. . . أنا لستُ محللاً اقتصادياُ ولستُ خبيراً في التجارةِ والاقتصاد ، لكنني أحاولُ أن أستحضرَ مثالاً بسيطاً عما نعاني منه من غلاءِ الأسعار .
. . . سأضربُ مثالاً رمزياً ولا أقصدُ به أحداً معيناً .
. . . كان سعر قطعة البيتزا 200 ل. س فارتفع سعر الجبنة القشسقوان بنسبة 50 % ، ولنفرض أن بائع البيتزا كان يضع نصف وزن القطعة جبنة ( لكنه يضع أقل من ذلك ) ، أي إن سعرها هو 100 للعجين والمواد الأخرى و100 للقشقوان . . . هنا ــ وبسبب ارتفاع سعر الجبنة ــ يجب عليه أن يرفع سعر الجبنة إلى 150 لكي لا يخسر ولكي يحافظ على نسبة ربحه ( الحلال ) ، فيصبح سعر قطعة البيتزا 250 بدلاً من 200 .
. . . لكنه ماذا يفعل :
1 ــ يصبح سعر القطعة 300 بدلا من 200 ، إي إنه رفع سعر الجبنة 100% بدلا من الـ 50 % . وهذا هو الربح الأول . ويقول لك : ( يا أخي غليت الجبنة ما عمتوفي معنا ) .
2 ــ يصغِّر حجم قطعة البيتزا إلى النصف فتصبح كل اثنتين تعادل واحدة . وهذا هو الربح الثاني ، ويقول لك : ( يا سيدي إذا ما عملنا هيك ما بناكل ، يعني أنا منين بدي جيب ) .
3 ــ يقلِّل كمية القشقوان على كل قطعة إلى النصف . وهذا هو الربح الثالث ، ويقول لك : ( الله يلعن هالعيشة ، عمننجبر نعمل هيك لحتى نقدر نعيش ) .
. . . فيكون بذلك قد رفع سعر القطعة وصغَّر حجمها وقلل كمية الجبنة . . . كل هذا لأن الجبنة ارتفع سعرها .
. . . ( طبعا أنا لا أقصدُ البيتزا تحديدا ، ولا أريد التحدثَ عن الكاتو المزيَّن أو الكورن فليكس ، إنما وجدتُ هذا المثالَ قريبا من الذهن ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
. . . بائع السندويش الذي يُسخِّن السندويش على الغاز يرفع سعر السندويشة مائة ليرة ويقول لك : ارتفع سعر الغاز ، عمنشتري غاز حر .
. . . يا أخي إن جرة الغاز الواحدة تسخِّن لك على الأقل 1000 سندويشة ، إي إنك ستأخذ زيادة مائة ألف من أجل غلاء الغاز ؛ والغاز ارتفع عليك من 3000 ل. س إلى 20000 ل. س ، أي إنه زاد عليك 17000 ل .س . . . لكنك ستربح في كل جرة غاز 83000 ل. س .
. . . ثلاث وثمانون ألف ليرة سوري زيادة لأن الغاز زاد سعره 17000 .

. . . لن أطيل ولن أتحدث هنا عن الاحتكار وعن رأس المال القديم والربح الجديد بناء على أسعار جديدة لبضاعة قديمة مازالت في المستودعات ، لكني مازلتُ أعتقدُ جازماً أن الربجَ ( الحلال ) مرتبطٌ برأسِ المالِ السابقِ الذي تمَّ به شراء البضاعة في الماضي وليس مرتبطاً بسعرِها الجديدِ القادم ، وإلا فما الفرقُ بين من اشترى على السعر القديم ومن اشترى على السعر الجديد .

. . . يا جماعة ، لو كان كل تاجر صغير يرفع الأسعار بقدر ما تزيد عليه من ( المصدر ) ويحافظ على نسبة ربحه السابقة التي كان يحيا عليها وأموره ( مستورة ) كما يقول لهان علينا الأمر ، لكن المشكلة أن معظمهم إذا زاد
عليه رأس المال ضعفا واحدا فإنه يرفع السعر إلى ثلاثة أضعاف تحت شعار كلمة ( يا أخي الغلا مو من معنا ، نحنا ما دخلنا ، نحنا ما عنا معمل ، نحنا متلنا متلكم ) .
. . . واللهِ أنا لا أعرف كيف تكون مثلُك مثلُنا ، نحن موظفون وأنت تربح في كل يوم ما يعاد معاش اثنين من الموظفين ، وتقول ( ما عمتوفي ) فماذا نقول نحن ؟ .
. . . أعود فأؤكد إن اللهَ هو الذي يرفعُ الأسعارَ لكي يرحمنا ونعودَ إلى نسبةِ الربح ( الحلال ) ؛ لكننا كلما رفع اللهُ السعرَ رفعناه نحن أيضاً لكي نحافظ على أخطائنا القديمة ولانرحمَ أنفسنا .
. . . لذلك فنحن كما وصفنا الشاعر :
نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا . . . . . . وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ . . . . . . وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ . . . . . . وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا