مصطفى إنشاصي
نستكمل حديثنا عن القبائل التي سكنت فلسطين:
العنـاقيـون
ومن القبائل العربية التي هاجرت إلى فلسطين وسكنت فيها العناقيون، وقد كانوا يقيمون ما بين الخليل والقدس ونزلوا أيضاً في غزة وجت وكانوا مولعين ببناء المدن والحصون كغيرهم من القبائل الكنعانية فشادوا مدينة الخليل عاصمة دولتهم زمن ملكهم أربع ودعيت يومئذ قرية أربع بمعنى مدينة أربع، وقد بنى العناقيون مدينة أشدو ومعناها بالعربية الكنعانية حصن واسمها اليوم أسدود وقرية سفر وبلدة عناب.

الحـوريـون
وقد سكن الحوريون إلى الشمال من المناطق التي سكن فيها اليبوسيون، وبنوا فيها مدينة شكيم (بلاطة) وهي من ضواحي نابلس اليوم، وقد انتشر الحوريون في شمال البلاد حتى جبل الشيخ وجبل لبنان، وكانت أهم مدنهم عيون وهي دبين من أعمال مرجعيون جنوبي لبنان، وأقام فريق منهم شمالي مدينة القدس وأنشئوا قرية بعاريم ومعناها مدينة الغابات وتعرف اليوم باسم قرية العنب أو قرية أبو غوش، ومن ملوك الحوريين المعروفين حمور الحوري.

العمـالقـة
وقد سكن العمالقة أو العماليق في المناطق الجنوبية من فلسطين، في الأراضي الواقعة إلى الغرب والشمال الغربي من االبترا وسيناء، وقد عُرف عنهم أن أجسامهم كانت طويلة ولذلك سمو بالعمالقة، وقد سكن آخرون من العمالقة منطقة نابلس وعمروها وسمى جبلها جبل العمالقة نسبة إليهم، وأقاموا عليه مدينة "فرعتون" المعروفة اليوم باسم فرعتا غربي نابلس، وكانت عاصمة العمالقة بئر السبع، وكان العمالقة حماة الطرق التجارية التي تمر بأراضيهم من العقبة وغزة إلى مصر.

الإيفيميون
وقد سكنت قبائل (الإيفيميون) السهول الواقعة في الجنوب الغربي من فلسطين إلى غزة، ويرجح البعض أنهم العويون الذين حل محلهم قبائل الفلسطينيين التي قدمت من جزيرة كريت في القرن الثاني عشر ق.م وسكنوا ما بين يافا وغزة.

قبـائـل أخـرى
إلى جانب هذه القبائل الكبيرة التي غمرت فلسطين وسكنتها سكنت قبائل أخرى أجزاء متفرقة ومتداخلة مع مصر والشام والأردن، ومنها:

المـدينيـون: حيث سكن حوالي القرن الثالث عشر والرابع عشر قبل الميلاد جنوب فلسطين، وامتدت حدود دولتهم إلى شمال الحجاز وجنوب فلسطين، وكانت مدينة معان مركز سلطتهم وتجارتهم، فقد كان المدينيون تجار مهرة امتد نفوذهم من الخليج العربي إلى البحر المتوسط، وكانت قوافلهم تنتقل من جنوب بلاد الغرب إلى شواطئ البحر المتوسط مروراً بمكة والمدينة ومعان وغزة، ويرجح البعض أنهم هم الذين بنوا مدينة غزة، وإلى المدنيين(*) ينسب نبي الله شعيب، وقد كان لهم علاقة طيبة بأقربائهم من القبائل العربية التي سكنت فلسطين ولبنان.

العمـونيـون: وقد سكن العمونيون جنوب نهر اليرموك، وكانت عاصمتهم ربة عمون وهي عمان الحالية، وقد اشتغل هؤلاء بالزراعة وتربية الماشية.

المـؤابيـون: وقد سكنوا إلى الجنوب من العمونيين، كما أسسوا دولتهم جنوب الدولة العمونية بين نهري الموجب والحسا، وكانت عاصمتهم قير حارسة وهي الكرك حالياً، وقد اشتغل هؤلاء بالزراعة أيضاً، وقد كان هؤلاء أشد من حارب اليهود وخاصة في "عصر القضاة" بقيادة ملكهم عجلون وهزموهم وفرضوا عليهم الجزية، وقد نقلوا عاصمة دولتهم إلى أريحا.

الأدوميـون: وقد سكنوا وأقاموا دولتهم إلى الجنوب من المؤابيين في البقاع الواقعة بين نهر الحسا وخليج العقبة، وسميت هذه القبيلة العربية بالأدوميين نسبة إلى أدوم الكلمة العربية القديمة ومعناها احمرار، والتي أطلقت على تربة وصخور عاصمتهم "بصرة" وهي "البصيرة" اليوم، والتي تبعد عشرين ميلاً إلى الجنوب الشرقي من البحر الميت، وكانت مدينة سالع من أشهر مدنهم، ومنهم النبي أيوب عليه السلام ذو الشخصية الفذة الذي ذكره القرآن الكريم مثالاً للصبر.
وبعد أن تداخلت مناطق سُكنى العرب الأنباط مع مناطق سُكنى الأدوميين هاجر جزء منهم بسبب زيادة الضغط على الموارد الطبيعية إلى فلسطين واستقروا في جنوبها، وقد أصبحت الخليل وبيت جبريل من قلاعهم، وكان من كبار قادتهم هيرودوس الذي عينه قيصر الرومان أغسطس بعد الاحتلال الروماني لفلسطين أميراً على اليهود ـ حيث كانت هذه القبيلة قد تهودت في عهد سيدنا داود تقريباً ـ وقد قضى هيرودوس على سلطة المكابيين وابتدأت الدولة الهيروديسية .
وقد كان من أشد الأخطاء التي وقعت فيها تلك القبائل أنها كانت تعيش في دول مستقلة عن بعضها البعض، ما كان يسهل على الإمبراطوريات الكبرى إخضاعها لسيطرتها، على الرغم من أن تلك القبائل عرفت في حوالي القرن الثامن عشر ق.م وحدة بين قبائلها، ساعدتهم على إنشاء إمبراطورية قوية استطاعت أن تضم إليها مصر، أو أن تحكم مصر من داخلها وتوحدها مع بلاد الشام وفلسطين خاصة، وذلك أيام الهكسوس.