مصطفى إنشاصي
الرئيس فرانكلين روزفلت
الرئيس (فرانكلين روزفلت) مثال للغدر والخداع والتضليل الأمريكي، وقد اختلف الكتاب حول حقيقة مواقفه من الصهيونية، ومدى تأييده لإقامة كيان لليهود في فلسطين، فهو في الوقت الذي أخبر فيه العاهل السعودي أنه ضد الهجرة القسرية إلى فلسطين، كان يدعم هجرة اليهود إلى فلسطين، وكان يفكر في تسكين جماعة منهم في شمال العراق أيضاً، حيث الموطن الأول لإبراهيم عليه السلام، وقد كان تظاهره بالاعتدال راجع لحرصه وخوفه من أن تتضرر مصالح الولايات المتحدة التي بدأت تزداد في وطننا على حساب المصالح البريطانية، إذا ما أظهر حقيقة موقفه المؤيد للصهيونية. كما أنه كان يخشى من تحالف العرب مع الاتحاد السوفيتي الشيوعي في حال أعلن تأييده للمطالب الصهيونية في فلسطين. كما كان يخشى على المهاجرين اليهود أن يذبحهم العرب كما صور له ذلك أصدقاءه من الزعماء العرب.

فقد قال روزفلت لأعضاء الوفد اليهودي الذين قابلوه قبل مؤتمر يالطا، أنه في حال رفض العرب الاقتناع والتفاهم وقبول إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كما كان يوهم العرب بأنه وطن قومي وليس كومنولث (دولة): "إذا أخفقت المفاوضات بين العرب واليهود، فإنه يتوجب على الأمم المتحدة، أن تخلق كومنولثاً يهودياً، وتحميه بقوة شرطة دولية إلى أن يستطيع حماية نفسه"!

كما أنه لم يغفل عن أهمية وطننا بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة، وعن أهمية استقرار الأوضاع فيه، لأن في ذلك مصلحة مهمة للعالم أجمع، فقال في أذار 1944: "(الشرق الأوسط) منطقة للولايات المتحدة مصلحة حيوية فيها، إن الحفاظ على السلام في تلك المنطقة التي لم تشهد قلاقل متكررة في الماضي مهم جداً للعالم أجمع". هذه العبارة أفتتح بها التقرير الإستراتيجي الأمريكي لعام 1995م.

لذلك بعد وفاته قال (إسرائيل جولد شتاين) رئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية: "لقد فقد الشعب اليهودي صديقا متفهما، وفقدت الصهيونية بموت روزفلت صديقها العلني"! وقد ذهب بعض المؤرخين إلى أن روزفلت كان يهودياً، واسم عائلته الأول "روزنفلت". وقد مكن اليهود من السيطرة على اقتصاديات البلاد ومواردها. وفي عهده تم اتخاذ النجمة السداسية (شعار دولة إسرائيل) شعاراً رسمياً لدوائر البريد، والخوذة التي يلبسها الجنود في الفرقة السادسة، وعلى أختام البحرية الأمريكية، وعلى ميدالية رئيس الجمهورية!

الرئيس ترومان وصحراء النقب بين التقرير والتنفيذ
إن كان الرئيس ولسون وضع أسس إستراتيجية السياسة الأمريكية الحديثة، وحدد أهدافها نحو وطننا أثناء وأعقاب الحرب العالمية الأولى، في العمل على إنشاء الكيان الصهيوني في قلب الأمة والوطن، فإن الرئيس هاري ترومان أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية وضع هذه السياسة موضع التنفيذ والتطبيق، وجعلها تَفِ بوعد ولسون لليهود برعاية كيانهم في فلسطين والحفاظ عليه، حيث جعل مصلحة وحماية الكيان الصهيوني محور ومركز السياسة الأمريكية في وطننا.

وإن كانت فلسطين كلها في حدودها التي رسمتها المخططات اليهودية والغربية مهمة للهجمة الغربية التوراتية على وطننا بأبعادها الدينية، والحضارية، والجغرافية، والسياسية، والإستراتيجية، فإن صحراء النقب ذلك الجزء الجنوبي من فلسطين هي أخطر ما في المشروع الغربي التوراتي بعد القدس! لأن صحراء النقب تمثل الجسر وهمزة الوصل الأرضي بين شطري الوطن، الذي تحاك المؤامرة لشطره وضرب عقيدة شعوبه، ومنع عطائهم الحضاري، وكف تهديدهم المستقبلي للغرب وفصله كلياً عن بقية الوطن حتى تتحقق إمكانية العزل الكاملة بين شطري الوطن، وتصبح عملية الاتصال بينهما صعبة، وهكذا يضمن الغرب عدم قيام أي وحدة حقيقية أو قوة في المنطقة يمكنها أن تهدد مصالحه في وطننا.

لذلك عندما قررت الأمم المتحدة عام 1947م تقسيم فلسطين بين المسلمين واليهود؛ "وأثناء مناقشة حدود الدولتين المقترحتين اقترح الوفد الأمريكي منح القسم الأكبر من صحراء النقب للعرب، للتعويض عن بعض التعديلات التي أدخلت حول مسألة تقسيم يافا والقطاع الغربي من الجليل الأعلى وغيرها. قام الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان بزيارة خاصة للبيت الأبيض في 19 نوفمبر"! وقد اعترف وايزمان أنه كان قادماً لإقناع ترومان بأن يكون التقسيم في النقب على أساس خط عمودي بين العرب واليهود فوجد ترومان أكثر منه حرصاً على تسليم النقب كلها اليهود!

ومما يؤكد أهمية النقب لتحقيق الأهداف اليهودية الغربية ضد الإسلام، اغتيال اليهود الكونت "برنادوت" موفد الأمم المتحدة لحل المشكلة الفلسطينية عام 1948م، لمجرد أنه نص في مشروعه لحل المشكلة على اقتطاع النقب والقدس من قرار التقسيم وإعادتها للعرب! ذلك لم يرفضه اليهود فقط لأنه يتعارض وأطماعهم في المنطقة بل كافحته كل الدول الغربية الأعضاء في الأمم المتحدة بكل ما أوتيت من قوة، بما فيها روسيا البلشفية التي كان "صوتها هو صوت الغالبية الذي رجح قرار التقسيم عام 1947 لدى التصويت في اللحظة الأخيرة"!