-
باحث في علم الاجتماع
الغرب والإسلام (92) من الوعد المشئوم إلى قرار التقسيم ضاعت فلسطين!
مصطفى إنشاصي
كثير من أبناء الأمة يجهلون حقيقة الموقف الغربي وعلى رأسه الصديقة أمريكا، أو يتغافلون أو متواطئون أو ... لقد كان ولازال للولايات المتحدة الدور الأكبر منذ بداية القرن الماضي في كل نكباتنا، بدءً من ابتداعها لمصطلح (الشرق الأوسط)، مروراً بمحاولاتها تحقيق مشروع (الشرق الأوسط) منذ أربعينات القرن الماضي واقعا على الأرض، انتهاء بالجدل القائم الآن حول مشروع (الشرق الأوسط)، الذي عاد ليطرح بقوة مع بدء خرب إبادة غزة..
لإدراك حقيقة الموقف الأمريكي علينا أن نعي ظروف النشأة اليهودية القبالية للكيان الأمريكي على أيدي المغتصبون الأوروبيون المهوسين دينياً بالخرافات التوراتية اليهودية عن (شعب الله المختار) و(أرض الميعاد) و(نهاية العالم) و(السيادة اليهودية العالمية)... وغيرها، من أتباع المذهب التطهيري (البيوريتاني) البروتستنتي، ومذهب (عصمة الكتاب المقدس الحرفية)، الذي وصفه مؤرخ واعٍ مدرك لمدى يهودية تلك المذاهب:
"كانت البيوريتانية نوعاً من يهودية جديدة، يهودية محولة إلى مصطلحات أنجلو - سكسونية. ركز هؤلاء البروتستنت، في رجوعهم إلى نص الكتاب المقدس، على العهد القديم، وحاول بعضهم تقبلها حرفياً كأي يهودي أرتوذكسي". هذه البروتستنتية قد بلغت "ذروتها في القرن العشرين في مذهب العصمة الحرفي الأمريكي الذي يصر على أن (إسرائيل) هي التحقيق الواقعي للنبوءة في العصر الحديث". فقد رسخ ذلك المذهب في أذهان البروتستانت الأمريكيين "أن هناك علاقة قومية بين أرض فلسطين والشعب اليهودي باعتبارها السلالة المباشرة لقبائل إسرائيل العبرانية القديمة. وكان الفقه البروتستانتي (المسيحي) هو الذي رسخ التواصل المستمر بين الأرض والشعب".
على أيدي أولئك النفر الذين هربوا إلى العالم الجديد نتيجة الاضطهاد الديني الذي لاقوه في أوروبا بما كانوا يحملونه من خرافات توراتية ودينية عن نهاية العالم، وأحلام إقامة (إسرائيل البرويستنتية، أمريكا، توطئة لإقامة إسرائيل اليهودية في فلسطين)، نشأة الكيان الصهيوني الأمريكي على أشلاء من سموهم الهنود الحمر بعد أن أبادوهم، ودمروا حضارتهم. وقد كانوا يرون في الهنود الحمر سكان الأرض الأصليين وهم يطاردونهم أنهم الكنعانيين الذين أمر الرب في التوراة بني إسرائيل بتطهير الأرض - فلسطين - منهم. كما كانوا يرون في أرض الهنود الحمر أنها فلسطينهم الجديدة، وفي بعض مدنهم التي أسسوها في أرض الهنود الحمر أنها قدسهم، وقدس أقداسهم. وليس أدل على ذلك من الخارطة، التي رسمها أولئك المهووسون بخرافات التوراة للوطن اليهودي المزعوم أنه (وعد الرب) لليهود، التي يعود تاريخها إلى عام 1687م، والتي ضمت إلى جانب فلسطين "مصر، الحجاز، بلاد الشام، العراق، وأجزاء من تركيا تقريباً". هذه الأجزاء التي تمثل قلب مشروع بوش (الشرق الأوسط الكبير والموسع). تلك الخارطة التي قدمها بوش هدية لشارون أثناء أحد زيارته لواشنطن!
يجب علينا فهم الظروف والبيئة التاريخية والدينية لنشأة الكيان البروتستانتي الأمريكي لنعِ البعد التوراتي في السياسة الأمريكية وعمق العداء الأمريكي لأمتنا ووطننا، "فالولايات المتحدة تعتبر أوضح مثل لتقاليد الصهيونية (غير اليهودية)، فقد تغلغلت الأفكار العريضة للصهيونية في التفكير الأمريكي والسياسة الأمريكية تجاه (الشرق الأوسط) وفلسطين منذ قيام الجمهورية ولا يزال هذا الاتجاه سائداً حتى يومنا هذا. وتشير السياسات العامة حول المشكلة الفلسطينية إلى اعتراف الولايات المتحدة (بحقوق) اليهود في فلسطين". وقد عبر عن تلك الحقيقة كولن باول يوم 24/9/2004م: "إن أمريكا دولة يهودية – (مسيحية)".
إن حقيقة موقف الرؤوساء الأمريكيين وثباته من كيان العدو الصهيوني يحتاج من المثقف معرفة الخلفية الدينية التوراتية التي صاحبت ظروف نشأة الكيان الأمريكي، بتجرد وبعيداً عن الخلفيات الأيديولوجية والتأثيرات الثقافية الغربية ليدرك أنه لا يأتِ استجابة للضغوط الصهيونية على الرؤوساء الأمريكيين، ولا لكسب الأصوات اليهودية في الانتخابات، ولا للحصول على التمويل للحملة الانتخابية. ولكنه يأتِ منسجماً مع الثقافة والموروث الشعبي الديني البروتستانتي الأمريكي المستقر في الشعور واللاشعور الأمريكي الذي أسس كيانه في الوطن الجديد على أساس المثل والخرافات الدينية التوراتية. فقد كان الموقف الأمريكي ولازال من الحركة الصهيونية هو موقف ذاتي لا علاقة له بما يقال عن النفوذ الصهيوني في دوائر القرار أو الحملات الانتخابية الأمريكية. ولكنه قائم على أسس دينية وخرافات نهاية العالم الدينية، التي يؤمن بها أتباع المذهب البروتستانتي ذي الأصول الدينية التوراتية.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى