نبأ قرار إغلاق هيئة الإذاعة البريطانية إذاعتها الناطقة بالعربية كان لي أكبر من نبأ، كان تمزيقا لباقة ذكريات كبيرة
في صباح أحد الأيام وأنا طفل صغير، تردد أمامي اسم إذاعة لندن أول مرة، مرفقا باسمي: الكويت وصدام.
كانت حوارية بين والدي ووالدتي يومها وقد بلغهم نبأ الغزو العراقي للكويت عام ١٩٩٠، فتملكهتما مشاعر مختلطة، وأسرهما قلق طاغ، وكانت إذاعة لندن أيام إذ بما يعرف من مهنيتها وحيادها مصدر المعلومات الأدق، والأبعد عن التحيز لطرف دون طرف.
وكان عمي أبو جلال رحمه الله، عم الوالد، وأحد أوائل من قدموا سورية حاملين شهادة في الهندسة الكهربائية من الولايات المتحدة، ومن تسلم مناصب عدة في المؤسسات الحكومية، يقضي أغلب وقته بعد تقاعده -وهو ما أدركته من أمره- بجانب مذياع صغير في حجرة نومه، يستمع إلى إذاعة لندن الناطقة بالعربية.
حتى إن تقليد الاستماع إلى الفترات الإخبارية الصباحية من إذاعة لندن كان تقليدا متبعا عند غير واحد من أقربائنا ومن نعرف.
وفيما بعد، نشأت بيني وبينها صداقة حميمة خاصة، فكنت وأنا في الإعدادية، لا أذهب إلى المدرسة حتى أستمع إلى نشرات أخبارها وفتراتها الصباحية، وكان نجماها مذيعين مخضرمان، أردني اسمه جورج مصري، وآخر سوداني نسيت اسمه.
لكن كان لا بد للتطور التقاني أن يقول كلمته، فغابت إذاعة لندن عن أفعالنا اليومية، ولعل ظهور القناة التلفازية التابعة لها أسهم كثيرا في تغييبها.
ونسينا أمرها كما نسينا كثيرا من جماليات حياتنا القديمة البسبطة، حتى باغتنا نبأ إغلاقها اليوم.
وداعا إذاعة لندن، وداعا يا كثيرا من طقوس حياتنا السالفة الهانئة