرهم من أبوين سليمين بمقدار 68 مرة 0

2ـ إذا كان أحد الآباء فقط فصاميا ، كانت نسبة احتمال تعرض ابنهم للفصام أكبر من غيرهم من أبوين سليمين بمقدار 16 مرة 0

3ـ نسبة انتشار الفصام بين أقرباء المريض بالفصام تزداد كثيرا كلما ازدادت قرابة الدم :

ـ بين الأخوة غير الأشقاء 7,1% 0
ـ بين الأخوة الأشقاء 14,2% 0
ـ بين التوائم أحادية الإلقاح 86,2% 0
ـ بين التوائم أحادية الإلقاح الذين عاشوا معا كانت نسبة الإصابات 91,5% 0
ـ بين التوائم أحادية الإلقاح الذين عاشوا منفصلين كانت نسبة الإصابات 77,6% 0
ـ بين التوائم ثنائية الإلقاح 14,5% 0
ـ أبناء من زوجات غير أقارب 1,8% 0
ـ الجمهور العام 0,9% 0

4ـ دراسة التوائم تؤكد على تأثير الوراثة ، حتى مع اختلاف البيئة 0 ومع ذلك فإن هذا الدليل القوي تواجهه اعتراضات سيكولوجية ، بسبب أن أكثر التوائم المتطابقة ( أحادية الالقاح ) تتعرض لبيئات على درجة كبيرة من التشابه ، بحيث يصبح هناك قدر من الاحتمال أن يتشابه أحدهما بالآخر أكبر من احتمال أن يتشابه أحد التوائم الأخوية بالآخر0

ثانيا ـ العوامل الفسيولوجية : الاختلال في وظائف بعض الأعضاء قد يكون السبب في ظهور الفصام ، كاضطراب الغدد الصماء أو الخلل الوظيفي ( الفسيولوجي ) في الدماغ0 أما الاختلال الوظيفي لغدد الصماء ، فقد وجد بعض الباحثين أن الفصامي لديه انحراف عن التكيف الهرموني السوي للضغوط والإجهاد 0 وقد وجد أن الفصاميين يبدو عليهم قلة نشاط الغدة الأدرينالية للضغوط والإجهاد الفسيولوجي والنفسي 0 ونشاط الغدة الأدرينالية يعد عنصرا جوهريا في الاستجابة الملائمة للإجهاد والضغوط 0 والمعروف في مجال الطب العقلي ، أن الأدرينالين هرمون يعتبره البعض أنه المسؤول عن عدد من الاضطرابات النفسية ، ولذلك يشار إليه بأنه ( عقار الإنذار ) لأنه يزيد من ضغط الدم ، ونبضات القلب ، كما أنه مرتبط عامة بمجالات الاستثارة 0

وارتبط الأدرينالين بالفصام بعد أن لوحظ أن التركيب الكيميائي للأدرينالين يشبه تركيب مادة المسكالين Mescaline التي هي عقار يؤدي إلى الهلاوس والتي مشتقة من مادة Ergot 0 ولذلك فقد قدر العلماء أن تمثيل الأدرينالين قد يتخلف عنه ناتج كيميائي يؤدي إلى الهلاوس وإلى الفصام ، أي أن فرضية الفصام تذهب إلى القول أن الفصام نتيجة لخلل يصيب عملية تمثيل الأدرينالين ، والخلل يؤدي بدوره إلى توليد بعض المواد المؤدية إلى الهلاوس 0 وفرضية الأدرينالين ترتكز على حقيقة شوهدت على أن العناء النفسي Psychological Stress يولد كميات كبيرة من الأدرينالين 0 أما عند الأسوياء فإن الفائض من الأدرينالين ينحل إلى مواد مؤكدة لا ضرر منها يستطيع الجسم بعد ذلك أن يتخلص منها بسهولة بصورة طبيعية 0 وأما في الفصاميين فيظن أن عملية التأكسد يعتريها الخلل ، والذي يترتب على هذا أن يتحول الفائض من الأدرينالين إلى مادتي الأدرينو كروم Adreno chrome والأدرينو لوتين Adrenolutin ، وهما مادتان كيميائيتان يظن أن لهما القدرة على إحداث الهلاوس 0 ثم تدخل هاتان المادتان إلى المخ فتحدثان الاضطراب الإدراكي ، والخلط اللذين يتميز بهما الفصام 0

ثالثا ـ العوامل الكيماوية الحيوية Biochemical : لقد تم دراسة عدد كبير من المواد الكيماوية باعتبارها سببا محتملا للفصام ومنها :

1ـ نظرية فعل الدوبامين ، التي أشارت إلى أن الأمفيتامين الذي يحرر الدوبامين يزيد الحالة الفصامية شدة وتنشيط التوهم الزوري الذي يميل إلى الإزمان 0 أما المواد الكابحة للدوبامين فهي تحسن الهلوسات والتوهمات 0

2ـ نظرية فعل الأندورفين ، وهي الأكثر حداثة ، حيث يوجد ثلاثة أنماط من الأندورفينات : ألفا ، وبيتا ، وغاما ، فتحدث الاضطرابات الفصامية نتيجة لاختلال التوازن بين الإندورفينات الثلاثة وخصوصا لاضطراب تقويض الإندورفين غاما 0 وقد تبين أن تراكم الأندورفين بيتا يؤدي إلى الحالة الجمودية التخشبية ، في حين تراكم ألفا يؤدي إلى لوحة سريرية زورية هذائية 0 وقد درست أيضا مواد أخرى وأهمها : السيروتونين ، والجلوتين فضلا عن دور كل من المناعة والفيروسات 0
كما أن بعض الباحثين كشف عن الآثار الدالة على مواد كيماوية سامة في دم الفصامي وفي دماغه أيضا 0 فالسموم أو التوكسينات البيوكيماوية في دماغ المريض قد تكون من الأسباب الممكنة للذهان 0 إ

ن أول ما بدا أول الأمر من اضطراب بيوكيماوي في الفصام هو أمر مبالغ فيه ، فقد كانت الدعاوي المتحمسة تتلوها على الدوام نتائج سلبية أو مناقضة وبخاصة أن الدراسات البيوكيميائية الأولى لم تأخذ بعين الاعتبار آثار المكوث في المصحات العقلية لفترة طويلة ، أي أن مرضى الفصام في هذه الدراسات كان تاريخهم يتضمن فترات من سوء التغذية ، أو التلوث أو العلاج بالعقاقير لفترة طويلة 0وقد غاب عن أذهان الباحثين أن أمثال هذه العوامل قد تسبب فروقا كبيرة في اختبارات أمصال الدم وتحليل البول 0 ولتصحيح مثل هذه الأخطاء ليتسنى لنا التقدير الصحيح لما يدعيه الباحثون في الكيمياء الحيوية أجرى المعهد القومي للصحة العقلية National Institute of Mental Health مشروعا كبيرا للبحث ، وقد خرجت نتائج هذا المشروع تلقي ظلالا كثيفة من الشك على بعض النتائج التي قررها الباحثون من قبل ، وترد هذه النتائج إلى المستويات الصحية السيئة ، وإلى التغذية غير الكافية ، وما إلى ذلك من العوامل 0


رابعا ـ العوامل الجسمية : يربط البعض بين الفصام وبين النمط الجسمي النحيل ، ولقد لا حظ ( كرتشمر ) أن الفصاميين يميلون نحو البنية النحيلة ، كما لاحظ أن حوالي ثلثي المرضى كانوا من هذا النوع من البنية الضيقة ، ومع ذلك فقد استعرض ( ريس ) تقارير البحوث واستنتج من ذلك أن الفرض التكويني لدى ( كرتشمر ) لا يجد إلا بعض التأييد 0 ومن بين هذه الدراسات التي قام بها ( كلاين ) و ( تيني ) بفحص 455 من الفصاميين الذكور ، فوجد أن 26% منهم من النوع النحيل فقط 0
خامسا ـ العوامل الأسرية : إن اضطراب العلاقة الشخصية المبكرة بين الوالدين والطفل وخاصة الأم ، وكذلك الحال مع الأب القاسي أو السلبي ، من أسباب حدوث اضطراب الانفصام ، لأن اضطراب المناخ الأسري والمحيط الطفلي والبيئة التي تحيط بالطفل وهو يناضل من أجل النشأة السوية تسبب صراعا نفسيا في مرحلة الطفولة ينشط مرة أخرى في مرحلة المراهقة نتيجة لأسباب مرسبة تساعد على نشوء الفصام 0

• كيف تسهم الأسرة في نشأة الفصام ؟ :

لقد وضعت نظريات أو فروض عديدة من خلال الممارسة العيادية والفروض هي :
1ـ التعلق العاطفي Attachment : يعكس الفصان تمزقا في الارتباط بين الطفل والوالدين ، وأن بناء الثقة الأساسية يكون ممزقا ، وينتج عن ذلك خوف من الفقد والانفصال والانسحاب 0

2ـ الترابط المزدوج : يمكن أن تسبب أشكال معينة من العلاقات بين الوالدين والطفل بسلوك الفصان ، ويقوم الوالد بالاتصال بالطفل بطرق مختلفة تتطلب استجابات متناقضة ، فيقول مثلا : " لا تكن مطيعا تماما " ، " افعل ولا تفعل " ، ويتعامل الطفل مع هذه المتناقضات بطرق انسحابية 0

3ـ الشقاق وعدم التماثل بين الزوجين : حيث يكون الوالدين في صراع واضح ويحاول كل واحد منهما أن يجند الطفل إلى جانبه 0 وفي حالات أخرى يكون هناك انحراف زواجي بحيث يسيطر أحد الوالدين بشدة على الآخر 0 إن الشقاق وجو المشاحنات الأسرية ، والطلاق والانفصال لها عواقب وخيمة على الأبناء 0

سؤال ـ هل الخصومات والمشاحنات وتوتر العـلاقة بين الوالدين تؤثر في سلوك الأبناء وتربيتهم ؟
‍ 0
الجواب :

تشير الدراسات إلى أن المشاحنات والخلافات تؤثر على سلوك الأبناء وعدم الوصول بهم إلى الطريقة المثلى في التربية 0 وتشير المشاحنات إلى الخلافات التي يمكن أن تقع بين الوالدين ، وتبدو في أشكال سلوك كلامي وحركي متعدد الأنواع ، وتخلق في البيت جوا من التوتر يؤثر في حياة الأبناء تأثيرا بالغا 0 والخلافات بين الوالدين يمكن أن تقع والأصح القول أنها كثيرا ما تقع ، ولكن بعضهم لا يذهب فيها إلى أكثر من حدود المناقشة (( المهذبة )) بحيث تنتهي المناقشة إلى بعض الحلول المنطوية على الكثير من التسامح عند الطرفين 0 ويكثر في أمثال هذه الحوادث البسيطة أن يبعد الوالدان جو مناقشتهما عن الأولاد حرصا على حسن تربيتهم 0

إن جو المشاحنات في الأسرة من أشد الأجواء تأثيرا في إيجاد صعوبات في التكيف تعرقل حسن نمو الأبناء 0 فإذا انتهت المشاحنات إلى انقطاع كامل أو ما هو قريب منه في العلاقة بين الوالدين وأصبح البيت متصدعا أو مهدما ، غدا البيت من الجحيم في نظر الأبناء ، وقد رأينا الكثير من الأمثلة عن تأثير هذا الجو في جنوح الأحداث ، وتصبح التربية للأطفال في جو مثل هذا غير صالحة وكافية ولا يأخذ الأطفال نصيبهم منها 00 وإذا انفصلا الأبوين عن بعضهما أو عاشا معا لكنهما ليست بينهما أي مودة أو اتصال أو تقارب عاش الأبناء أجواء الطلاق النفسي والذي هو أشد وقعا وتأثيرا على نفسياتهم من الطلاق والانفصال الحقيقي 0


4ـ الارتباك والحيرة Mystification : يمكن أن يكون الفصان الملاحظ لدى بعض الأطفال وسيلة عقلية عملية للتعامل مع الوالدين اللذين يتصرفان بطرق غير ثابتة ومرتبكة

5ـ التعلم الاجتماعي : قد يكون التدعيم الفارق الذي تقوم به الأسرة أساسيا في تعلم السلوك الفصامي ، ويتلاشى السلوك السوي نظرا لتجاهله ، ويدعم السلوك الغريب Bizarre عن طريق توجيه الانتباه إليه 0

6ـ الأم الفصامية وراثيا : فقد تكون الأم من النوع الذي يحمي بإفراط ، أو تتسم بأنها كتومة رافضة ومنعزلة ومتحكمة لدرجة كبيرة بشكل يؤدي إلى إحداث سلوك فصامي عند الأطفال ، فتهيئ بذلك إلى خلق شخصية فصامية عند أولادها 0

فالأم المسببة للفصام مثال حي للتناقض وعدم الاتساق ، فهي انعزالية ولكنها طاغية ، وهي تبدو في ظاهر الأمر متقبلة تقوم بحماية الطفل ، ولكن هذا يكون بمثابة رد فعل لما تشعر به من رفض ونبذ ، وهي قد تتجنب العلاقة الوثيقة ، وتظل انعزالية بمنأى ، ولكنه يبدو أن لديها حاجة قاهرة إلى أن تنغمس في كل أنشطة الطفل 0 فمن المستحيل بالنسبة للطفل أن يتنبأ بما يدور في سرها ويرضيها ، زد على ذلك أن الإحباط الذي تفرضه الأم على الطفل يكون متغيرا متقلبا غير ثابت ، ولذلك فإن الطفل يشعر بالحيرة ولا يدري كيف يتعامل معها 0 فيبدأ الطفل بالانسحاب الفعلي كوسيلة ليدفع عن نفسه شر هذه الأم كثيرة المطالب غير المتناسقة أو المتناقضة والتي تتدخل في شؤون حياته 0

إن آباء مرضى الفصام انعزاليين وسلبيين وعاجزين عن القيام بالدور التوافقي الأدائي الفعال ، ومن بين هؤلاء الآباء ، الأب الإتكالي الذي لا يفرض المطالب ، والأب العدواني الذي يفرض المتطلبات والذي هو غير واقعي أو معقول 0

وبالطبع فإن هناك ظروفا أسرية تكون الأحوال فيها من النوع الذي يؤدي إلى التفكك بصورة مباشرة 0 فالطفل في هذه الأسر يقال له ( نعم ) ويقال له ( لا ) في وقت واحد ، وهو يتلقى الحب ويتعرض للنبذ ، ويستقبل المديح والتقريع معا 0 فالطفل يخبر سلسلة من الضغوط التي قد ترجع إلى صدمات معينة ، كالمشكلات العائلية ، والانهيار الأسري ، وسوء التوافق بين الوالدين ، والبرود الانفعالي ، والطلاق العاطفي بين الأزواج مما ينعكس على الأبناء ويجعلهم على حافة الهروب من الأسرة أو إلى الإحباط المستمر الناجم عن الحياة مع جو الأسرة المسببة للفصام 0

سادسا ـ العوامل الثقافية والاجتماعية : يرى ( كوبر ) أن الفصام انعكاس لنمط التنظيم الاجتماعي الاقتصادي لمجتمع معين 0 ويقول بوجود مجتمعات منتجة للفصام تحمل درجة عالية من التوتر والاستلاب ، إلا أن هذا المجتمع ينكر مرضيته ويتخلص منها بدلا من معالجتها وذلك بتحميلها لعدد من الأفراد الضحايا 0 ومن براهينه ، تبدل اللوحة العرضية للفصام حسب الوسط الثقافي والاجتماعي 0

في بعض المجتمعات مثل أفريقيا يندر وجود الفصان وغيابه تماما في بعض القبائل ، مثل قبائل ( البانتو ) الأفريقية 0 إن الدراسات الطبية والنفسية القديمة تورد وصفا يقارب الفصان ، ولم يتم ذلك إلا في أوروبا بدءً من القرن التاسع عشر 0

وقد أجرت منظمة العالمية دراسة دولية استمرت خمس سنوات ، ومسحت ثمان دول هي : الدانمارك ، وبريطانيا ، وتشيكوسلوفاكيا ، وتايوان ، ونيجيريا ، والهند ، وكولومبيا ، وخرجت الدراسة بما يلي :

1ـ وجود الهلوسات البصرية في مناطق العالم الثالث 0
2ـ توجد أعراض مشتركة مثل : تآلية الذهنية ، وأفكار التأثير ، والهلوسات السمعية 0
3ـ يكون الإنذار ومآل الاضطراب أفضل في مناطق العالم الثالث مما هو عليه في العلم الغربي0
وقد فسر العلماء والباحثين بأن ذلك بسبب العزلة الاجتماعية ، والضغوط الشديدة ، وعدم الاستقرار في المناطق الصناعية الغربية 0

• العوامل التي تراها مدرسة التحليل النفسي :


تنظر مدرسة التحليل النفسي إلى السلوك الفصامي على أنه انعكاس لعيب أساسي في الشخصية يؤدي وجوده إلى تهيئة المريض إلى العودة إلى مستويات الأطفال في العمل تحت ظروف الشدة والضغط 0
فميل الفصامي إلى السلوك الطفولي أو إلى النكوص The Regression إنما ينتج عن خبرات انفعالية سلبية تحدث خلال السنوات الأولى القليلة من الحياة فالصدمات النفسية العنيفة والحرمان في الطفولة المبكرة ، كل ذلك يجعل الفرد حساسا لا يتحمل الضغط المتأخر عندما يكبر 0

حتى أن الطفل الذي يتعرض لفرط الأمر الذي يجعله غير قادر على أن يسعر لنفسه أو أن تكون له ذاتيته المنفصلة 0 وسواء كان الطفل قد تعرض لفرط الحماية أو للحرمان من الحب ، فإن النتيجة في الحالتين واحدة ، وهي أن يواجه النمو النفسي بالعقبات 0 لأن الحرمان والإفراط يؤديان به إلى توقف التقدم النفسي أو إلى تثبيته على الرغم من نموهم الجسمي والعقلي ، لذلك نراهم أميل إلى التعامل مع العالم بأساليب غير ناضجة ، أو هم يتسمون بشخصية طفولية 0

وإذا ما تعرضوا للضغوط أو العناء كان لديهم إلى أن ينزلقوا في أنماط من الاستجابات التي لا تتناسب ومرحلة النضج 0 وبوجه عام فإن نظرية النكوص كما تراها مدرسة التحليل النفسي يمكنها أن تفسر قدرا كبيرا من الأعراض الفصامية لأن سلوك الفصامي الذي يأكل أصابعه ويتبرز في ملابسه يفسر بأنه عودة بدائية إلى أولى مراحل النمو 0 كما أن الهلاوس السمعية والبصرية والميل إلى الانعزال الاجتماعي تعد نتائج مباشرة لانغماسه في الأوهام0

إننا لو أردنا تلخيص النظريات التي تفسر أسباب الفصام لوجدناها تعرضت إلى شيء كبير من التطور ، فـ ( كرايبلن ) الذي كان من أوائل من يؤمنون بوجود أسباب عضويته للمرضى عاد بعد ذلك فشك في أن يكون الفصام ناشئا عن خلل أيضي 0 كذلك حاول ( بلويلر ) أن يضع تفسيرا سيكولوجيا بحتا مع التركيز على تخلخل الترابطات ووجود التناقض الوجداني وعلى تقبل المريض لعالم اجتراري ولكنه لا يزال يؤمن بوجود تسمم عضوي يكمن تحت العوامل النفسية 0 ولكن ( ماير ) كان أكثر التزاما بالمنحنى السيكولوجي ، فقد رأى أن الفصام عبارة عن المحصلة النهائية لتراكم عادات خاطئة عبر السنين ، حيث أن المريض كان يستجيب لأنواع الفشل في حياته عن طريق الهروب والاختباء منه بأحلام اليقظة أو إطالة التفكير والتدبر أو بالتخلي عن الاهتمام بالأمر ثم تزداد حدة وتطرفا وتتحول إلى أعراض الفصام 0 أما ( فرويد ) وأعلام المدرسة التحليلية فيرجعون الفصام إلى الصراع المستمد بين الأنا الأعلى والهو مما يضعف سيطرة الأنا الأعلى على الشخصية ويضعف الأنا ويولد صراعا مستمرا بينه وبين العالم الخارجي يؤدي به إلى الانفصال عن الواقع 0

• الوقاية من الفصام :

من خلال ما تقدم تعرفنا على الفصام وأنه مرض خطير وكارثة نفسية من صنع الإنسان نفسه ، وللوقاية من الفصام يجب اتخاذ الإجراءات الوقائية التالية :
1ـ توفير الحب والأمن الذي يدعم نمو الشخصية ، وتعليمه أن طريق النجاح طويل ويحتاج إلى الجهد والمثابرة 0 وتشجيعه على اعتبار الفشل دافعا للاجتهاد بدلا من اعتباره عامل إحباط 0 والعناية بالتشجيع والمدح والثواب عند تحقيق الواقعية التي تناسب إمكانيات الطفل 0 وتجنب اللوم والعقاب للطفل ، ويجب مساعدة الطفل على التعلم وتحقيق النجاح 0
2ـ العناية بعملية التنشئة والتطبيع والاندماج الاجتماعي ، والعناية بتكوين مفهوم الذات الموجب عند الفرد 0 وتوجيه الطفل منذ الصغر نحو الأهداف الواقعية التي يمكن تحقيقها والعناية بتحديد فلسفة واضحة لحياة الطفل منذ البداية ، وتدريبه على تحمل المسؤولية ، والقضاء على الأنانية والعدوان عند الفرد 0

3ـ عدم تعريض المهيئين أو المعرضين للإصابة بالفصام للتوترات الشديدة والإحباطات والصراعات والكبت ، وتشجيع هؤلاء على الاختلاط وعدم الاستبطان والاستغراق في الذات 0
4ـ تجنب أو منع التزاوج بين المهيئين للفصام أو المفصومين 0

• علاج مرض الفصام :
ليس من الضروري أو المحتم وضع جميع الفصامين في مستشفيات الصحة النفسية ، ويمكن علاج معظم الحالات المبكرة كمرضى خارجيين 0

ويعالج مرض الفصام بأدوية فعالة منذ أن تم اكتشاف الكوروبرومازين عام 1953 والذي أحدث ثورة في عالم علاج المرضى النفسيين وتم تطوير هذه الأدوية إلى أن وصلت الآن الى مستوى متقدم بعد ذلك أصبح هناك العديد من الأدوية التي تعرف بالأدوية التقليدية مثل آلهالوبيردول، ستيلازين، مليرل وأنواع أخرى من هذه الأدوية التقليدية. ثم في التسعينات من القرن الماضي خاصة بالوصول الى أدوية ذات فعالية عالية وأقل أعراض جانبية، مثل ما يعرف حالياً بالأدوية غير التقليدية (atypical anti Psychotis) مثل الكورزابين والرسبيريدال (Resperidal) والولانزبين (Olanzapine) وهذه أدوية حديثة تلعب دوراً فعالاً في علاج الفصام خاصة الأعراض السلبية (Negative Symptoms) 0
أما منهج المقاربة العلاجية فيتضمن أساليب متكاملة ، دوائية كما ذكرت مسبقا ، ونفسية واجتماعية 0

وتعتبر المثبطات العصبية ، ومضادات الذهان هي المعالجة الدوائية الرئيسية للفصام 0 ويتم اختيار نوع المثبط حسب مفعوله النوعي ، ويتم انتقاء دواءً إما يكون ذا مفعول مهدئ ، أو منشط مزيل للتظاهرات الذهانية ، وخاصة الهلوسات والتوهمات ، ويتم تكييف المقادير حسب شدة الأعراض 0 أما المعالجة النفسية والاجتماعية فتعتمد العلاج السلوكي والعلاج العائلي ، إضافة إلى المعالجات الاجتماعية عن طريق العمل وإعادة التأهيل ، وتبقى عملية المعالجة من مهمة المعالج النفسي وتحت إشرافه 0


إن علاج الفصام عملية طويلة تحتاج إلى كثير من الحنكة والصبر والاهتمام بالعلاقة العلاجية ، والرعاية النفسية اليقظة والمستمرة 0 ويهدف العلاج النفسي إلى تنمية الجزء السليم من الشخصية وإعادة تنظيمها ، والاهتمام بإزالة أسباب المرض ، وشرحها ، وتفسيرها ، وهذا لا يتم إلا بإقامة علاقة مبنية على الثقة مع المريض الذي نجد اتجاهه الأساسي نحو الناس هو عدم الثقة 0 وعن طريق الوسائل المختلفة يصبح المعالج رباطا حقيقيا يشد المريض إلى الواقع 0 وينبغي ألا يفرض على المريض أن يتقدم نحو التبصر العميق ، أو الفهم العقلي لأعراضه إلا بعد أن يتهيأ للاتصال بالآخرين على أساس أكبر من الإحساس بالطمأنينة والأمن والسيطرة 0 كما يجب على المعالج أن يكون واقعيا مع الفصاميين يتفهم خلفياتهم وميولهم ومشاعرهم ويساعدهم على إشباع حاجياتهم مع التركيز على أهمية العودة إلى العالم الواقعي والابتعاد عن الأوهام الخيالية 0 ويبرز هنا دور علم النفس الطبي ، والاستشارة النفسية في علاج الأعراض المزمنة ، ومنها الفصان ، حيث ينبغي للمعالج أن يكون فاهما لحالة الفصامي ، وعلى وعي دائم بكلامه المختلط الذي لا تتطابق فيه المعاني والمقاصد والتعبيرات اللفظية على الدوام 0 فيجعل من نفسه أبا أو أخا أو أما للمريض ، فيقضي معه الساعات الطويلة ، ويشتري له ما يحبه

0 ومن أساليب العلاج النفسي المستحدثة نوعان من العلاج العائلي :

الأول ـ يستدعي المريض وأسرته معا لجلسات العلاج النفسي العائلي 0
الثاني ـ يعيش المريض وأسرته بالفعل معا في مراكز الأبحاث النفسية في برنامج إقامة عائلية ، بحيث أن المريض لا يوجه إليه علاج فردي ، وإنما تعالج الأسرة بوصفها وحدة متكاملة 0 "

• العلاج النفسي Psychological Therapy :
يتفق معظم الأطباء على أنه لا يجوز الشروع في العلاج النفسي ، مالم يكن مريض الفصام قد استعاد بعض وعيه ، وبعض اتصاله بالواقع ، حتى يكون قادرا على التجاوب الانفعالي مع المعالج النفسي 0 وفي مثل هذه الحالة يتوجب العلاج النفسي الجماعي لإبعاد المريض عن حالة العزلة واستعادته لثقته بالآخرين وبنفسه 0
وقد استخدم حديثا العلاج النفسي السلوكي ، حيث يقدم التدعيم للمريض كلما صدرت عنه الاستجابة المطلوبة 0 وقد نجح كل من ( إيزاكس وتوماس ، وجولديا موند ) في إعادة القدرة على الكلام لاثنين من مرضى الفصام ، ممن أصابهما البكم ، وذلك بتقديم العلك كتدعيم للاستجابة الناجحة 0

• العلاج الاجتماعي Socio therapy :

وفي هذا النوع من العلاج يكون العمل مع عائلة المريض ، وذلك لدفعها إلى استيعاب المريض وقبوله ، وعدم تحميله ما يفوق إمكانياته وقدراته ، وعلى الأسرة أن تتحمل بعض تصرفات المريض وتشجعه على الاختلاط بالآخرين 0

• العلاج بالعمل Occupational Therapy :

وفي هذا النوع من العلاج ، يعني أن نجد ما يشغل المريض مهنيا ، وذلك أثناء وجوده بالمستشفى حسب ما يتناسب معه ومع عمله السابق قبل المرض ، أو نجد له عملا آخر يشغل وقته ويتناسب مع قدراته وأعراض مرضه 0

• علاج الفصام بالصدمة الكهربائية Eletro-Convulsive Therapy : E.C.T :
وفيه يلصق قطبان كهربائيان على صدغي المريض ثم يحرر تيار كهربائي خلال المخ 0 والعلاج بالاختلاجات الكهربائية لا يزال يعد علاجا للأعراض في جوهره ، إذ أنه ينتقص من حدة الأعراض ، ولكنه لا يحقق الشفاء بالضرورة 0 ولقد استخدم هذا العلاج مع الفصاميين وفي دراسة تتبعية لمدة 25 سنة فيها المقارنة بين مجرى المرضى من قبل استخدام الصدمات الكهربائية والأنسولين ومجرى المرضى من بعد استخدامها فبينت النتائج أن معدل الشفاء في خمس سنوات تحسن من 9% من قبل أن يتيسر العلاج إلى 22% من بعد ذلك 0

و أقل مرضى الفصام استجابة للعلاج بالصدمات الكهربائية هم مرضى الذهول الجمودي ، ومرضى الفصان الهيبيفريني والبسيط ، على حين أن أكثرهم استجابة للعلاج بالصدمات هم مرضى الهياج الجمودي والفصام شبه الزوري الحاد 0 ويكون استعمال الصدمة الكهربائية على أساس صدمة واحدة أو اثنين في اليوم ثلاثة أو أربعة أيام مع التذكير بضرورة تحقيق شروط التحذير العادية التي تفرضها هذه الطريقة العلاجية ، مثل وجود إصابة بالقلب والرئة وامكانية تشنج العضلات الذي يمكن أن ينجم عنها كسر أو فك بالمفاصل ، علما بأنه اليوم يعطى المريض عقارا مرضيا للعضلات Curare قبل استخدام الصدمات حتى يحدث نوعا من الشلل المؤقت عند المريض وبذلك تقل احتمالات إصابة الجسم بالأذى ، وعلى الرغم من أن العلاج يبدو مفيدا بالنسبة لبعض مرضى الفصام إلا أنه يجب ألا يستخدم إلا في الحالات لا تفيد فيها العقاقير 0


• هل الأدوية المضادة للفصام مخدرة وتؤدي إلى الإدمان؟ :
الأدوية المضادة للفصام ليست أدوية مخدرة ولا تؤدي إلى الإدمان ولا تدمر المخ أو الخلايا العصبية كما يقول بعض عامة الناس أو أنصاف المتعلمين. بل على العكس الأدوية المضادة للفصام ذات فائدة كبيرة للمرضى تقوم بدور فعال للحد من استشراء المرض وتساعد في التخفيف من الأعراض الذهانية النشط الإيجابية (Positive Symptoms) مثل الهلاوس السمعية والضلالات وكذلك تؤدي إلى استقرار الحالة وعدم التدهور في السلوك والتفكير، وهذه الأدوية مثل الهالوبيردول (Haloperidol) والكلوروبرمازين (Choloropromazine) وترأي فلوبرأزين (Trifoperazine) تعرف بالأدوية التقليدية لعلاج الإضرابات الذهانية. يجب على المريض عدم أخذ أي علاج إلا باستشارة الطبيب المعالج. ويجب على أفراد العائلة التنبه لهذا الأمر والعناية بالمريض الذي يعاني من مرض الفصام والحرص عل مواظبة المريض على أخذ علاجه حيث أنه في كثير نم الأحيان يكون المريض فاقداً للاستبصار بحالته ( أي لا يدرك أنه مريض ويرفض أخذ العلاج ) لذا فإن للعائلة دوراً مهماً في استقرار حالة المريض بالفصام 0

• رعاية مريض الفصام داخل المجتمع :

بعض مرضى الفصام - خاصة في مرحلة المرض المزمن - يحتاج لأن يتعالج بأدوية ذات مفعول طويل، يمتد مفعولها لفترة قد تصل الى أربعة أسابيع، بالإضافة الى الأدوية المعتادة لعلاج حالات الفصام التي يتناولها عن طريق الفم. وهذه الأدوية هي حقن بطيئة الامتصاص في الجسم مما يجعلها تنقى فعاله في الجسم لهذا الوقت الطويل 0 تبنى قسم الطب النفسي ببرنامج مستشفى القوات المسلحة بالرياض والخرج منذ عدة سنوات مشروع رعاية المرضى المزمنين داخل المجتمع، وذلك بأن يتم زيارة المريض في منزله من قبل فريق من قسم الطب النفسي يقوم بتقييم حالة المريض العضوية والنفسية والاجتماعية ومدى حاجته للعلاج ويقوم بإعطاء المريض الأدوية التي تصرف له من المستشفى وتنسيق مواعيد مراجعة المريض للعيادات الخارجية عند الحاجة لذلك 0 ويعتبر هذا المشروع الوحيد في المملكة العربية السعودية والثاني على مستوى دول الخليج العربي حيث يوجد برنامج مثيل له في دولة البحرين فقط 0

• هل يتحسّن مرضى الفصام ومتى يوقفون العلاج ؟ :

يعتمد التحسن في مرضى الفصام على الظروف عند بدء المرضى وخاصية المصاب قبل بدء المرضى وليس على أعراض المرض ذاته. ويلعب العلاج الدوائي والمواظبة عليه دوراً أساسياً في تحسن المريض وكذلك الدعم الأسري والاجتماعي من المحيطين بالمريض. والدراسات التي أجريت على مرضى الفصام بينت أن المرضى الذين لم يتعاطون الأدوية يتحسنون بصورة أفضل من المرضى الذين لم يتناولوا أدوية لعلاج مرض الفصام. وبينت الدراسات أيضاً أن المرضى الذين يواظبون على الأدوية وهناك من يرعاهم أسرياً وكذلك وجود دعم اجتماعي فإن انتكاساتهم أقل من الذين لا تتوفر لهم العناصر السابقة. نسبة لا بأس بها تتحسن وتعود الى الحياة بصورة جيدة مع العلاج ولكن هناك نسبة تصل الى 25% لا تتحسن ويتحولون الى مرضى مزمنين ويحتاجون الى أن يستمروا على العلاج لفترة طويلة 0

إن إيقاف علاج مرضى الفصام قرار خطير لا يجب أن يتخذه المريض أو العائلة أوالشخص المسؤول عن المريض إلا بعد استشارة الطبيب المعالج ومناقشة الحالة بشكل موسع وشامل ويأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب الحياتية للمريض بكافة أبعادها النفسية والعضوية والاجتماعية ويجب على الأهل عدم التسرع في إيقاف العلاج عن المريض مهما كانت الأسباب إلا باستشارة الطبيب المعالج أو طبيب متخصص على معرفة بالمريض والمرضى 0
_________________
فلا تصحب أخا الجهل
وإيّاك وإيّاه
فكم من جاهل أردى
حكيما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء
إذا ما المرء ماشاه
وللناس من الناس
مقاييس وأشباه
وللقلب على القلب
دليل حين يلقاه
وفي العين غنى للعين
أن تنطق أفواه



منقول